منوعات

سلفيو كوستا.. اختاروا التعايش فتبرأ منهم الجميع

كيانات وحركات وأحزاب كثيرة ظهرت في مصر بعد ثورة 25 يناير 2011، من ضمنها حركة “سلفيو كوستا” التي أثارت جدلا واسعا فور ظهورها، لغرابة المسمى والأفكار والنهج عن باقي المدارس السلفية السائدة.

الداعية الإسلامي محمد يسري سلامة، أحد أبرز رموز ثورة يناير، كان في مقدمة من تحمسوا للحركة منذ البداية، بعد انشقاقه عن حزب النور الذي كان متحدثا رسميا باسمه واستقال منه للانضمام للحركة التي رأى فيها تعبيرا عن الحالة السلفية كما ينبغي أن تكون.

التأسيس

حسب محمد طلبة، مؤسس “سلفيو كوستا”، فالأمر كله جاء مصادفة بعد موقف عابر اعتبره يعكس سلوكا عنصريا تجاه كل من هو ملتحي. الواقعة سبق أن شرحها طلبة في لقاء تليفزيوني: بعد اجتماع مع زملائي في العمل، دعوتهم لاستراحة قصيرة على مقهى كوستا كافيه الشهير وسط القاهرة قبل استئناف العمل مجددا. رغم بساطة الأمر إلا أنني فوجئت بنظرات استغراب ودهشة من رواد المقهى لوجود شاب في مثل مظهري الذي يبدو سلفيا يجلس في مثل هذا المكان، من هنا جاء التفكير في إطلاق مسمى “سلفيو كوستا” على مجموعتنا لإزالة الصورة الذهنية في عقول المجتمع عن السلفيين والمتدينين عامة.

التعايش هدفنا

ما أهداف هذه الحركة وأفكارها؟ وماذا يميزها عن التيارات السلفية التقليدية؟

يجيب دكتور محمد حسين (30 سنة)، صيدلي، المسؤول الإعلامي وأحد مؤسسي الحركة لـ “أصوات“: “سلفيو كوستا” تأسست في مارس عام 2011 من خلال محمد طلبة، وكان عدد المنضمين للحركة 90 شخصا كونوا ما يشبه النواة للحركة، وسرعان ما انضم مئات آخرون، دون إحصاء رسمي نظرا لعدم وجود استمارات انضمام للحركة، كنا نسعى فقط أن نجمع كل من يؤيد فكرتنا الرئيسية وهي التعايش بين جميع المصريين مهما كانت الاختلافات في الفكر أو الدين أو العقيدة أو النوع.

ويضيف: الحركة مدت يدها للتعاون مع الليبراليين والعلمانيين دون أي حساسية، نرحب بالتعاون مع الجميع في خدمة المجتمع، الكل سواسية والكفاءة والقدرة على ابتكار الحلول هي المعيار في تقلد المناصب وتحمل المسؤولية، لافتا إلى أن الحركة جذبت منذ البداية أسماء بارزة من الوجوه الفاعلة في ثورة 25 يناير.

ويوضح: اسم الحركة لا يعني مطلقا أن السلفيين هم المسيطرين داخلها، بل إنهم نسبة بسيطة بالمقارنة بأصحاب الأفكار الأخرى، فالحركة مثلا تدعم مشاركة الأقباط في كل مناحي الحياة في مصر باعتبارهم شركاء في الوطن، كما أنهم يسهمون بدور كبير داخل الحركة.

دعوة للاندماج

مارك أنطوان أحد أبرز مؤسسي سلفيو كوستا، يحكي لنا عن تجربته داخل الحركة: جذبني للحركة حجم التفاعلات معها على موقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك”، رغبت أن أتعرف أكثر على السلفيين وأزيل انطباعاتي السابقة عنهم، أول ما لفتني داخل الحركة روح الاحترام المتبادل والتعايش المشترك بين الجميع، رغم وجود بعض متشددين في الحركة. كان هدفي الأساسي أن أرسل رسالة  للناس: “اندمجوا، واتركوا الاعتقادات الخاطئة عن بعضكم البعض، كلنا لنا الحق في الحياة في وطننا”.

ويضيف: عائلتي رفضت في البداية انضمامي للحركة لكني أقنعتهم بالفكرة، كما حذرني أصدقاء مسلمون من أن الحركة هي مجرد محاولة من السلفيين لتجميل صورتهم، وأكدت لهم أن الأمر لا يبدو لي كذلك وأنني سعيد وفخور بالتجربة.

رؤية ناضجة

على خلاف الفكر السلفي التقليدي الذي يحصر المرأة داخل وظائفها في البيت فقط، يشدد سلفيو كوستا على إيمانهم بدور المرآة الفاعل في المجتمع وضرورة مشاركتها في كافة مناحي الحياة، بما في ذلك تولي مواقع قيادية داخل الحركة.

سهى محمد، القيادية النسائية بين مؤسسي الحركة، روت قصتها لـ”أصوات“: انضممت للحركة مبكرا لإعجابي بفكرتها ودعوتها لتقبل الآخر واحترام الاختلاف ونظرتها للمرأة باعتبارها مثل الرجل لها نفس الحقوق وعليها نفس الواجبات، فالحركة لا تمانع مثلا أن تترشح المرأة لانتخابات الرئاسة كأي فرد من الشعب يجد في نفسه الصلاحية لشغل هذا المنصب، ومن خلال التنافس الحر يختار الناس من يرونه الأفضل.

وتابعت: لم ألمس من الأعضاء أي تمييز ضد المرأة، بل وجدت مساع لإيجاد أرضية مشتركة تربطنا جميعا رغم أية اختلافات أيدولوجية أو دينية، وهذا ما يميزنا كحركة عن الكيانات السلفية الأخرى، بل وعن كيانات اجتماعية عديدة لا تتمتع بمثل هذه الرؤية الناضجة حيال المرأة ودورها في المجتمع.

مشاركات سياسية

على الرغم من تأكيد قيادات في الحركة أنها كيان اجتماعي وليست كيانا سياسيا، يرصد الباحث في شؤون الإسلام السياسي عبد الشكور عامر أن الحركة حرصت على بعد تأسيسها عام 2011 على نفي انتمائها لأي تيار سياسي وفتحت باب عضويتها للجميع، ولم تفرق في عضويتها بين الإخواني والليبرالي واليساري والاشتراكي، وحتى أعضاء الحزب الوطني السابقين.

ويضيف: الحركة حاولت قدر المستطاع أن تبعد عن السياسة إلا في المواقف التي تستلزم مشاركة شعبية كبرى كالاستفتاءات والتعديلات الدستورية والانتخابات الرئاسية، غير أنها لم تدعم مرشحا بعينه في الانتخابات وتركت لأعضائها حرية الاختيار، كل حسب قناعاته.

وتابع: بعد انتخابات الرئاسة المصرية عام 2012 كان للحركة تواجد سياسي أكبر، دون أن تأخذ نهج الحركة السياسية، بعض قيادات الحركة طالبوا مثلا بتعديلات دستورية بعينها، كطلبهم إضافة مادة في الدستور تحمي الأثار وتجرم أي محاولة للاعتداء عليها بعد فتاوي سلفية دعت إلى هدمها، وفي 2013 أيد قيادات في الحركة دعوة “تمرد” لثورة 30 يونيو، وبعد فض اعتصام الإخوان في رابعة بدت بوادر انشقاقات في الكيان بسبب الخلاف ما بين مؤيدي الإخوان ومعارضيهم من أنصار ثورة 30 يونيو، الأمر الذي أدى إلى انتخابات جديدة في الحركة، وانطلاقة جديدة بعيدا عن السياسة وتياراتها تجنبا للخلاف وحفاظا على أهم ما ميز الحركة وهو التعايش بين جميع المختلفين واحترام الرأي والرأي الآخر، إلا أن أداء الحركة بدا خافتا مقارنة بالزخم الذي صاحب ميلادها مع ثورة 25 يناير.

انتقادات سلفية

الداعية السلفي سامح عبد الحميد حمودة يرى أن “سلفيو كوستا” مجرد نزوة لبعض الشباب وانتهت. ويقول لـ”أصوات“: هي اسم على غير مسمى، فهي تحوي ليبراليين ومسيحيين وغيرهم، ما يخرجها عن تصنيف السلفيين تمامًا.

ويضيف: نحن السلفيين لا نرى في هذه الحركة أكثر من هوجة لبعض الشباب غير المتناسقين فكريًّا ولا منهجيًّا، سلوكهم أبعد ما يكون عن نهج السلف الصالح، وقد يُطلق بعضهم لحيته إلا أن أفعاله تظل بعيدة تماما عن الشرع، لذا سُرعان ما انتهت حركتهم وانزوت عن الأعين.

في المقابل نفت قيادات الحركة هذه الاتهامات، مشددة على أن الحركة لم تنسحب من المشهد تماما، وإن كانت مثل غيرها من كيانات عديدة ظهرت مع ثورة 25 يناير لم تعد أنشطتها بنفس الزخم الذي واكب أحداث الثورة. ولفتت إلى أن الحركة تركز في نشاطها حاليا على أنشطة اجتماعية وثقافية بالأساس، مثل تنظيم قوافل توعوية وطبية لخدمة المجتمع، خاصة الفئات والمناطق الأكثر احتياجا لمثل هذه النوعية من الخدمات.

سيناريوهات المستقبل

الباحث في شئون الإسلام السياسي، محمد عبد السلام دحروج يرى أن انحسار الحركة سريعا عن المشهد السياسي يكمن بالأساس في حال الاستقطاب الحاد في مجتمع بات لا يرحب بالاختلاف والتنوع الذي رفع سلفيو كوستا شعاراته، فضلا عن أن اسم الحركة وانفتاحها للجميع بما فيهم المرأة والأقباط كان سببا في عزوف غالبية المنتمين إلى التيار السلفي عن الانضمام لها، فيما تحفظ آخرون على الانضمام لحركة يوحي اسمها بتبني أفكار التيار السلفي.

واعتبر دحروج أن هذه الأسباب تبقى حائلا دون احتمالية عودة الحركة مستقبلا بنفس الزخم الذي طمحت فيه وقت إطلاقها، وربما كان ذلك ما يفسر انصراف الكثير من مؤسسيها عنها، ومنهم محمد طلبة المؤسس نفسه.

أحمد الجدي

باحث في شئون الإسلام السياسي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock