عميد الأدب العربي، الدكتور طه حسين، الذي تحل الذكرى الخامسة والأربعون لرحيله في الثامن والعشرين من أكتوبر الجاري، يكاد يكون هناك ما يشبه الإجماع على أنه يعد نقطة فاصلة في تاريخ البحث العلمي العربي بإعماله منهج الشك والنقد التاريخي على نحو اتسم بجرأة غير مسبوقة في تاريخنا المعاصر، ما دفعه لخوض العديد من المعارك التاريخية سواء في إطار محاولاته ودعواته للتجديد والإصلاح في الأزهر الشريف، أو من خلال مؤلفاته التي أثارت ردود فعل واسعة النطاق ككتابيه (مستقبل الثقافة في مصر)، و( في الشعر الجاهلي).
صالون “علمانيون” الفكري احتفى هذا الأسبوع بإحياء هذه المناسبة عبر استضافة أستاذ الأدب العربي، الناقد عبدالسلام الشاذلي للتحدث عن مشوار د. طه حسين ومشروعه الفكري الذي أسس لعصر جديد في الثقافة العربية ما زلنا ننهل من روافده. رأى الشاذلي أن الدكتور طه حسين الذي لحقت به ألقاب عدة، كان يقف بإحدى قدميه على أرض التراث الإسلامي، بينما كانت القدم الأخرى عابرة للبحر المتوسط لتقف راسخة على مصنفات التراث الغربي اللاتيني واليوناني وحتى الأدب الغربي المعاصر، فلم يكن غريبا أن يطلق عليه هنا “عميد الأدب العربي”، بينما يطلق عليه في فرنسا “فولتير العرب”.
وحسب الشاذلي، كان أكثر ما ميز أسلوب طه حسين هو مزجه المتقن، الذي لا يحمل تكلفا ولا ضعفا، ما بين الفصحى المتوارثة منذ القدم، والفصحى المعاصرة التي تعكس تطور لغة العرب على مر العصور، لافتا هنا إلى محاضرات طه حسين المبكرة في مطلع عشرينيات القرن الماضي عن امرؤ القيس، وزهير بن أبي سلمى، والنابغة الذبياني.
وأكد الشاذلي أن اعتماد د. طه حسين لمنهج الشك الديكارتي كان عاملا أساسيا في خلخلة الكثير من ثوابت الثقافة العربية لاسيما ما يتعلق بتاريخ الأدب العربي وتطور اللغة العربية، فهو أول من آثار فكرة تطور اللغة العربية، وأن اللغة التي نتعامل معها باعتبارها لغة العصر الجاهلي وأدبه ليست كذلك، وإنما هي في حقيقتها محاولات سابقة لانتحال الأدب الجاهلي في لغة معاصرة.
استعرض الشاذلي مشروع طه حسين الفكري من خلال عرض موجز للعديد من مصنفاته بدءا من كتبه: ألوان، وآلهة اليونان، وحديث الأربعاء، ومرورا بـ “الشيخان” و”مستقبل الثقافة في مصر”، وحتى كتابه الأكثر جدلا “في الأدب الجاهلي”، معتبرا أن طه حسين هو أول من تعامل مع الإسلام والتراث الإسلامي كظاهرة حضارية، متأثرا في ذلك بكتابات فولتير وجان جاك روسو وبدرو، مدللا على ذلك بأن الرؤية التي قدمها طه حسين لشخصية عمر بن الخطاب في كتاب “الشيخان” تكاد تماثل إلى حد كبير رؤية روسو لشخصية عمر.
ولفت الشاذلي إلى أن طه حسين كان له الفضل في توجيه الدراسات الأدبية للكشف عما يعرف بالتراث الأدبي الشعبي، وذلك حين وجه الدكتورة سهير القلماوي، إحدى تلميذاته، لإعداد رسالتها العلمية لنيل درجة الدكتوراه حول “ألف ليلة وليلة”، التي تمثل ملحمة فنية أدبية ألهمت كثيرين من عباقرة الأدب الغربي والعربي على السواء، ولا تقل عن الإلياذة والأوديسة في الثقافة اليونانية.
واعتبر الشاذلي أن طه حسين يعد امتدادا حقيقيا لمدرسة الأستاذ الإمام محمد عبده، سواء في محاولاته ودعواته لتجديد الخطاب والفكر الديني في الأزهر الشريف، أو من خلال اهتمامه بفلسفة ابن خلدون الاجتماعية، فاهتمام حسين بابن خلدون انبثق عن اهتمام الأستاذ الإمام محمد عبده بفلسفة ابن خلدون، الذي رأي فيه مفكرا متفردا وصاحب إسهام بارز في فلسفة التاريخ لا يقل أهمية عن فلاسفة التاريخ المعاصرين في الغرب الأوروربي وعلى رأسهم أرنولد توينبي.