رائدات مصريات أوائل بدأن مسيرة نضال طويلة للمرأة المصرية، امتدت عبر عقود طويلة لانتزاع حقوقهن في الحياة، والمشاركة في بناء الوطن يدا بيد مع الرجل.. هدى شعرواي، ملك حفني ناصف، زينب كامل حسن، فاطمة اليوسف، وغيرهن، قائمة مناضلات طويلة خضن مشقة البدايات الصعبة لإلهام أجيال لاحقة من بنات وطنهن الثبات في معركة التنوير وإثبات الذات.
جوانب من مسيرة المرأة المصرية لنيل حقوقها، يعرضها كتاب “لمحات من رحلة المرأة المصرية” للدكتور طارق علي حسن، الصادر حديثا في 122 صفحة، بملحق صور نادرة لرئدات مصريات شاركن في كتابة تاريخ مصر المعاصر.
الكتاب يرصد معاناة المرأة المصرية طوال تلك الرحلة الممتدة على مدى عقود من تاريخ مصر، في مواجهة جمود فكر مؤسسات دينية ورسمية وقفت بالمرصاد لنضال المصريات لنيل حقوقهن المشروعة في المشاركة، ما فرض على المرأة المصرية أن تخوض معركتها الكبرى لانتزاع حقوقها غير منقوصة، بمساندة عدد من التنويريين الرواد.
أدركت المصريات مبكرا أن التعليم هو الساحة الأهم لتأكيد حقوقهن الكاملة في المجتمع، وإثبات جدارتهن بالمشاركة في جميع مناحي الحياة على قدم المساواة مع الرجل. بدأت هذه الرحلة مبكرًا في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، عندما تصدت “جشم آفت هانم”، الزوجة الثالثة للخديوي إسماعيل (1830-1907) لتأسيس أول مدرسة لتعليم البنات (السيوفية)، حسب ما أثبته أرشيف “الوقائع المصرية” عام 1873.
كانت المدرسة الأولى من نوعها في مصر والعالم الإسلامي بأسره، وبدأت وقتها بنحو 12 طالبة، ثم تحول اسمها إلى مدرسة السنية عام 1889 ومن أشهر من تخرجن منها: ملك حفني ناصف، نعيمة أحمد، نبوية موسى، بهية كرم، إنصاف سري، نازلي الحكيم، فاطمة فهمي.
يرصد كتاب الدكتور طارق على حسن نماذج من نضال رائدات التنوير المصريات، وفي مقدمتهن السيدة زينب كامل حسن، التي انتزعت حقها في التعليم والعمل، بعد أن أصرت والدتها على إكمال تعليم ابنتها، رغم ظروف استشهاد الأب بالسودان عن عمر لم يتجاوز 33 عامًا.
أنهت زينب كامل حسن مراحل تعليمها بتفوق، وحصلت على شهادة التعليم الثانوي لتلتحق بالجامعة التي كانت وقتها كانت حكرًا على الرجال فقط، وقادها تفوقها للفوز ببعثة دراسية حكومية في لندن عام 1921 استمرت لسبع سنوات، توجتها بنيلها بكالوريوس الكيمياء بتفوق من جامعة لندن، ودبلوم بكتريولوجيا الأغذية والعقاقير، وتدرجت في مجال البحث العلمي هناك لأعلى درجاته، قبل أن تعود لاحقا إلى مصر، لتصبح أول مصرية تقتحم مجال التدريس بالجامعة، بمساندة من الدكتور مصطفى مشرفة، وكان أغلب أساتذة كلية العلوم والطب وقتها من الإنجليز.
يحفل الكتاب بنماذج مضيئة عديدة من مسيرة نضال المرأة المصرية في مجالات شتى، بدءا من التعليم وصولًا إلى الفنون المختلفة من مسرح وموسيقى وغيرها. نعيش من خلال صفحات الكتاب تفاصيل تجربة نبوية موسى كأول مصرية تحصل على البكالوريا، ونضالها في دراسة الحقوق، وتعرضها للحرمان من دخول الامتحان النهائي، وفصلها لاحقا من العمل بالمدارس الحكومية في عام 1936، لتتجه بعدها إلى تأسيس مدارسها الخاصة، وتخوض نضالا أمام المحاكم المصرية تترافع فيه بنفسها عن قضيتها العادلة ضد الحكومة، وتكلل جهودها بانتزاع حكم لصالحها مع تعويضها بمبلغ 5500 جنيه.
كما يعرض لنا الكتاب نماذج من نضال المرأة في مجالات متنوعة، ومنها مفيدة عبد الرحمن أول فتاة مصرية تحصل على ليسانس الحقوق، وأول مصرية وعربية تترافع أمام المحاكم العسكرية العليا.