منوعات

«ماعت» قبل تهاني الجبالي.. المرأة المصرية قاضية منذ ٧٠٠٠ عام

«تكفل الدولة تحقيق المساواة بين المرأة والرجل فى جميع الحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية وفقا لأحكام الدستور. وتعمل الدولة على اتخاذ التدابير الكفيلة بضمان تمثيل المرأة تمثيلا مناسبًا فى المجالس النيابية، على النحو الذى يحدده القانون، كما تكفل للمرأة حقها فى تولى الوظائف العامة ووظائف الإدارة العليا فى الدولة والتعيين فى الجهات والهيئات القضائية، دون تمييز ضدها. وتلتزم الدولة بحماية المرأة ضد كل أشكال العنف، وتكفل تمكين المرأة من التوفيق بين واجبات الأسرة ومتطلبات العمل. كما تلتزم بتوفير الرعاية والحماية للأمومة والطفولة والمرأة المعيلة والمسنة والنساء الأشد احتياجًا».. نص «المادة 11 من الدستور المصري».

الجدل الواسع والممتد الذي صاحب تعيين المستشارة تهاني الجبالي عام «2003» كقاضية بالمحكمة الدستورية العليا في مصر مازال صداه ممتدا ربما حتى اللحظة الراهنة، فمع كل مناسبة تخص المرأة تتجدد الدعوة إلى ضرورة الحرص على تعيين المرأة المصرية بكافة المناصب القضائية مثلها في ذلك مثل الرجل، خاصة وأن الدستور المصري قد كفل لها هذا الحق دون أدنى تمييز بينها وبين الرجل.

المستشارة تهاني الجبالي

في هذا السياق عقدت وحدة أبحاث القانون والمجتمع بالجامعة الأمريكية بالقاهرة ندوة عامة تحت عنوان: «المرأة والقانون.. حصاد 100 عام من التحديات والمكاسب» شارك في أعمالها المستشارة تهاني الجبالي، نائب رئيس المحكمة الدستورية العليا سابقا، والمستشار محمد سمير نائب رئيس هيئة النيابة الإدارية، والدكتورة أماني فؤاد الكاتبة والناقدة الأدبية، وأدار الندوة مصطفي شعث الباحث القانوني بوحدة أبحاث القانون والمجتمع.

قواعد ماعت

«أنا لم أرتكب خطيئة، أنا لم أسرق، أنا لم أقتل، أنا لم أكذب، أنا لم أغلق أذنيَّ عن سماع كلمات الحق، أنا لم أتسبب في بكاء الآخرين، أنا لم أعتد على أحد، أنا لم أغش أحدا، أنا لم أغتصب أرض أحد، أنا لم أقم بإرهاب أحد، أنا لم أخالف القانون، أنا لم أهدد السلام، أنا لم أفعل الشر، أنا لم ألوث ماء النيل» .. من قواعد «ماعت» إلهة العدل عند المصريين القدماء.

استهلت المستشارة تهاني الجبالي كلمتها بالإشارة إلى أنها لم تكن أول امرأة مصرية تتولى منصب «قاضية» في المحاكم المصرية كما هو شائع عنها، فقد سبقتها منذ سبعة آلاف سنة «ماعت» المرأة المصرية التي اعتلت رأس المحكمة العليا في مصر، وكانت بمثابة رمز العدالة في مصر القديمة، ومازالت مختلف المعابد والآثار المصرية تحمل صورتها كرمز للعدالة، حتى أن «قواعد الماعت» كانت بمثابة دستور للدولة المصرية، يقسم به «الملك والملكة» كقسم مقدس عند تولي حكم مصر.

وثيقة المبادئ الأساسية التي وضعتها الدولة المصرية

تضيف الجبالي: وخلال العصر القبطي، كانت هناك قاضية تُدعَى «دبورة»، حاكمت تلك القاضية الحاكم العسكري الأجنبي الذي كان يحتل مصر في تلك الآونة، وحكمت عليه بالإعدام، ومن موقفها هذا انطلقت بمصر ثورة شعبية عارمة ضد سلطة الإحتلال آنذاك.

تروي الجبالي عن تجربتها في ساحة القضاء فتقول: «عندما عينت كقاضية سألت أول قاضية إنجليزية :يا تَرى القضاء الإنجليزي قابلك إزاي؟ قالت لي: أنهم كانوا بيعملوا حفلة لكل قاضي يتعين في المحكمة، أنا الوحيدة إللي معملولهاش حفلة»

تضيف الجبالي أن أي تغيير مجتمعي في حاجة إلى بعض الوقت، وقد ضربت المثل بالأستاذة «عائشة راتب» التي أقامت عام «1948» قضية أمام مجلس الدولة تطالب فيها بحقها في التعيين كقاضية، غير أن القضاء المصري قد أشار حينها أن «مبدأ الموائمة» غير قائم، تعلق الجبالي على هذا الحكم بأن القضاء المصري لم يشر إلى أنه «لا يجوز شرعا، أو قانونا»، ذلك أن قانون السلطة القضائية منذ إنشاء القضاء المصري لا يتضمن أي نص يحدد نوع القاضي بأنه «ذكر أو أنثى» وبالتالي فإنه لم تكن هناك أي مرجعية لغياب المرأة عن منصة القضاء سوى ما يسمى «بالملائمة الاجتماعية».

عائشة راتب

تعود الجبالي لتشير إلى أن «ما صاحب تعييني من جدل وصخب إعلامي وحوار مجتمعي ممتد، والإختلاف في وجهات النظر، لم يمنع من أن يكون هناك مراجعة لمبدأ الملائمة من المحكمة الدستورية العليا في مصر، ومن ثم تتخذ قرارا بتعيين أول قاضية بها، وهو موقف حضاري يليق بموقف مصر الحضاري ورؤيتها للدور الحضاري للمرأة».

في هذا السياق نوهت الجبالي إلى وجود «11 دولة عربية» قد سبقت مصر في تعيين المرأة كقاضية، وأن بعض تلك الأقطار وصل عمر تجربة المرأة فيها بمجال القضاء إلى نحو أربعين عاما، وضربت المثل بالجزائر التي وصلت نسبة مشاركة المرأة فيها بالقضاء حوالي 50% من إجمالي عدد القضاة.

اختتمت الجبالي حديثها بلفت نظر الحضور إلى أن الإعلام المصري لم يهتم برصد تجربة القاضيات المصريات بالمحاكم المصرية، تلك التجربة العملية التي تشهد للقاضيات بالكفاءة والقدرة على الإنجاز بكافة مستويات التقاضي.

نسبة النصف في المائة

من جهته أشاد المستشار محمد سمير بالدور الفاعل الذي تلعبه المرأة المصرية داخل ساحة القضاء المصري وبصفة خاصة داخل هيئة النيابة الإدارية، غير أنه انتقد بشدة انخفاض معدلات تعيين المرأة بالقضاء، ذلك أن نسبة تعيين النساء بالقضاء المصري مازالت تقف عند حدود «نصف بالمائة».

«فالمحكمة الدستورية لم تجلس في مقاعدها قاضية أخرى بعد المستشارة تهاني الجبالي، ومجلس الدولة لم تدخله أي امرأة منذ إنشائه حتى الآن، والنيابة العامة نسبة المرأة بها صفر .. وهيئة قضايا الدولة نسبة مشاركة المرأة بها ما يقرب من 28%، والنيابة الإدارية بها حوالي 43% نساء»، وفقا للمستشار محمد سمير.

يعود المستشار سمير ليؤكد من خلال تجربته العملية على أن النساء بهيئة النيابة الإدارية يتولين أعمالهن مثل باقي زملائهن الرجال «بيسافروا، ويروحوا محافظات، ويعملن في كل أنواع القضايا أسوة بزملائهن من الذكور» كما أن بعضهن تولين رئاسة «هيئة النيابة الإدارية» وقدمن خلال فترة عملهن نموذجا مشرفا للغاية للمرأة كمسئولة عن مؤسسة كبرى.

المستشار محمد سمير

صورة نمطية

من ناحيتها انتقدت الدكتورة أماني فؤاد في كلمتها الصورة النمطية للمرأة المصرية التي طُرحت بالعديد من الأعمال الأدبية والفنية، وكان من بينها أعمال أديب نوبل «نجيب محفوظ» الذي حصر العلاقة بين الرجل والمرأة في صورة «أمينة وسي السيد»، تلك الأعمال التي كان من شأنها تعزيز ثقافة مجتمعية تعوق التحاق المرأة بالعديد من الأعمال الهامة، ومن ثم دعت الدكتورة أماني إلى ضرورة أن يكون هناك حالة من الإهتمام بتقديم النماذج المشرقة من صور النساء اللاتي تمكن من خوض العمل بمجالات هامة مثل القضاء.

الدكتورة أماني فؤاد

في هذا السياق تساءلت أماني فؤاد: «لماذا لا يهتم كتاب السيناريو بالكتابة عن تجارب النساء الناجحات في مجالات القضاء، والطب، والمحاماة والجامعة، ولماذا لا تهتم الدولة بدعم المشروعات الإبداعية -سواء كانت أدبية أو فنية- التي تعالج القضايا الحقيقية للمرأة المصرية؟».

اختتمت الدكتورة أماني كلمتها بالمناداة بضرورة أن تهتم الدولة بتطوير المناهج التعليمية بمختلف المراحل الدراسية حتى يمكنها تقديم صورة للمرأة بوصفها كائنا إجتماعيا فاعلا بمختلف المجالات الاجتماعية بالمجتمع، كما دعت المثقفين المصريين إلى ضرورة الاهتمام بقضايا المرأة في محاولة لدعم ما أطلقت عليه «دراما الحلم» الذي يتيح للمرأة فسحة السعي نحو تحقيق ذاتها على مختلف الأصعدة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock