يطمح كل مؤلف جاد إلى أن تتوفر فى كتبه المادة الغزيرة والخبرة الحقيقية والعرض الشائق فضلا على الإخراج الفنى والبصرى الذى يريح العين ويمتعها، ويصل بها إلى درجات من التأمل والفهم لم يرق إليها من قبل. ودون أدنى مبالغة، ولا إفراط فى الثناء، تحقق كتب الأستاذ القدير، مدير التصوير الكبير، والفنان والإنسان صاحب الحس والذوق الرفيع سعيد شيمى، هذه المتعة التى لا نظير لها وهذه الاستجابة الرائعة التى تتخلق فى الروح والنفس والذهن عقب قراءة كتبه القيمة.
دون جدال، سيكون ثلاثة كتب ــ على الأقل ــ مما صدر هذا العام للأستاذ الكبير من بين أهم إصدارات 2018، فى كل ما كتب؛ وخاصة كتبه الأخيرة؛ «تلابيب الصورة»، «ذاكرة الأيام والسينما»، والكتاب الأهم «خطابات محمد خان إلى سعيد شيمى ـ مشوار حياة» تتوفر طاقة حب جارفة، ورغبة مخلصة وحقيقية فى نشر المعرفة الفنية الرفيعة، والارتقاء بالذائقة، وتنمية ملكات التذوق والاستقبال.
أعتبر ما نشره سعيد شيمى هذا العام من كتب وإصدارات تضاف إلى رصيد ما كتبه من مؤلفات عالجت جوانب مختلفة من الفن السابع؛ تتويجا حقيقيا لمشوار عمر مداده الحب والعرق والتعب والإنجاز؛ وخبرة جادة قلما تتوفر إلا لأصحاب المواهب الأصيلة، والإرادة الصلبة، والمبدعين الكبار أصحاب الإنجاز الذى لا ينكر.
سأبدأ بكتاب «خطابات محمد خان إلى سعيد شيمى»، وهو الجزء الأول من ثلاثية يعكف عليها شيمى لترى النور قريبا، هذا الكتاب يروى تفاصيل مدهشة عن خبيئة إنسانية وفنية، تحمل بين طياتها ذكريات وتاريخ وأحلام جيل فنى بأكمله، وليس فقط أحلام اثنين من كبار أبناء هذا الجيل. الكتاب صدر عن (دار الكرمة) صيف العام الحالى، ويغطى فترة الشباب التى تمتد من الستينيات وحتى السبعينيات، بتقديم الناقد الكبير محمود عبدالشكور، ويقع فى 392 صفحة من القطع الكبير، ويحتوى أيضا على صور ووثائق نادرة.
سيدهش قارئ هذا الكتاب من هذه الصداقة التى ليس لها نظير؛ جمعت بين اثنين من أبرز علامات السينما فى تاريخنا المعاصر؛ المخرج الراحل القدير محمد خان صاحب التاريخ السينمائى المعروف، وسعيد شيمى عاشق الكاميرا ومدير التصوير الذى لا يبارى فى مهارته وقدراته التى شهد له بها الجميع. صداقة امتدت عمرا بأكمله؛ فيها الحب وفيها المشاركة الوجدانية وفيها الشغف المجنون بالسينما، لتنتج هذه العلاقة فى النهاية رصيدا من الأفلام ومحبة الناس، وتسطير تاريخ مشرف فى تاريخ السينما المصرية والعربية.
ويأتى كتاب «تلابيب الصورة» المذهل فى مادته ومحتواه وصوره ولوحاته وطباعته الفاخرة جدا (أصدره المؤلف على نفقته الخاصة احتراما لقارئه، وتقديرا للمادة الفنية والتشكيلية والفوتوغرافية التى جمعها على مدى 40 سنة) ليقدم لمحبى الفنون جميعا والشغوفين بفن الصورة مرجعا غير مسبوق أو بالدقة «موسوعة» من أعمق وأهم ما كتب باللغة العربية عن جماليات الصورة الفوتوغرافية، وما يتصل بها من تحليل لعناصرها.
بطريقته الشارحة الخلابة، يقدم شيمى ليس فقط تنظير وتأريخ للصورة عبر العصور، إنما بالأساس ومن واقع نماذجها التى حشدها فى الكتاب، يقدم مقارنات وتحليلات لا تغنى عنها مئات المحاضرات فى قاعات الدرس الأكاديمية ولا الكتب الدراسية! إنها حصيلة العمر من الفهم والاستيعاب والشغف وقبل ذلك كله موهبة فطرية وذائقة نقية دعمتها ثقافة وخبرة واسعة قلما تتوافر إلا لمعدودين.
وأما «الكتاب/ الوثيقة» «ذاكرة الأيام والسينما» (صدر عن الجمعية المصرية لكتاب ونقاد السينما)، فيرسم صورا تروى حكايات متناهية البساطة، عميقة المغزى والقيمة، تنضح بالحب والجمال والفن، حكايات عن البشر والتاريخ والسينما؛ يغطى الكتاب فترة زمنية تمتد من العام 1943 (السنة التى ولد فيها مصورنا الكبير متعه الله بالصحة والعافية ومد فى عمره)، إلى عام 1979 (السنة التى حصل فيها على أول جائزة له مع رفيق عمره محمد خان عن فيلمهما الروائى الأول «ضربة شمس»).
أدعو كل عشاق ومحبى السينما والثقافة الرفيعة، والباحثين عن سيرة ذاتية سينمائية مختلفة، وعن متعة تذوق الأفلام والصورة والجمال إلى قراءة «واحات» و«رياض» و«أزهار» سعيد شيمى البصرية المذهلة والجمالية الفاتنة.
شكرا يا أستاذ سعيد على عطاياك ومنحك المعرفية والجمالية الرائعة.