قبل أيام غادر الفنان حسن كامي دنيانا، وبعد رحيله بساعات أصبحت تركته هي الشاغل لوسائل الإعلام ولجهات التحقيق. أصل القصة أن محامي الفنان الراحل ويدعى عمرو رمضان أبرز أوراقًا تؤكد أن الراحل قد باع له ممتلكاته التي هي ثلاث سيارات وفيلا بمنطقة المنصورية ومكتبة المستشرق التي كان يمتلكها ويديرها.
الفنان ليس له من الورثة ـ بعد رحيل ابنه الشاب وزوجته ـ سوى ثلاث أخوات، اثنتان غير شقيقتين والثالثة هي الشقيقة، هب الورثة للدفاع عن تركة الراحل، وشاركتهم جماعة المثقفين في الانتفاض دفاعًا عن مكتبة قلما جاد الزمان بمثلها.
فما قصة المكتبة؟ رواد وسط القاهرة يعرفون مكتبة “المستشرق” التي يعود تأسيسها لثري يهودي يدعى “فيلدمان” كان يعيش بمصر في أواخر القرن التاسع عشر، ثم هاجر مع الذين هاجروا بعد العدوان الثلاثي الذي تعرضت له مصر في العام 1956 وباع المكتبة لمساعده “شارل بحري” الذي تمكن من تنمية المكتبة والنهوض بها.
كان الفنان الراحل حسن كامي أحد زوار المكتبة الدائمين، فهو يجد بها كل ما يروق له من كتب وصور وخرائط ومخطوطات، ثم بعد سنوات من زياراته الدائمة للمكتبة قام بشرائها، وقد عمل على استثمار أمواله في تلك المكتبة التي أصبحت تضم قرابة الأربعين ألف كتاب، وبعضها غاية في الندرة، مثل المخطوطات الأصلية لكتاب “وصف مصر”.
ولكي نعرف القيمة المادية للمكتبة علينا أن نعرف أن رجل أعمال أمريكي زارها وعرض على كامي شراءها بمبلغ وصل إلى سبعة عشر مليون دولار فرفض كامي البيع. أما عن القيمة الأدبية للمكتبة التي حركت المثقفين فحدث عنها ولا حرج.
بالعودة إلى صراع الورثة مع المحامي نجد أن السيدة “نيجار كامي” قد أوكلت لمحاميتها “منى أحمد” متابعة القضية، فطرحت المحامية عبر وسائل الإعلام عدة أسئلة تبدو غاية في المنطقية. سألت المحامية: من أين لعمرو رمضان الزاعم أن الفنان قد باع له ممتلكاته كل هذه الأموال التي دفعها مقابل الحصول على كنوز غالية؟ ثم لماذا لم يصرح بوقوع صفقة البيع إلا بعد رحيل الفنان؟ ثم أين هي وثائق التسجيل في الشهر العقاري؟.
نيجار كامي
عندما عجز المحامي الذي يزعم أن الفنان قد باع له ممتلكاته عن الرد تأكدت جماعة المثقفين أن سكوتهم يعني ضياع المكتبة، فقاموا بمناشدة الجهات المختصة بالتدخل، فتدخل فورًا الفنان أشرف زكي نقيب المهن التمثيلية، وقال إن النقابة ستشكل فريقا للدفاع عن المكتبة وباقي ممتلكات عضو النقابة حسن كامي.
د. أشرف زكي
تصريح زكي شجع اللواء ممدوح محمود، زوج شقيقة الراحل على المطالبة بإغلاق الفيلا والمكتبة لحين التحقيق في واقعة عقود البيع.
موقف الورثة ونقيب الممثلين جعل المثقفين يواصلون ضغطهم لكي تقوم جهة مسئولة بتبني حملة الحفاظ على المكتبة، وبالفعل قررت الدكتورة إيناس عبد الدايم وزير الثقافة اتخاذ كافة الإجراءات القانونية لحماية مقتنيات المكتبة، وأمرت بتشكيل لجنة برئاسة الدكتور هشام عزمي رئيس دار الكتب والوثائق القومية لفحص وجرد كافة محتويات المكتبة وإعداد تقرير مفصل.
د. إيناس عبد الدايم
وخاطبت الوزيرة نيابة قصر النيل، التي تقع المكتبة في دائرتها لاتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة للحفاظ على المقتنيات الفنية التراثية الموجودة بالمكتبة وعدم تمكين الورثة أو غيرهم من التصرف فيها إلا بعد انتهاء اللجنة المشكلة من فحص وجرد محتويات المكتبــة. كما تم تكليف الإدارة المركزية للشئون القانونية بوزارة الثقافة بإنذار الورثة والحائز للمكتبة بمنع التصرف في محتوياتها إلا بعد انتهاء أعمال لجنة الجرد.
منذ زمن بعيد لم يتحرك المثقفون المصريون بهذه القوة ولم يمارسوا ضغطًا منظمًا كما فعلوا في قضية مكتبة كامي، ولكن للحق والإنصاف فقد استجابت كل الجهات المعنية وأعلنت بوضوح شكها العميق في مزاعم المحامي وأخذت من الإجراءات ما يجعل العقود التي بين يديه والعدم سواء.
بقيت خطوة واحدة لكي يتم إنقاذ المكتبة وهي أن تنتقل ملكيتها لمن يقدرها حق قدرها، وتلك الخطوة تكفلت بها مكتبة الإسكندرية، التي صرح مديرها الدكتور مصطفى الفقي أن المكتبة مستعدة للحصول على مكتبة كامي وصيانتها.
د. مصطفى الفقي
ولكن لأن الأمر أمر مال وحقوق شرعية وقانونية لورثة شرعيين فقد تواصلت مع مصدر مسئول في مكتبة الإسكندرية تحفظ على ذكر اسمه فقال لي: نحن نتحرك في اتجاهين، الأول: هو قيام الورثة بإهداء جزء من المكتبة لمكتبتنا، والاتجاه الثاني هو قبول الورثة ببيع بقية المكتبة لنا، وسندبر نحن تكاليف الصفقة، ففيها صيانة لميراث نفيس يعز على أي مصري بل على أي إنسان ضياعه.
أضاف المصدر: الأيام القادمة ستكون حاسمة وستحدد مصير المكتبة التي لن نتركها كريشة في مهب الريح.
الفنان الراحل حسن كامي