“عم الحاج والحاج الكبير وبركتنا وبركة الجماعة وشيخنا وتاج راسنا .. كلها تعبيرات يجاورها سلوكيات جديدة مثل تقبيل الأيدي والرؤوس، وغيرها من سلوكيات لم تكن سائدة من قبل داخل جماعة الإخوان المسلمين ذات النشأة والغلبة المدينية”. هكذا رصد الباحث الراحل حسام تّمام م المظاهر الأولية للترييف داخل جماعة الاخوان المسلمين في دراسته بعنوان “الإخوان المسلمون: سنوات ما قبل الثورة” الصادر عن دار الشروق في طبعته الثانية عام 2013.
يطرح حسام تمام في دراسته تساؤلا مؤداه، هل هناك علاقة ما بين تمدد المكون الريفي في مؤسسات جماعة الإخوان المسلمين وبين التغيرات التى طالت الثقافة التنظيمية والبنية المؤسسية التى قامت عليها حركة الإخوان حضرية المنشأ؟. وفي سياق الإجابة على هذا التساؤل توضح الدارسة أن جماعة الإخوان المسلمين اتبعت في السنوات الأخيرة (قبيل عام 2010) إستراتيجية تمدد اعتمدت على ضم المتعلمين والمهنيين في عضويتها، وانتشرت الجماعة في أوساط الطلبة الجامعيين، وأصبح ضم العضوية داخل الجماعة يتم وفقا لتراتبية تنظيمية لمصلحة الوافدين من الريف على حساب أهل المدن، كما أصبح المنضمون من طلاب جامعة الأزهر، أعلى من باقي الجامعات الأخرى، وفي جامعات الأقاليم أعلى منه، في جامعات القاهرة والأسكندرية، وفي المدن الجامعية أعلى منه في التجمعات المدينية.
حسام تمام
آليات دعم الترييف داخل جماعة الإخوان المسلمين:
ويشير حسام تمام إلى أنه وبمبادرة من قبل مكتب الإرشاد، شهدت جماعة الإخوان المسلمين (فى سنوات ما قبل عام 2010) تمدد لنفوذ عدد من المحافظات ذات الطابع الريفي داخل جماعة الإخوان المسلمين. حيث تزايد نفوذ محافظات مثل الدقهلية والغربية وأسيوط والمنيا، فسيطرت على معظم المواقع وخاصة في القيادات الوسطى، كما تم التوسع بشكل مبالغ فيه، وفقا لتقدير حسام تمام، في ضم أعضاء الصف الثانى من الجماعة من تلك المحافظات، وقد تزامن ذلك مع إقصاء تدريجى لرموز جيل السبعينات خارج المواقع القيادية داخل الجماعة وهو الجيل الذى خرج بالجماعة من السرية إلى فضاء العمل العام والإنتخابات النقابية والبرلمانية.
يرصد حسام تمام ظاهرة الترييف تلك عبر العديد من المظاهر منها ما قامت به قيادة الجماعة في إنتخابات مكتب الإرشاد في مايو 2008، على سبيل المثال، من إعادة تقدير الأوزان النسبية للمحافظات بحيث أعطت محافظات ريفية (الدقهلية بشكل خاص)، وزنا أكبر بكثير في تشكيلة مجلس الشورى، حيث بلغ عدد أعضاء المجلس المنتمين لمحافظات (الدقهلية والشرقية والغربية) 23 عضوا، وهو ما يقارب ثلث أعضاء المجلس البالغ خمسة وسبعين، بينما لا يزيد عدد أعضاء القاهرة والأسكندرية، عن أحد عشر عضوا.
ثقافة القرية:
أما عن الثقافة الريفية وأثرها على جماعة الإخوان المسلمين، فيشير حسام تمام إلى أن جماعة الإخوان شهدت تنامي ثقافة ريفية تخالف ما نشأت عليه الجماعة تاريخيا، إذ سادت ثقافة تتوسل بالقيم الأبوية، حيث الطاعة المطلقة، والإذعان للمسئول التنظيمي، وإنتشار ثقافة الثواب والعقاب والتخويف، وسيطرة الخوف من المختلف أو المتميز مع الميل للركون إلى التماثل والتشابه بين أعضاء الجماعة التى صارت تميل يوما بعد يوم إلى التنميط.
ونتيجة سيطرة هذه الثقافة الريفية على جماعة الإخوان المسلمين تحولت الجماعة إلى قرية كبيرة مثلها مثل بقية القرى المصرية، فتفشت فيها ظاهرة مجتمعات “النميمة” التى تقتات على الخلط بين كل ما هو شخصى مع كل ما هو تنظيمي، بالإضافة إلى بروز ظاهرة الميل إلى البعد عن الثقافة النقدية لمصلحة التقريري الوعظي غير التأملي، والذي ساد بمدارس الإخوان، والذى صار يخرج جيلا أكثر نمطية وتقليدية.
مرشدو الاخوان
الترييف والزبونية:
ولأن الحركات الإسلامية بوصفها تحمل في داخلها تناقضات مصلحية وتفاوتا جيليا، بين محافظين يفضلون الحفاظ على نقاء الحركة أو هويتها، وبين إصلاحيين يبدون رغبة في الخروج بها إلى العمل السياسى بما يتضمنه من إرهاصات تهدد هذا النقاء، فإنه، وكما يوضح حسام تمام في دراسته المهمة، كثيرا ما كان ينظر إلى المحافظين بوصفهم تقليديين يريدون العودة بالحركة إلى نموذجها الأولى، فيما ينظر للإصلاحيين بإعتبارهم يمثلون على نحو ما تيار التحديث داخلها.
كما سادت داخل جماعة الإخوان، وفقا لرؤية حسام تمام، العلاقات غير المؤسسية التى تقوم على ما يصفه “بالزبونية”، (من زبون) حيث صارت هناك مناطق ومحافظات بكاملها ينظر إليها بإعتبارها منطقة نفوذ لشخص بعينه، وهنا تظهر أنواع مختلفة من الخطابات.. خطابات موجهة للسلطة السياسية، واخرى موجهة إلى القيادة العليا لجماعة الإخوان ذاتها، وخطابات ثالثة إلى أعضاء الجماعة المنتمين للمجتمع المحلى داخل تلك المحافظات، حيث تدار الأمور على الأرض وفقا لمبدء “ما إعتاد عليه الناس”.
ويختتم حسام تمام دراسته عن ظاهرة ترييف الإخوان، بالتأكيد على أن تمدد جماعة الإخوان المسلمين داخل المجتمعات الريفية، كان وسيلة جيدة للحفاظ على بقاء الجماعة، وذلك في مواجهة القبضة الأمنية المتشددة التى كانت تواجهها فى المحافظات المدنية وخاصة في القاهرة والاسكندرية. كما يؤكد على أن هناك ضرورة للربط بين تزامن الركون إلى المحافظة والإنغلاق وتغليب المكون الريفي ومن ثم تغليب المكون السلفى.