رؤى

شفرة داعش (2): لماذا يظهر التنظيم وجوه بعض عناصره ويخفي الاخرى؟

بينما يعلن تنظيم داعش الإرهابي عن وجوده في بعض الدول من خلال مجموعات من الصور الثابتة (photos)، فإنه يفعل ذلك في بلدان دول أخرى عبر مجموعة من الصورة الحية أو الفيديوهات والتي تسمى بـ “الإصدارات”. وفيما تظهر وجوده بعض عناصر التنظيم في تلك الصور، فإنه يتم اخفاء صور العناصر الأخرى.

لا يعرف أحد على وجه الدقة الفارق بين الحالتين ولا سر الاختلاف في طريقة الإعلان، إلا أن الأرجح هو أن ذلك جزء من شفرته الخاصة التي يخاطب بها عناصره وقياداته التنظيمية لتوضيح الصورة لهم بطريقة تختلف عما يفعل عند مخاطبة مؤيديه وأنصاره العاديين. كما أن للأمر دلالات مهمة تتصل بأوضاع التنظيم الميدانية ومدى سيطرته على الأرض، كما تتعلق بمواقع وهوية الأشخاص الذين يظهرون في تلك الصور.

داعش فرع الصومال

طريقة الصور

الطريقة الأولى التي تعتمد على الصور الثابتة، والتي استخدمها التنظيم مؤخرا في الإعلان عن وجوده في الصومال وتداولتها وقتها مواقع مقربة منه، تؤكد أن التنظيم لا يملك أرضا تابعة له في هذا البلد أو ما يعرف باسم “الولاية” بل منطقة صغيرة جدا تختبأ فيها عناصره بعيدا عن أعين الجيش الصومالي. ومما يعزز هذا الأمر هو أن عناصر التنظيم الذين يظهرون في الصور يكونون ملثمين أو يتم اخفاء وجوههم ببرامج تعديل الصور الشهيرة حرصا على أمنهم وسلامتهم الشخصية، ولضمان وعدم ملاحقتهم من قوات الأمن في هذه البلد.

كما يعود السبب في اختيار الصور لإعلان الوجود بدلا من الفيديوهات إلى سهولة التقاطها بسرعة، بما يمكن عناصر داعش من الاختباء والهرب سريعا خوفا من استهدافهم أمنيا، على عكس الفيديوهات التي يستلزم تسجيلها الوجود في منطقة مستقرة لوقت طويل وضمان عدم استهداف العناصر التي تصور الفيديو. أي أن الفارق يعود إلى وضع التنظيم على الأرض. فعلى سبيل المثال عندما كان داعش يسيطر على مناطق شاسعة من العراق وسوريا خلال الأعوام الثلاثة الماضية أطلق التنظيم العديد من الفيديوهات المرئية من هناك، لتأكيد هذه السيطرة، وهو ما لم يحدث في دول أخرى أعلن التنظيم وجوده فيها بقوة كاليمن وليبيا حيث اعتمد على الصور الثابتة للاعلان عن نفسه هناك، بما يظهر عدم سيطرته الحقيقية على الأرض في تلك المناطق.

لغز اخفاء الوجوه

جزء آخر من شفرة داعش والذي حّير المتابعين لنشاط التنظيم الإرهابي، هو التنظيم في بعض الأحيان يظهر في الفيديو الواحد بعض عناصره واضحة الوجوه  وآخرين ملثمين أو تم اخفاء وجوههم  باستخدام برامج لتعديل الصور والفيديوهات. وقد تساءل البعض عن السبب الذي يدفع لإخفاء وجه أحد عناصر التنظيم في حين يتم إظهار وجه عنصر آخر، وما الفارق إذا كان الشخصين من عناصر التنظيم؟ مصادر داعشية أوضحت أن معظم من يتم إخفاء وجوههم يكونون غالبا من أبناء سوريا والعراق الذين لهم عائلات يخشون عليها في حال ظهور وجوههم في إصدارات التنظيم. إذ يخشى التنظيم من أن يتم القبض على أفراد من هذه العائلات من قبل قوات التحالف الدولي ضد للتنظيم في العراق وسوريا، للضغط على العنصر الداعشي لتسليم نفسه كما حدث مع الكثيريين منهم، أو على الأقل التجسس على التنظيم الإرهابي وهو ما يخشاه داعش.

في المقابل تظهر وجوه العناصر الأجنبية في الفيديوهات التي يبثها داعش بصورة طبيعية ودون أي إخفاء، وذلك كنوع من أنواع إعلان الانتصار من قبل التنظيم بأنه نجح في تجنيد عناصر أوربية وليست عربية فقط.

كما يتم اخفاء وجوه العناصر المسئولة عن تهريب النفط من مناطق سيطرة التنظيم في العراق وسوريا إلى تجار السوق السوداء، وذلك حتى لا يتم التعرض لهم من قبل أي عناصر أمنية، يضاف إلى هذه الفئة العملاء المزدوجون، الذي يزرعهم التنظيم في مناطق سيطرته للتجسس على المدنيين واخبار قيادة التنظيم بأحوالهم.

نتيجة بحث الصور عن داعش

  أما قادة داعش فممنوع عليهم إخفاء وجوههم باعتبارهم رموزا للتنظيم، وبهدف التأكيد على بقائهم على قيد الحياة في ظل انتشار شائعات دائمة عن مقتلهم في المعارك التي يخوضها التنظيم مع خصومه. كذلك يحرص التنظيم على إظهار وجوه  قتلاه من المقاتلين العاديين في صورهم بعد تنفيذهم عملياتهم الإرهابية ،وذلك كي يعرف أسرهم وذووهم أنهم قتلوا.

 لكن التنظيم في المقابل على يحرص على إخفاء وجوه بعض قياداته وخاصة  الذين ليس لهم أي ملفات أو بيانات لدى أجهزة الأمن في الدول الموجودين فيها، وحتى لا يدرجوا على قوائم الإرهاب ويصبح من الصعب تنقلهم في تلك البلدان. وقد استخدم التنظيم هذه الحيلة في البداية مع متحدثه الرسمي السابق أبو محمد العدناني الذي كان يتنقل بين العراق وسوريا وليبيا لقيادة خلايا داعش، ولم يتم الإفراج عن صورته إلا بعد أن استقر بشكل نهائي في سوريا، وأصبح من الصعب عليه الانتقال إلى الخارج.

لغات الإصدارات

ومن بين أهم الشفرات الداعشية قيام التنظيم كل فترة بإطلاق إصدار مرئي بلغة مختلفة عن اللغة العربية، فتارة يظهر داعشي فرنسي يتحدث عن الجهاد، وتارة أخرى يظهر داعشي إيراني يتحدث باللغة الفارسية عن التنظيم وأهدافه. وفور كل إصدار من تلك الإصدارات وفي إطار زمني لا يتجاوز الشهر تحدث عملية إرهابية في الدولة التي جاء الإصدار بلغتها، فعمليات باريس الإرهابية عام 2015 سبقها بأقل من إسبوعين حديث لداعشي فرنسي عن الجهاد وأهميته، وكذلك عملية إيران التي استهدفت ضريح الخميني في يونيو 2017  سبقها إصدار لداعش باللغة الفارسية يهدد إيران.

نتيجة بحث الصور عن داعش

وعن هذا النوع من الشفرات الداعشية، يقول محمد كامل الباحث في شئون التنظيمات الإرهابية المسلحة إن كل فيديو أو صورة صادرة من عن تنظيم داعش  لها دلالة ومعنى، وداخلها رسالة يخاطب بها التنظيم عناصره خارج حدود دولته المزعومة ولكن بلغة مبهمة لا يفهمها إلا هم. ويدلل كامل في حديثه لـ “أصوات أونلاين ” على ذلك بخطابات أبو بكر البغدادي الذي ظهر في أكثر من كلمة صوتية، وبعد كل كلمة يصدرها، تليها العديد من العمليات الإرهابية سواء في  الدول العربية أو الغربية، وهو الأمر الذي يؤكد وجود شفرة يرددها البغدادي في كلماته تكون عبارة عن تعليمات لعناصر التنظيم في الخارج أو من يعرفون باسم “الذئاب المنفردة” الذين سرعان ما ينفذون عملياتهم  تلبية لأوامر خليفتهم.

 ووفقا لمحمد كامل فإن تنظيم داعش الإرهابي يعتمد على أسلوب مخابراتي فريد يؤكد أن التنظيم ليس تنظيما إرهابيا عاديا بل تنظيم لديه قدرات استخبارتية اكتسبها من انضمام عناصر بارزة في الجيش العراقي له مما جعله يتمتع ببعض المهارات الاستخباراتية التي ساعدته في اختراق الأمن العالمي وتنفيذ عمليات إرهابية في دول كبرى كأمريكا وفرنسا.

أحمد الجدي

باحث في شئون الإسلام السياسي

Related Articles

Back to top button

Adblock Detected

Please consider supporting us by disabling your ad blocker