يعد الخطاب الوهابي من أكثر الخطابات الدينية تشددًا فيما يخص قضية المرأة وحقوقها، فقد اتخذ موقفًا أكثر صرامة حتى من الخطابات السلفية بداية من الإمام أحمد بن حنبل وصولًا لابن تيمية.حيث تجاوز محمد بن عبد الوهاب بحكم بيئته النجدية المتشددة في عاداتها وتقاليدها تجاه المرأة، الخطابات الدينية السابقة عليه، بعد أن أسبغ على فهمه للدين عادات نجد وتقاليدها القبلية. ثم جاء ابن باز وإبن عثيمين وغيرهما من فقهاء الوهابية ليرفعوا من شأن المرويات التي تؤسس لدونية المرأة، التي تتعارض بشكل صارخ مع ما جاء في آيات “القرآن الكريم ” من تكريم للمرأة ورفع لشأنها. فقد حّول الخطاب الوهابي “القرآن” من نص أساسي ومحوري يدور حوله الفقه والأحكام إلى نص ثانوي واستبدلوا به تلك المرويات ظنية الدلالة والثبوت، والتي تساعدهم على التوظيف الايديولوجي والسياسي في صراعهم مع المختلفين معهم.
وللشيخ ابن باز على سبيل المثال في موضوع المرأة فتاوى كثيرة تتماهى مع ما أشرنا اليه، ومن بين تلك الفتاوى والآراء تحريمه لاختلاط البنين والبنات في مدارس المرحلة الابتدائية حيث يقول: “وبكل حال فاختلاط البنين والبنات في المراحل الابتدائية منكر لا يجوز فعله لما يترتب عليه من أنواع الشرور. وقد جاءت الشريعة الكاملة بوجوب سد الذرائع المفضية إلى الشرك والمعاصي، وقد دل على ذلك دلائل كثيرة من الآيات والأحاديث، وقد ذكر العلامة ابن القيم رحمه الله في كتابه “إعلام الموقعين” منها تسعة وتسعين دليلا”.
ويستطرد ابن باز”، فمن واجب النصح والتذكير أن أنبه على أمر لا ينبغي السكوت عليه بل يجب الحذر منه والابتعاد عنه وهو الاختلاط الحاصل من بعض الجهلة في بعض الأماكن والقرى مع غير المحارم لا يرون بذلك بأسا بحجة أن هذا عادة آبائهم وأجدادهم وأن نياتهم طيبة فتجد المرأة مثلا تجلس مع أخي زوجها أو زوج أختها أو مع أبناء عمها ونحوهم من الأقارب بدون تحجب وبدون مبالاة”.
ويستكمل الشيخ بن باز “من المعلوم أن احتجاب المرأة المسلمة عن الرجال الأجانب وتغطية وجهها أمر واجب دل على وجوبه الكتاب والسنة وإجماع السلف الصالح.. أن رأس المرأة وشعرها وعنقها ونحرها ووجهها مما يجب عليها ستره عن كل من ليس بمحرم لها وأن كشفه لغير المحارم حرام.. وإذا تأملنا السفور وكشف المرأة وجهها للرجال الأجانب وجدناه يشتمل على مفاسد كثيرة منها الفتنة التي تحصل بمظهر وجهها وهي من كبر دواعي الشر والفساد ومنها زوال الحياء عن المرأة وافتتان الرجال بها. فبهذا يتبين أنه يحرم على المرأة أن تكشف وجهها بحضور الرجال الأجانب، ويحرم عليها كشف صدرها أو نحرها أو ذراعيها أو ساقيها ونحو ذلك من جسمها بحضور الرجال الأجانب، وكذا يحرم عليها الخلوة بغير محارمها من الرجال، وكذا الاختلاط بغير المحارم من غير تستر، فإن المرأة إذا رأت نفسها مساوية للرجل في كشف الوجه والتجول سافرة لم يحصل منها حياء ولا خجل من مزاحمة الرجال، وفي ذلك فتنة كبيرة وفساد عظيم”.
الشيخ ابن باز
وينطلق بن باز في موقفه الرافض للاختلاط، والداعي لبقاء المرأة داخل بيتها أو داخل حجابها، من رفضه لعمل المرأة لأنه يؤدي إلى الاختلاط، فيقول: ” فإن الدعوة إلى نزول المرأة للعمل في ميدان الرجال المؤدي إلى الاختلاط سواء كان ذلك على جهة التصريح أو التلويح بحجة أن ذلك من مقتضيات العصر ومتطلبات الحضارة أمر خطير جدا له تبعاته الخطيرة، وثمراته المرة، وعواقبه الوخيمة، رغم مصادمته للنصوص الشرعية التي تأمر المرأة بالقرار في بيتها والقيام بالأعمال التي تخصها في بيتها ونحوه.. وإخراج المرأة من بيتها الذي هو مملكتها ومنطلقها الحيوي في هذه الحياة إخراج لها عما تقتضيه فطرتها وطبيعتها التي جبلها الله عليها.”
كل هذا وغيره الكثير من فتاوى ورؤى وخطابات ورسائل تتناقض بشدة مع التراث الإسلامي، وكأن هذه المرأة لم تكن راوية حديث نتعلم منها نصف ديننا كالسيدة عائشة رضي الله عنها، أو ان هذه المرأة لم تكن السيدة خديجة بنت خويلد التي أنفقت مالها ووقتها في الحفاظ على الدعوة الإسلامية والصد عنها، وكأن هذه المرأة لم تكن تلك التي دافعت عن الرسول صلى الله عليه وسلم في غزوة أحد. ونورد هنا قصة تلك المرأة المجاهدة أم عمارة نسيبة بنت كعب بن عمرو بن عوف بن مبذول، التي شهدت ليلة العقبة، وشهدت أُحداً، والحديبية، ويوم حُنين، ويوم اليمامة، وجاهدت وفعلت الأفاعيل.
وحول تعليم المرأة نجد في كتاب “الدرر السنية لأئمة الدعوة النجدية” بداية من ص 71 يقول الشيخ عبد الله السليمان بن حميد: “إن المرأة عورة، وتعليمها على الصفة التي يريدها المفكرون و الباحثون، مصدر انحطاط الأمة وسقوطها في الهاوية، وهل مصيبة على المسلمين أعظم من تمرد المرأة؟ وخروجها عن تعاليم دينها وآداب شرعها وعوائد قومها.. وبتعليم المرأة حصل التبرج، وبتعليمها مزقت الحجاب، وكشفت عن الساق والفخذ، والرأس والصدر، فصرفت لها الأنظار، فثارت الشهوة، فضعفت الرجولة أو ماتت الغيرة والحمية، وهلك الشباب بذلك.. وإني لأنصح لكل مسلم، أن لا يدخل ابنته أو أخته في هذه المدارس التي ظاهرها الرحمة وباطنها البلاء والفتنة، ونهايتها السفور والفجور”.
هذا الرعب من تعليم المرأة لا يعادله رعب من شيء آخر، وكأن تعليم المرأة هو القنبلة الموقوتة التي تأخذ الدين بالكلية حسب ما يرى الخطاب الوهابي السلفي. في هذا الجزء المقتبس من الكتاب نفسه، يحدد إبن حميد أنواع العلوم التي يجب على المرأة تعلمها بعيدًا عن الجغرافيا والهندسة والحساب وغيرها من العلوم التطبيقية، فيقول في ص 79 “وألفت نظر ولاة الأمور أنه لا مانع من توسيع تعليم المرأة على المنهج الذي يقره الدين وتعاليمه، مع التمسك بالحجاب، وبالأخلاق الفاضلة، وكما كان التعليم زمن السلف الصالح. مثل تعليمها التوحيد، والطهارة، والصلاة، وأحكام الحيض، والنفاس وأمور دينها الواجب عليها، وكتربية أولادها، وتدبير منزلها، وغير ذلك من الأمور النافعة لها.. بينما إدخال مواضيع الحساب والهندسة، والجغرافيا بمناهج مدارس البنات. إن تعليم المرأة على هذه الصفة هو مصدر انحطاط الأمة، وسقوطها في الهاوية، إن هذا التعليم سبب لتمرد المرأة، وخروجها عن تعاليم دينها، وآداب شرعها، وعوائد قومها الصالحة، وسفورها، واختلاطها مع الأجانب، والسفور مدعاة إلى الفجور. وفتنة الاختلاط كبيرة”.
هذا الموقف من قضية تعليم المرأة قاصرا على الفكر الوهابي كما يظن البعض، بل هو نفس الخطاب السلفي الذي يردده محمد حسان وأبو إسحاق الحويني وغيرهما من مشايخ الدعوة السلفية، ويقومون بنشره، سواء كان المساجد أو من خلال القنوات الفضائية التي يملكونها، فيقول الحويني في مقطع فيديو على اليوتيوب معنون “أبو إسحاق الحويني: العلم للرجال فقط والنساء جهلة لا يفقهون شيئًا”.. إذ يؤكد على أنه “لا يوجد دليل على أن تخرج المرأة في قناة فضائية لتخاطب الناس، وماذا عند هذه المرأة من العلم حتى تقدمه؟ العلم إنما هو للرجال، أي امرأة مهما صعدت هي مقلدة وعامية ولا توجد امرأة عالمة بالعلم على أصوله- ويقصد هنا العلوم الدينية أو ما يسميها بالعلوم الشرعية- فالجهل فاش في النساء، والأصل عندنا أن تقر المرأة في بيتها، ولا تخاطب الرجال إلا لضرورة، وأنها تعتزل الرجال”.
هكذا يتطابق الفكر السلفي في مصر مع الفكر الوهابي لإنتاج خطاب مُعَادٍ للمرأة، ويؤكد على دونيتها. ومن هذا الفكر يستقي تنظيم الدولة “داعش” وغيره من الحركات والجماعات المتشددة الفتوى، ويعيد نشرها مرة أخرى لتقديم صورة مشوهة عن الإسلام. وتترسخ في عقول الشباب هذه القيم المعادية ليس للمرأة فقط، بل للإنسانية كلها، فمعاداة هذا الخطاب الوهابي السلفي للمرأة إنما هو معاداة للمجتمع وتطوره ونموه. إن القائمين على هذا الخطاب لا يريدون حضارة ولا تطورًا أو تقدمًا،، و لا يريدون عزة للإسلام كما يدعون، فقد كان الإسلام عزيزًا حينما تقدم بالعلوم والفنون والآداب، في القرون الأولى إلى أن تم غلق باب الاجتهاد، وتكفير العلماء والأدباء، فانهارت تلك الحضارة التي بناها ابن سينا والرازي والفارابي وابن الهيثم وغيرهم.