تأليف: بيتر ماندافيل وشادي حميد
ترجمة: أحمد بركات
تقديم :
ككل دراسة جادة وعميقة تقدم هذه الدراسة- التي يترجمها موقع “أصوات أونلاين” للقارىء العربي لأول مرة – عن تصدير السعودية للفكر الوهابي المحافظ والمتشدد كأداة رئيسية من أدوات سياستها الخارجية، أسبابا للنقاش والاختلاف وطرح الأسئلة اكثر مما تقدم إجابات ناجعة وشافية يمكن الإقرار بها أو اعتمادها .
فالدراسة، الصادرة عن مركز سياسات الشرق الأوسط التابع لمعهد بروكينجز، للباحثين “بيتر ماندافيل” وشادي حميد، تبدو في بعض جوانبها ،وكأنها محاولة بحثية لتفكيك واحتواء أثر القنبلة التي فجّرها ولي العهد السعودي محمد بن سلمان خلال زيارته العام الماضي للولايات المتحدة ،والتي اعترف فيها بأن نشر الفكر المحافظ إنما تم بتنسيق وتحت إشراف تام من الولايات المتحدة في خضم صراعها مع المعسكر الشيوعي إبان الحرب الباردة عالميا وفِي مواجهة قوي التحرر الوطني العلمانية في الشرق الوسط المعادية لكل من الأمريكيين والسعوديين، وأن جماعة الاخوان المسلمين التي كانت ذراعا رئيسا في نشر هذه الأفكار لما تتمتع به من انتشار دولي إنما كانت تستخدم من كل من الولايات المتحدة والسعودية لهذا الغرض.
بيتر ماندافيل شادي حميد
وتحاول الدراسة، التي نشرها معهد بروكنجز في نوفمبر 2018، أن توجد سببا آخر معنويا يصعب قياسه علميا مثل، أن بعض أفراد الاسرة المالكة السعودية رأي أن نشر الإسلام على مستوى العالم كفريضة دينية يرتبط بقوة بالدور المتفرد الذي تقوم به المملكة في خدمة الحرمين الشريفين .
ورغم اعتراف الدراسة بهيمنة عناصر قيادية من الاخوان علي مؤسسات الترويج الديني السعودي الدولية مثل “رابطة العالم الاسلامي” والندوة العالمية للشباب الاسلامي” فإنها تميل الي تخفيف هذا الأثر بالإشارة الي أن هناك جماعات اخري وأفرادا ميسورين لعبوا أدورا يصعب معها القول بأنهم عملوا وفق أجندة سعودية محددة.
والثابت عبر دراسات علمية مثل هذه الدراسة، أنه منذ عهد الملك فيصل ،تحديدا كانت هناك حالة من التنسيق العام مارستها الدولة السعودية عبر المنح أو المنع المالي أو عبر احتكار مواطنين سعوديين موثوق في ولاءهم للمناصب العليا في هذه المؤسسات، جعل مساهمة هذه الاطراف الاسلامية المختلفة إنما تصب في الأخير في الإطار العام للاستراتيجية السعودية وتجعل جهودها -رغم اختلاف الأساليب – عملية متكاملة تعمل وفق نظرية الأواني المستطرقة .
وفي حين تعترف الدراسة بأن العمل من أجل الرزق في السعودية تحت تأثير النشر الواسع للوهابية كايدلوجيا وكسلوك اجتماعي، أعاد الطبقة الوسطي المصرية والأردنية وغيرها من الجنسيات العربية كعناصر محافظة ومتشددة الي مجتمعاتها، أي قام عمليا بتغيير هوية هذه المجتمعات، فإن الباحثين يقللان من تأثير ذلك بالحديث عن اللجوء للسلفية كخيار ديني تطهري، مع أن واقع الحال يشير الي أن المؤسسات السلفية غير السعودية مثل “جماعة انصار السنة المحمدية” المصرية إنما نجحت في نشر الفكر السلفي عبر الخدمات الاجتماعية، أو عبر نشر الكتب والمواد الفكرية والإعلامية السلفية التي هي وهابية في جوهرها بسبب الأموال السعودية خصوصا والخليجية عموما.
نجاح محدود إذن جدا تحققه هذه الدراسة في اضعاف سردية موثقة انحاز اليها باحث مرموق مثل جوزيف ناي عن أن عملية نشر الوهابية كانت جزاء أصيلا من السياسة الخارجية السعودية وكانت جزءا من صندوق أسود انقلب فيه السحر علي الساحر، وأنها كذلك كانت جزءا من لعبة أمم استخدم فيها السعوديون والاخوان المسلمون، وهي اللعبة التي تم الاعتراف العلني بها بعدما تغيرت قواعد لعبة الأمم هذه، سواء باختفاء الشيوعية ومعسكرها، أو تحول المجاهدين عبر تنظيم القاعدة، من بندقية في يد الاستراتيجية الأمريكية إلي بندقية ضدها، منذ عمليتي نيروبي ودار السلام ثم المدمرة كول في عدن وحتي هجوم الحادي عشر من سبتمبر وما تلاها حتي الان وصولا الي تنظيم داعش. ورغم هذا النجاح المحدود تظل لقراءة هذه الدراسة لهذا المعهد المرموق والاستزادة من حجم المعلومات الواردة فيها وطريقة تنظيمها المتقنة، فائدة محققة لكل قاريء مهتم
«مجلس تحرير الموقع»
نص الدراسة – الجزء الأول
ظلت قضية تصدير المملكة العربية السعودية للفكر الوهابي محل جدل
محموم على المستوى الأكاديمي والسياسي والإعلامي لعقود. أما ما لا خلاف عليه فهو قيام كيانات متنوعة – سواء في داخل المملكة أو تلك التي ترتبط بها من خارجها – منذ ستينيات القرن الماضي بإنفاق عشرات المليارات من الدولارات لتعزيز تفسير جامد ومتشدد للإسلام، ونشره في جميع أنحاء العالم. وينقسم المراقبون إزاء أهمية وتأثير هذه الأنشطة إلى فريقين، حيث يربط أحدهما بشكل مباشر بين دعم المملكة العربية السعودية للنسخة الدينية المحافظة من جانب والإرهاب من جانب آخر، بينما لا يرى آخرون في الأمر أكثرمن مجرد ترويج لأفكار دينية خارج حدود البلاد.
وعلى مدار عقود، تطورت دوافع انخراط المملكة العربية السعودية في هذا النوع من النشاط التصديري للفكر الديني في ظل تحولات غشيت كلا من محيطها الإقليمي الخارجي وبيئتها السياسية الداخلية، وهو ما نتج عنه تعزيز توظيف المملكة للدين في سياستها الخارجية (أو ما تطلق عليه الدراسة “”Religious Soft Power ’القوة الناعمة الدينية‘). ففي ستينات القرن الماضي، شكلت النسخة الدينية السعودية المحافظة جزءا من ردة فعل دينية وسياسية ضد الفكر القومي العلماني الذي خرج من مصر الناصرية، والتي كانت تمثل المنافس الإقليمي الرئيس للمملكة آنذاك. وبينما ارتبطت المملكة بالسلفية والوهابية، دفع اليسار الاشتراكي (عندما كان لا يزال يبدو مهيمنا) المسئولين السعوديين دفعا إلى التدخل من أجل إذابة الجليد بين الرئيس المصري أنور السادات وقادة جماعة الإخوان المسلمين في بداية السبعينات.
عمر التلمساني أنور السادات
وحتى في بدايات استخدام السعودية للقوة الناعمة الدينية ضمن أجندة سياستها الخارجية، كانت هناك دوافع أخرى توجه هذا الاستخدام بخلاف السياسة الواقعية. فعلى سبيل المثال، ارتأى كثيرون داخل المؤسسة الدينية السعودية ومن أفراد الأسرة الحاكمة أن ممارسة نشر الإسلام على مستوى العالم كفريضة دينية يرتبط بقوة بالدور المتفرد الذي تقوم به المملكة في خدمة الحرمين.
التحالف السعودي الأمريكي، والثورة الإيرانية
كما تأثرت الجهود الدعوية السعودية في سبعينات وثمانينيات القرن الماضي بعاملين أساسيين، هما تحالف المملكة في فترة الحرب الباردة مع الولايات المتحدة الأمريكية، التي ارتأت في الإسلام معادلا أيديولوجيا للتأثير الشيوعي السوفيتي، والثورة الإيرانية في عام 1979. وقد العامل شكل الأخير (أو بعبارة أدق جهود الجمهورية الإسلامية الوليدة في إيران في تصدير ثورتها) مرحلة جديدة من التنافس “الجيو ديني” بين المملكة وإيران، حيث تطلع كل منهما إلى تأكيد تفوقه في المحيط الإسلامي. كما خشيت الرياض من التأثير الإيراني على الأقلية الشيعية الموجودة داخل المملكة، التي كانت تعاني كثيرا جراء سياسات التمييز الديني التي جعلتهم مواطنين من الدرجة الثانية، فضلا عن وسمهم بالكفر من قبل العلماء المتشددين في المملكة.
التحالف السعودي الأمريكي، والثورة الإيرانية
وعلى مدى ثمانينيات القرن الماضي، شكلت دول جنوب آسيا مركز جذب مهما للتمويلات السعودية؛ حيث لعبت المساعدات المالية التي قدمها محسنون سعوديون دورا محوريا في تفعيل حركة الأسلمة التي دشنها الرئيس الباكستاني، ضياء الحق، والتي تمثلت- من بين نشاطات أخرى- في التوسع في تمويل المدارس الدينية والتعليم العالي الديني، كما كانت المملكة وسيطا محوريا بين الشبكات المختلفة التي أسهمت في تدفق الدعم المباشر وغير المياشر إلى المجاهدين – عادة عبر باكستان – في أعقاب الغزو السوفيتي لأفغانستان. وشهدت تسعينيات القرن الماضي تنوعا في النطاق الجغرافي لجهود الدعوة الدينية السعودية مع زيادة الإنفاق على بناء المساجد ونشر التعليم الديني في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، وهو ما يمكن رده جزئيا إلى تزايد مد المسيحية الخمسينية في هذه البقعة من العالم. وعلى مدى سنوات، شكلت مناطق أخرى مراكز جذب مهمة لتبرعات المحسنين الأثرياء من منطقة الخليج، بما في ذلك جنوب آسيا (خاصة إندونيسيا والفلبين)، والجاليات الإسلامية في أوربا وأمريكا الشمالية، وجمهوريات آسيا الوسطى بعد انفراط عقد الاتحاد السوفيتي. وشكلت المخاوف من التأثير الإيراني الدافع الأساس للجهود الدعوية السعودية منذ عام 2003، عندما بدأت طهران تفرض نفسها بقوة أكبر على الساحة العربية ردا على الحصار الذي فرضته عليها القوات الأمريكية في أفغانستان والخليج والعراق.
أقدم مسجد في امريكا – مدينة روس داكوتا الشمالية
الدين كأداة في السياسة الخارجية السعودية
لكن.. يبقى السؤال: ما الذي تنطوي عليه تحديدا فكرة تصدير المملكة العربية السعودية للتأثير الوهابي؟ إن التفكير في هذا النشاط الدعوي خارج حدود المملكة كأحد البنود المعدة مسبقا والمخطط لها جيدا في السياسة الخارجية السعودية يصرف الانتباه عن حقيقة أكثر تعقيدا. فبينما تمثل بعض الكيانات المشاركة في هذا النشاط وزارات وهيئات حكومية، فإن هناك أيضا كيانات خاصة أو شبه حكومية مشاركة ومؤثرة. ورغم أن بعض هذه الكيانات يمول من قبل أفراد من العائلة المالكة السعودية، إلا أنها تبقى مستقلة تماما عن الجهاز الحكومي الرسمي. كما ترتبط كيانات أخرى بقوة بالمؤسسة الدينية السعودية، التي تمتعت أحيانا ببعض الاستقلالية عن كل من الحكومة والأسرة الحاكمة. وفي بعض الحالات، اعتمد المحسنون السعوديون على جماعات وشبكات غير سعودية – مثل جماعة الإخوان المسلمين في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي – لإدارة بعض أعمال الدعوة الدينية العالمية. على المستوى العملي، يعني هذا أنه مهما كانت النوايا الحقيقية لدى الجهات السعودية الفاعلة، إلا أنها تخامرها أجندات أخرى. لذا، فإن فهم أدوات الدعوة الدينية العالمية التي تستخدمها المملكة العربية السعودية، يستلزم تجاوز تصور “الصندوق الأسود” للمملكة من أجل تقييم هذا الحشد الهائل من الكيانات السعودية المتنوعة – سواء العامة أو الخاصة – المشاركة بفاعلية في جهود نشر الدعوة الدينية في جميع أنحاء العالم.
أدوات نشر الدعوة الدينية
تشكل الجهات المتعددة والمتنوعة المشاركة في جهود المملكة لنشر الدعوة في جميع أنحاء العالم نظاما بيئيا يتضمن المكونات المحورية التالية:
- وزارة الشئون الإسلامية والدعوة والإرشاد: وهي هيئة حكومية مسئولة بالأساس عن إدارة الشئون الدينية وتقديم التمويلات اللازمة (الأموال والكتب والأفراد) لممارسة النشاط الدعوي الذي يتضمن بناء المساجد وتطوير المدارس الدينية وعقد محاضرات وندوات للعلماء والدعاة. ويعمل مسئولو هذه الوزارة في بعض الأحيان كملحقين دينيين في المواقع الدبلوماسية السعودية في جميع أنحاء العالم، حيث يقومون بدور حلقات الوصل مع الجاليات المسلمة والقادة الدينيين المحليين.
- رابطة العالم الإسلامي: وهي منظمة شبه حكومية تأسست في عام 1962 برعاية ملكية لدعم التضامن بين المسلمين ونشر الإسلام في جميع أنحاء العالم. وبرغم استقلالية هذه الرابطة عن الحكومة السعودية، إلا أن أمينها العام عادة ما يكون سعوديا، ويقع مقرها في مكة، وتعتمد بدرجة كبيرة على المملكة للحصول على تمويلات مالية. وبرغم مشاركة ممثلين من دول مختلفة وتوجهات إسلامية متنوعة في المجلس التأسيسي للرابطة، بما في ذلك ممثلين عن جماعة الإخوان المسلمين و الجماعة الإسلامية في جنوب آسيا، (الذين قاموا معا بدور مؤثر في مرحلة مبكرة من عمرها)، إلا أن المركزية المتزايدة للسعوديين في الوظائف التنفيذية بداخلها قد دفعت معظم المراقبين إلى النظر إليها باعتبارها إحدى الأدوات التي تستخدمها الدولة السعودية لتكريس وتعزيز هيمنتها الدينية.
- الندوة العالمية للشباب الإسلامي: تأسست في عام 1972 بهدف إعداد الشباب السعودي، وغيرهم من المسلمين، الذين يخططون للدراسة في دول غير إسلامية (تحديدا في أوربا وأمريكا الشمالية) لحماية معتقداتهم الدينية والمحافظة عليها. وبمرور الوقت ارتبطت نشاطات هذه المنظمة بالشبكات التابعة لجماعة الإخوان المسلمين، لا سيما في أوربا، ونظرا للعلاقات الوثيقة التي تربط منظمة الندوة العالمية للشباب الإسلامي بالمؤسسة الدينية السعودية (على عكس رابطة العالم الإسلامي التي ترتبط بصلات وثيقة بأسرة آل سعود الحاكمة)، فإن هذه المنظمة تشارك بفاعلية في الأنشطة التي تركز على نشر الفكر الوهابي.
- الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة: وهي مؤسسة للتعليم العالي تأسست في عام 1961، وارتبطت ارتباطا وثيقا بالمؤسسة الدينية الرسمية في المملكة بهدف تقديم العلم الشرعي التقليدي للمسلمين من جميع أنحاء العالم. وقد أسهمت المنح السخية التي تقدمها الجامعة للطلاب الدوليين في وضعها على رأس قائمة مراكز الجذب العلمي المهمة لطلاب الدراسات العليا في العلوم الشرعية من شتى البقاع. وبرغم اعتبار هذه المؤسسة منفذا رئيسا لتصدير الفكر الوهابي إلى كافة أنحاء العالم، إلا أن المنح التي قدمتها مؤخرا قد رسمت صورة أكثر تعقيدا تتعلق بنشر الأفكار الدينية خارج حدود المملكة، سواء في داخل هذه المؤسسة أو من خلالها. في هذا السياق، توضح دراسة مايكل فاركوهار عن الجامعة الإسلامية في المدينة، التي تحمل عنوان Circuits of Faith: Migration, Education and the Wahhabi Mission ( 2017)، أن منهجيات التدريس التي تعتمدها الجامعة تعكس مدى التنوع في البيئات الثقافية والتوجهات الثيولوجية لطلابها.
إضافة إلى ما سبق، يوجد أيضا عدد كبير من المنظمات الخيرية السعودية وغير السعودية التي تُدمج عناصر الدعوة فيما تقدمه من مساعدات وخدمات اجتماعية في جميع أنحاء العالم. من هذه المنظمات “الهيئة العالمية للإغاثة والرعاية والتنمية” (التي كانت تعرف مسبقا بـ ’هيئة الإغاثة الإسلامية العالمية‘، وتتبع رابطة العالم الإسلامي)، و”مؤسسة الحرمين الخيرية”، و”الوقف الإسلامي”. وبرغم أن أغلب نشاطات هذه المؤسسات تقع في دائرة الخدمات الخيرية القيمة، إلا أن بعضها – إلى جانب منظمات إغاثة مسيحية مشابهة – واجه اتهامات باستغلال معاناة بعض القطاعات السكانية المنكوبة في العمل الدعوي. كما واجهت المؤسسات الثلاثة اتهامات (وفي بعض القضايا تمت إدانتها فعليا) بتمويل جماعات مسلحة، مثل حركة حماس وتنظيم القاعدة، عبر أفراد أو برامج يجري تنفيذها في بعض البلدان. وبعد أحداث 11سبتمبر، عكفت السلطات السعودية على وضع لوائح تنظيمية أكثر صرامة لضبط إيقاع عمل الجمعيات الخيرية، إلا أن هذا التنظيم لم يطل بالضرورة الجمعيات الخيرية الخاصة التي يتمتع بعضها بغطاء من أفراد من العائلة المالكة.
دور العمالة الوافدة
وأخيرا، يرتبط أحد الملامح المهمة للتأثير الديني السعودي العابر للحدود بهجرة العمال وما يتبع ذلك بالضرورة من انتقال وانتشار ثقافي وديني. فمنذ سبعينيات القرن الماضي، توافدت على المملكة أعداد كبيرة من العمالة من جنوب وجنوب شرق آسيا وإفريقيا والعالم العربي سعيا وراء دخول مادية أعلى في فترة الطفرة العمرانية التي اجتاحت المملكة جراء تدفق النفط. ارتحل كثير من هؤلاء العمال من بلدان ذات أغلبية مسلمة مثل باكستان وبنجلاديش، أو من بلدان ذات أقلية مسلمة مهمة مثل الهند وسريلانكا والفلبين.
كما توافدت أعداد أقل (لكنها مهمة وذات دلالة) من الأطباء والمهندسين والمستشارين الحكوميين المهرة من مصر والأردن ودول عربية أخرى إلى السعودية، وعادوا إلى بلادهم بأفكار دينية أكثر راديكالية وممارسات أكثر تشددا. وقد أسهم هذا في خلق طبقة وسطى جديدة مؤثرة وذات نزعة دينية منحت قوة إضافية للصحوات الإسلامية التي كانت تتشكل داخل هذه المجتمعات. ففي الأردن، على سبيل المثال، كان يوجد مسجد واحد فقط لكل 13181 مواطن في عام 1973، إلا أن هذه النسبة شهدت ارتفاعا لافتا في عام 1984، حيث بلغت مسجدا واحدا لكل 6908 مواطن. وفي القطاعات الأردنية والفلسطينية ارتبطت التحويلات المالية للعمالة المهاجرة بالمساعدات الاقتصادية، خاصة من المملكة، حتى حرب الخليج عندما اصطفت كلتا الدولتين خلف العراق. كما شكلت المساعدات المالية للأردن من الجهات الخليجية المانحة، إلى جانب تحويلات الأردنيين العاملين في الخليج، حوالي نصف إجمالي الدخل القومي الأردني. ونخلص من ذلك إلى أن هذا النوع من الدين العابر للحدود لا يمثل بالضرورة دليلا على وجود رغبة حقيقية أو خطة مسبقة لدى المملكة لتحقيق نتائج بعينها في الأردن أو جنوب آسيا كجزء من سياستها الخارجية بوجه عام. لذا، فإنه يجدر النظر إلى “التحويلات الدينية” كأحد أبعاد ما ذكرناه سلفا من أن نشر التأثير الديني خارج حدود الدولة لا يعكس بالضرورة توجها أصيلا في سياستها الخارجية.
يمكن تحميل الدراسة كاملة من هنا ?