منوعات

بعد 18 عاما على هجمات سبتمبر: هل لايزال تنظيم القاعدة خطرا على الغرب؟

*كولين كلارك – أستاذ العلوم السياسية في كلية باردي راند للدراسات العليا

*تشارلز ليستريس – زميل أول في معهد الشرق الأوسط

*عرض وترجمة: أحمد بركات

ثمانية عشر عاما مرت على أحداث 11 سبتمبر، تراجع خلالها تنظيم القاعدة بشكل لافت. على إثر ذلك، يبدو التنظيم الإرهابي اليوم مختلفا عن تلك المجموعة الذي قتلت آلاف المواطنين الأمريكيين في قلب الولايات المتحدة. فقد خلًفت الضغوط المكثفة لمكافحة الإرهاب في أفغانستان وباكستان قيادة مركزية شائخة ومتفككة. في الوقت نفسه، أدى صعود تنظيم الدولة الإسلامية(داعش) إلى انخراط تنظيم القاعدة في معركة تنافسية أخرى من أجل استعادة مكانته على رأس قائمة  الحركات الجهادية العالمية.

إعادة البناء

ومع تراجع الحالة الصحية لأيمن الظواهري، قائد التنظيم، واختفائه على الأرجح في مكان ما في باكستان، ثم مقتل حمزة بن لادن (ربما كان الرجل الثاني في التنظيم) مؤخرا، حسبما تفيد تقارير، أدرك قادة التنظيم أن فرصته الأفضل للبقاء في المشهد تتمثل في استمرار حضوره على الساحة السورية.ولتحقيق أقصى استفادة من الفرص التي قدمتها الحرب الأهلية، شرع التنظيم في نقل أصول مهمة من أفغانسنان وباكستان إلى بلاد الشام في سبتمبر 2014. ويشكل هذا التحول في مركز جاذبية التنظيم تغييرا جوهريا، كما ينطوي على دلالات ربما لم تتضح بعد بصورة كاملة للمسئولين عن مكافحة الإرهاب في جميع أنحاء العالم. لكن المؤكد أنه بعد  ما يقرب من عقدين عاصفين من تنفيذ مهمته الأكثر إثارة على الإطلاق في تاريخ الجهادية العالمية، آلت الأمور داخل التنظيم إلى مزيد من الاستقرار وبدأ مجددا في التركيز على مهاجمة الغرب.

حمزة بن لادن

الصبر الاستراتيجى!

في أعقاب مقتل مؤسس التنظيم، أسامة بن لادن، في عام 2011، واندلاع ثورات الربيع العربي، بدأ تنظيم القاعدة في اتباع استراتيجية جديدة، حيث لاحظ خبراء الإرهاب على نطاق واسع شروع التنظيم في تعقب أهداف استراتيجية أكثر محدودية مع التركيز على المحلية والتدرج، فيما أطلق عليه اسم «الواقعية المحكومة» و«الصبر الاستراتيجي». في هذه الأثناء، بدا التنظيم وكأنه يقوم بعملية إعادة بناء هادئة ومتمهلة، تاركا – عن عمد وبصيرة – تنظيم الدولة الإسلامية وحده في مواجهة فورة الحملة الغربية لمكافحة الإرهاب.

تجلت «استراتيجية المحلية الواقعية» أكثر ما تجلت في إدارة التنظيم للأمور في سوريا، حيث تمكنت «جبهة النصرة» من تنفيذ مقاربة جهادية سبق لها أن حققت بعض النجاحات في اليمن ومالي. فعن طريق توجيه طاقاتها محليا، ومنع قانون العقوبات، وتشكيل تحالفات على مستوى الطيف الإسلاموي وغير الإسلاموي، والتفوق على المنافسين الأقل تطرفا في توفير حكم محلي فعال وغير فاسد، نجحت جبهة النصرة في بناء جسور من الثقة والمصداقية الشعبية لم يبلغها قبلها تنظيم آخر موال لتنظيم القاعدة.

 وباختصار، بقيت «جبهة النصرة» على وعي عميق بكيفية إدراك السكان المحليين لطبيعتها، وتصرفت وفقا لذلك. وقد أثبت هذا الوعي أنه الأهم على الإطلاق، وأن الفاعلية العسكرية والكفاءة القتالية في ميدان المعركة لا يمثلان أكثر من مجرد ميزة إضافية.

رغم ذلك، أثبتت استراتيجية «جبهة النصرة» الناجحة أن لها أثرا جانبيا سلبيا وعميقا، حيث باعدت بين الجناح السوري وبين القيادة المركزية لتنظيم القاعدة في جنوب آسيا. كانت المنهجية المحلية تتطلب مستوى عاليا من المرونة وسرعة اتخاذ القرار، وهو ما ثبت استحالة تنسيقه مع أيمن الظواهري، الذي كان بمعزل عن العالم الخارجي في أسوأ الأحوال، أو يحتاج إلى شهور ليتجاوب مع الاتصالات في أحسنها. وبحلول عام 2016، أصبح أيضا جليا أنه من أجل المحافظة على نجاحات جبهة النصرة، ومن أجل تحول المصداقية إلى شعبية، والشعبية إلى دعم، والدعم إلى إخلاص وموالاة، فإن الأمر يتطلب معالجة العائق الوحيد والأكبر أمام تقدم الجبهة، وهو ارتباطها بتنظيم القاعدة الذي لا يجلب عليها سوى الشكوك والبارانويا وعدم الثقة.

ومن خلال عمليتين متتاليتين من أجل تغيير الصورة في يوليو 2016 ويناير 2017، تحولت «جبهة النصرة» إلى «جبهة فتح الشام»، ثم إلى «هيئة تحرير الشام». وقد تمت أول عملية للتغيير بسلام، بينما تطلبت الثانية تنفيذهجمات عسكرية على بعض الجماعات الإسلامية باعتبارها تشكل تهديدا محتملا. وسواء كان ذلك مقررا من البداية أو لم يكن، فإنه في الوقت الذي تم فيه الإعلان عن تأسيس «هيئة تحرير الشام»، لم تكن ينظر إليها على أنها عضو مخلص في شبكة القاعدة. إضافة إلى ذلك، فقد فقدت الجماعة جزءا كبيرا من شعبيتها – لأول مرة منذ نشأتها – بسبب الهجمات التي شنتها على التنظيمات المنافسة.

ونتيجة لمشاعر الغضب التي سيطرت على الموالين لتنظيم القاعدة بسبب ما اعتبروه تسييلا لهوية «جبهة النصرة»، وتشويها لنقاء قضيتها، إضافة إلى العملية غير الشرعية التي تكمن خلف هذا التطور، انشق الموالون لتنظيم القاعدة عن «هيئة تحرير الشام» بإعداد كبيرة. وتحت قيادة محترفين قضوا عقودا في صفوف القاعدة، وتدرجوا في أعلى مستوياته، أسس المنشقون القاعديون جماعات جديدة، أبرزها وأهمها «تنظيم حراس الدين». وبناء على تعليمات جديدة من الظواهري وآخرين، اصطف هؤلاء خلف الرموز القديمة، ولم يتم تشجيع الجماعات الموالية على الاستمرار في السيطرة على أقاليم أو حكمها، وذلك لتجنب أي ارتباطات أو علاقات مع حكومات أجنبية أو حتى جماعات محلية هجينة. كما أكدت التعليمات الجديدة على ضرورة اتباع استراتيجية عسكرية مباشرة، والمراقبة الصارمة للعدو القريب في المنطقة والعدو البعيد في الغرب.

حراس الدين

منذ تأسيسه في عام 2017، خضع «تنظيم حراس الدين» لقيادة سمير حجازي، المعروف أيضا باسم أبو همام الشامي، وهو قائد عسكري متخصص في تنظيم القاعدة، وتنقل بين الأردن وأفغانستان وباكستان والعراق ولبنان، قبل وصوله إلى سوريا في عام 2012. ويعتبر حجازي أحد المقربين من الزعيم القاعدي سيف العدل، كما عمل في السابق مع أبو مصعب الزرقاوي، وكان مسئولا عن تنسيق تدريب المقاتلين الأجانب في العراق. وتؤكد مصادر أن حجازي تم استبداله مؤخرا ليحل محله في قيادة التنظيم رمز قاعدي آخر، هو «خالد العاروري»، والمعروف باسم أبو القسام ألأردني، الذي تم تعيينه مؤخرا – وفقا للمصادر نفسها – من قبل الظواهري كأحد ممثلي القاعدة الثلاثة في العالم إلى جانب كل من عادل وعبدالله أحمد عبدالله، المعروف باسم أبو محمد المصري، وكلاهما في إيران. ويعتبر العاروري أحد عضوين – على الأقل-  في تنظيم حراس الدين الذين ينتمون إلى مجلس الشورى العالمي لتنظيم القاعدة الذي يتألف من 12 عضوا تقريبا، ويتواجد أغلب أعضاء هذا المجلس حتى الآن في جنوب آسيا. يبين هذا بجلاء الأهمية الكبرى التي صارت تتمتع بها سوريا كنقطة التقاء رئيسة لاستثمارات القاعدة لتحل محل جبهتها المفضلة في السابق في اليمن. لقد كان «تنظيم حراس الدين» يزخر دائما بالقياديين القاعديين من أمثال سامي العريدي، وبلال خريسات، وفرج أحمد نعناع، وأبو خلاد المهندس (حتى موته في 22 أغسطس، بحسب بعض التقارير).

القاعدة والغرب

وفي الوقت الذي خاض فيه تنظيم القاعدة مخاض التغيير كتنظيم عالمي، كان هناك عدد من  التساؤلات التي تتردد في أروقة صناعة السياسات في الولايات المتحدة وأوربا، مثل: إلى أي مدى لا يزال تنظيم القاعدة معنيا بشن هجمات ضد الغرب؟ هل غياب هجمات التنظيم – التي تتسم عادة بالإثارة – في هذه المرحلة يعود إلى نقص في القدرات، أم إلى تحول في الأولويات؟

في مقابلة مع قناة الجزيرة في مايو 2015، أكد أبو محمد الجولاني، قائد «جبهة النصرة» آنذاك، أنه تلقى تعليمات من الظواهري بعدم استخدام سوريا كملاذ آمن لشن هجمات ضد الغرب. جاءت هذه التعليمات التي بعثت بها القيادة المركزية للتنظيم عبر رسالة سرية في بداية عام 2015 بعد الهجمات التي شنتها القوات الأمريكية على ما يعرف بـ «جماعة خراسان»، وهي مجموعة صغيرة من نشطاء تنظيم القاعدة تأسست في سبتمبر 2014 في شمال سوريا بهدف مهاجمة الغرب. كانت هذه الرسالة بمثابة عودة منطقية إلى استراتيجية «جبهة النصرة»، وتأكيد على عدم استثارة الغرب الذي كانت حملته تستعر ضد تنظيم الدولة الإسلامية، المنافس الجهادي لتنظيم القاعدة.

لكن، ربما من أجل إزالة أي تشويش بشأن ما إذا كانت الولايات المتحدة وأوربا لا تزالان على رأس قائمة الجهود الدولية للقاعدة، فقد أطلق التنظيم سلسلة من الرسائل على مدى السنوات التالية. ففي رسالة في أبريل 2017، أكد الظواهري على أهمية الجهاد العالمي للتنظيم. وفي الشهر التالي، حثت رسالتان من حمزة بن لادن وقاسم الريمي، أمير تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية، أعضاء التنظيم على شن هجمات ضد الغرب. وليس من المستغرب أن يخلص دان كوتس، مدير الاستخبارات الوطنية الأمريكية، في شهادته أمام الكونجرس في مايو 2017 إلى أنه «ستبقى أوربا عرضة لهجمات إرهابية، وسيواصل عناصر من كل من تنظيم الدولة الإسلامية والقاعدة توجيه وتنفيذ مخططات ضد أهداف في أوربا».   

وتؤكد تقارير أن جماعة «أنصار الفرقان»، وهي مجموعة من مقاتلي تنظيم القاعدة والموالين لها، قد تشكلت لفترة وجيزة في سوريا في أكتوبر 2017 من أجل تنفيذ «أهداف معلنة حديثا في سوريا، وهي تدشين حرب عصابات مع استهداف الغرب». وفي خطاب آخر قدمه الظواهري في مارس 2018، بعنوان «أمريكا هي العدو الأول للمسلمين»، حث قائد القاعدة أتباعه على شن هجمات ضد الولايات المتحدة. ويتماشى كل ذلك مع السردية العامة للتنظيم التي ترى أن الغرب في حالة حرب مع الإسلام.

*هذه المادة مترجمة. يمكن مطالعة النص الأصلي باللغة الإنجليزية من هنا ?

أحمد بركات

باحث و مترجم مصرى

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock