“أنا عربي”، “أنا جزائري”، “أنا مسلم”، “أنا غاضب بسبب العنصرية”، “أنا متعب من نظرة الناس الخاطئة”.. هكذا قدم العديد من الشباب من أصول مغاربية أنفسهم، ممن ينتمون للجيل الثالث للمهاجرين المغاربة في فرنسا، حين طٌلب منهم تعريف أنفسهم، من قبل أستاذ علم النفس الاجتماعي بجامعة ليون الثانية الدكتور عزام أمين، في سياق دراسته التي جاءت تحت عنوان “التكيف الاجتماعي والهوية العرقية لدى الشباب من أصول عربية مغربية في فرنسا، حين يكون العنف استراتيجيا هوياتية” والتي أجراها عام 2015، على عينة من الشباب ساكني ضواحي مدينة ليون الفرنسية.
يشير عزام أمين في دراسته إلى أن ضواحي مدينة ليون كانت بمثابة مسرح لكثير من أعمال العنف، وفيها نشأت فكرة تنظيم مسيرة من أجل المساواة والمناهضة العنصرية عام 1983، بمبادرة من شباب ذوي أصول مغاربية وخاصة الجزائرية. وقد كانت هذه المسيرة بمثابة حركة من أجل الحقوق السياسية والمدنية والإجتماعية للمهاجرين المغاربة وأبنائهم، حيث أنطلقت المسيرة من مارسيليا وصولا إلى باريس، وضمت أكثر من مائة ألف شخص، وهى من الأحداث الهامة التي وضعت المهاجرين المغاربة وأبناءهم في بؤرة الضوء أمام الساحتين السياسية والإعلامية.
الدكتور عزام أمين
وتعد الجالية المغاربية في فرنسا من أصول تنتمي لبلدان المغرب العربي (الجزائر- تونس-المغرب)، من أكبر الجاليات العربية في أوربا، حيث بدأ المهاجرون المغاربة يصلون فرنسا مع نهاية القرن التاسع عشر، غير أن موجات الهجرة المكثفة لم تبدأ إلا في أثناء الحرب العالمية الأولى، وكان أخر تلك الموجات مع صدور قانون لم الشمل العائلي الذي أصدره الرئيس الفرنسي الأسبق “فاليري جيسكار ديستان” في منتصف سبعينيات القرن الماضي، وكان الرهان الفرنسي آنذاك ينصب على أن الجيلين الثاني والثالث من هذه الجالية سيندمجان بسهولة في المجتمع الفرنسي.
وعن قضية الاندماج الاجتماعي للشباب العربي من أصول مغاربية في المجتمع الفرنسي يقول عزام أمين في دراسته، إنها تعد واحدة من القضايا المثيرة التي يطرحها الإعلام الفرنسي، حين تثار قضايا العنف والتطرف والبطالة والفشل الدراسي وانتشار الجريمة والاتجار بالمخدرات، حيث يذهب بعض الإعلاميين الفرنسيين إلى وصف “الضواحي” التي يسكنها الشباب من أصول مغاربية، “بالساخنة” أو “القنبلة الموقوتة”.
وقد سعى عزام أمين في دراسته لتسليط الضوء على إشكالية الهوية والانتماء لدى الشباب الفرنسي من أصول عربية إسلامية، وعلاقة هويتهم العرقية بدخول بعضهم في صدام مع المجتمع الفرنسي. من حيث المبدأ تفترض الدراسة أن هؤلاء الشباب لا يرفضون الإندماج في المجتمع الفرنسي، هم فقط يرفضون التماهي معه بصورة تامة تفقدهم شعورهم بالهوية، ويأتي السلوك العنفي من قبل بعضهم تعبيرا عن هذا الرفض، وهم بذلك وفقا للدراسة قادرون في غالبيتهم على التمييز بين آليات الإندماج والتكييف الإجتماعي من جهة، والتماهي في المجتمع الفرنسي من جهة أخرى.
وينتقد عزام أمين سياسة الانصهار التى تتبعها فرنسا في تعاملها مع الجاليات المختلفة المهاجرة إليها، والتي تهدف إلى تذويب ثقافات المهاجرين وأبنائهم في بوتقة ثقافة المجتمع الفرنسي، وبأقصى سرعة ممكنة. فلكي يعترف المجتمع الفرنسي بالمهاجر وأبنائه، عليه( المهاجر) التخلي تماما عن ثقافته الأصلية لصالح الثقافة الفرنسية، حيث ينظر هذا النموذج إلى مبدأ تعدد الثقافات بإعتباره يمثل خطورة على فرنسا وهويتها.
من ناحية أخرى يؤكد أمين على أن هناك حالة من الإقصاء والتنميط السلبي، يمارسها المجتمع الفرنسي تجاه الشباب من أصول مغاربية، تجعلهم يشعرون بالإحباط وفقدان الأمل وأنهم مواطنون درجة ثانية، ليس هذا فحسب وإنما كونهم أكثر عرضة للتمييز من غيرهم من الجاليات، بسبب إرتباط صورتهم بشبح الإرهاب والحركات الجهادية، الأمر الذي دفع بعضهم نحو البحث عن هوية بديلة، يجدونها في الغالب الأعم في الدين.
المشكلة بالطبع ليست في الدين بحد ذاته، المشكلة تكمن في مظاهر التدين التي يتبناها هؤلاء الشباب بهدف إظهار الإختلاف، وذلك من خلال بعض المظاهر المرتبطة بإطلاق اللحى وطريقة الملبس والكلام، والأزمة لا تكمن في بروز تلك المظاهر، وإنما الأزمة تكمن في الدخول في علاقة صدامية مع المجتمع الفرنسي ذاته.
يرصد عزام أمين في دراسته عدد من النتائج التي تؤكد على أن الشباب من أصول مغاربية يفضلون الإندماج الإجتماعي، ويرفضون الإنعزال الثقافي ويرفضون بدرجة أكبر “التماهي”، وهى نتيجة تتعارض مع ما يشيعة خطاب اليمين المتطرف في فرنسا عن رفض هؤلاء الشباب وخاصة ممن ينتمون لأصول مغاربية للإندماج الإجتماعي داخل المجتمع الفرنسي، وتتوافق نتائج دراسة عزام أمين مع ما أشار إليه الباحثين من أن الإندماج الإجتماعي هو عبارة عن محاولة توفيق بين الهوية الأم والهوية الثقافية للمجتمع المضيف، وهو ما يسعى إليه جميع أبناء المهاجرين بمختلف الثقافات مهما كانت ثقافتهم الأم، وفقا لما ذهبت إليه نتائج دراسة أمين.
غير أن الشباب من أصول مغاربية، هم الأكثر رفضا للتماهي الإجتماعي وليس الإندماج الإجتماعي، وهم يعيشون سياسة التماهي، والصهر الفرنسية، بإعتبارها أحد أشكال العنف التي تمارس عليهم، هذا بالإضافة إلى أنهم وكما سبق الإشارة هم الأكثر عرضة للتنميط السلبي والتمييز، كما انهم يعانون من البطالة، والحرمان بدرجة أعلى مقارنة بزملائهم من الجاليات الأخرى.
ويختتم عزام أمين دراسته بتقديم عدد من التوصيات التي يرى أن من شأنها تعزيز عملية الدمج الاجتماعي لهؤلاء الشباب، فعلى الصعيد السياسي يرى ضرورة وقف التعامل مع ظاهرة العنف في الضواحي الفرنسية بالطريقة الأمنية الاستخباراتية، ذلك أن تلك الظاهرة في حاجة إلى معالجة شاملة وهيكلية تمنح هؤلاء الشباب الشعور بالعدل والانتماء. كما توصي الدراسة بضرورة تصحيح كثير من المفاهيم المتعلقة بالشباب من أصول مغاربية لدى العاملين في المجال الإعلامي، إضافة إلى تصحيح المفاهيم المتعلقة بالدين الإسلامي والمسلمين بشكل عام، مع التركيز على الجوانب الإيجابية في الثقافة العربية والإسلامية. لكونها اللغة الثانية بعد الفرنسية من حيث عدد المتحدثين بها في فرنسا، توصي الدراسة بأهمية إدراج اللغة العربية والثقافة العربية والإسلامية، ضمن المناهج التعليمية في المدارس العامة الفرنسية.
إنفو جرافيك: عبد الله إسماعيل