كتب: سيمون مكارثي
ترجمة و عرض: تامر الهلالي
هل يمكن أن يتنبأ العلم بما يفكر فيه الانسان، وما يريد أن يفعله؟ وهل يمكن أن يصل إلى نوايا وأفكار الانسان المستترة بل وبمواقفه السياسية؟ هذا الموضوع الخطير كان محور أبحاث ودراسات واهتمامات عدد من العلماء. فقد توصلت دراسة أجريت في عام 2001 إلى أن البيانات المأخوذة من فحوصات المخ يمكن أن تتنبأ بدرجة عالية من الدقة بنوع الجسم (على سبيل المثال، الوجه، البيت، القط) الذي كان ينظر إليه شخص ما.
إن كنت تعتقد أن أحلامك آمنة، فإن عليك أن تفكر مرة اخرى, فقد توصلت الأبحاث إلى أن بيانات الدماغ التي تم الحصول عليها عندما كان الناس يحلمون، أظهرت بدقة بلغت نسبتها 60 في المائة، فئات الأشياء التي ظهرت في أحلامهم.
الحقيقة الماثلة أنه لا يمكن لعلم الأعصاب فقط التنبؤ بما يراه الناس في أحلامهم، بل يمكنه إعادة بنائه. وفي هذا السياق، أخذت دراسة عام 2008 النشاط العصبي للمشتركين في البحث واستخدمته لإعادة بناء ما كانوا يشاهدونه بالفعل. بينما حاول بحث آخر أن يحدد الكلمات التي نقولها لأنفسنا بصمت في رؤوسنا. كما أن المناهج التي تقيس النشاط العصبي باستخدام التصوير بالدماغ أو بوضع أقطاب كهربائية على الدماغ نفسه بدأت في تحقيق الكثير من النجاح.
اللافت هنا أن تعمل وكالة ناسا الأمريكية أيضًا على هذه المسألة، باستخدام أجهزة استشعار توضع على الحلق والذقن لاكتشاف وفك الشفرة الداخلية. وهم يأملون أن يسمح ذلك لرواد الفضاء بتشغيل الآلات في الفضاء بعقولهم وحدها.
فك شفرة الذات
النوايا يمكن فك شفرتها أيضا. ففي هذا السياق طلبت دراسة أجريت عام 2007 من بعض افراد عينة البحث أن يقرروا ما إذا كانوا يرغبون في إضافة أو طرح رقمين. وقد أتاح تحليل النشاط في القشرة المخية قبل الجبهية (المتضمنة في التخطيط) للباحثين التنبؤ بالخيار الذي اختاره الشخص بدقة تبلغ 71 في المائة. إذ يمكن أن معرفة نشاط الدماغ لشخص ما تسمح بالتنبؤ بما سيفعله هذا الشخص (للمهام الأساسية) قبل أن يعرفه هو نفسه.
المواقف السياسية أيضا يمكن اكتشافها، حيث أشارت دراسة أجريت في عام 2011 إلى أن حجم بعض مناطق الدماغ يتنبأ بمستويات الليبرالية / المحافظة. واحدة من هذه المناطق كانت مركز المخ في الدماغ – اللوزة المخية. كما توصلت دراسة لاحقة إلى أن نشاط الدماغ أثناء المخاطرة المالية سمح بالتنبؤ الصحيح للانتماء السياسي (الجمهوري أو الديموقراطي) بنسبة 83 في المائة من المشاركين. ومرة أخرى، كانت اللوزة واحدة من هذه المناطق.
قبل خمس سنوات كانت تلك المخاوف مجرد مخاوف، لكن الأمور تغيرت وأصبحت تلك التكنولوجيات موجودة و تستخدم بالفعل. تلك التطورات التقنية الهائلة تتركنا في حالة من الذعر بشأن الخصوصية العقلية، وقدرة التكنولوجيا على اختراقها. وقد لاحظ الأكاديمي القانوني فرانسيس شين، أن المخاوف مألوفة ومكررة، وهي أننا على حافة تكنولوجيات قراءة ذهنية قوية.
كما أن هناك خوف أكبر من أن تستخدم السلطات الحاكمة هذه الطرق بطرق خادعة، بينما لن يستطيع المواطنون إيقاف ذلك لأنه لا توجد قوانين لمواجهة ذلك حتى الآن. ولذلك إن أردت منع الحكومة من قراءة عقولنا فليس هناك سوى اجراء واحد هو: ألا تفكر في السياسة. لكن ليست الحكومات فقط هي التي يجب الخوف منها بشأن خصوصياتنا، فهناك الشركات خاصة أيضًا, ولعل أبرز مثال على ذلك ما حدث في فضيحة “كامبريدج أناليتيكا”، التي حصدت فيها شركة فيسبوك بيانات شديدة الخصوصية لاستهداف المستخدمين بإعلانات سياسية شخصية تستند إلى قراءتهم نفسيا.
إن قراءة العقل ليست جديدة: فنحن نحاول باستمرار معرفة ما يفكر فيه الآخرون. ندقق في تعابير الوجه ونقرأ لغة الجسد ونستمع إلى نغمة الأصوات. نحن نقبل هذا على أنه عادل، على افتراض أن معظم البالغين يمكنهم الاحتفاظ ببعض المعلومات المخفية. لكن للأسف، أصبح بإمكان الآلات الآن التغلب على قدرتنا الفانية للحفاظ على عالمنا العقلي الخاص. فعلى سبيل المثال, هناك طريقتان لتجاوز استخدام البيانات التي تشاركها طوعًا في الملف الشخصي على “فيسبوك”، والولوج داخل رأسك. صحيح أن تلك التكنولوجيا لا تزال في مهدها و قد تحتاج الدراسات في هذا السياق إلى المزيد، ولكن ومع تدفق مبالغ كبيرة من المال في مثل هذه الأبحاث، قد يكون التقدم سريعاً بشكل مذهل.
تعريف بالكاتب
سيمون مكارثي جونز هو أستاذ مساعد في علم النفس العيادي وعلم النفس العصبي في كلية ترينيتي في دبلن.