في الثالث عشر من فبراير من كل عام يحتفل العالم باليوم العالمي للإذاعة، وهو اليوم الذى اختارته منظمة الأمم المتحدة للثقافة والعلوم “اليونسكو” ليكون عيدا عالميا للإذاعة بمناسبة انطلاق البث لأول إذاعة للأمم المتحدة عام 1946 وقد حددت اليونسكو موضوع احتفالية هذا العام 2019 وهو “الحوار والتسامح والسلام. تحديد يوم عالمي للإذاعة من جانب اليونسكو كان بهدف زيادة الوعي بين عامة الناس، وبين العاملين في وسائل الإعلام بأهمية هذه الوسيلة الإعلامية.
وتقول اليونسكو “أن البث الإذاعي يمكن أن يوفر منبرا للحوار والنقاش الديمقراطي حول قضايا مثل الهجرة أو العنف ضد المرأة وأن يساعد على رفع مستوى الوعي بين المستمعين ويُلهم الفهم لوجهات نظر جديدة ويمهد الطريق لعمل إيجابي.كما يمكن للبرامج الإذاعية أيضا أن تبني قيم التسامح وتتجاوز الاختلافات التي تفصل بين المجموعات،عن طريق توحيدها في إطار أهداف مشتركة، مثل كفالة التعليم للأطفال أو معالجة المشكلات الصحية المحلية”.
الإذاعة المصرية.. تاريخ عريق ودور وطنى
قبل هذا التاريخ الذى اختارته اليونسكو- لتعلن أنه المناسبة التى تستحق أن تكون يوما عالميا – باثنتى عشرة سنة وبالتحديد فى 31 من مايو عام 1934 كان أثير الإذاعة المصرية ينطلق معلنا بدء الإرسال الرسمي للإذاعة المصرية التي أصبحت واحدة من أقدم الاذاعات في العالم والأولى عربيا. غير انه قبل هذا التاريخ بسنوات كان الإرسال الإذاعى ينطلق فى مصر من خلال عدد من المحطات الأهلية.
ورغم البدايات المبكرة إلا أن الانتشار الحقيقي للإذاعة كان مع بداية ثورة يوليو 1952 التي أنشأت اذاعة صوت العرب عام 1953، وكان تأثير الإذاعة المصرية الثقافي والأيديولوجي في محيطها الإقليمي والعربي ضخما ومصدرا قويا للتغيير الاجتماعي والسياسي.
وهنا يمكننا الحديث بفخر عن الدور الوطني الكبير الذى لعبته إذاعة صوت العرب التى تعتبر واحدة من أهم الاذاعات العربية، فقد كان لها دورها التعبوى بل والمشارك بفعالية فى حركات التحرر فى الوطن العربى وقارة افريقيا. فقد قامت صوت العرب بدور محوري في تلك التعبئة التي كان لها بالغ الأثر في إشعال روح التضحية والفداء لدى الجيوش العربية ولدى الجمهور العادى وكان لها حضورها الطاغى فى جميع انحاء الوطن العربى.
وفي عام 1956 استهدف العدوان الثلاثي على مصر محطات الإذاعة المصرية في أبي زعبل، وحينها خرجت محطات عربية أخرى تتضامن مع القاهرة ولعل المستمع العربي الذي عاصر تلك الحقبة يتذكر عبارة “من دمشق هنا القاهرة”، واستمرت الإذاعة المصرية في أوج قوتها ولم تتأثر كثيرا بإنشاء التليفزيون المصري في عام 1960 حتى أنها بعد ذلك بسنوات طويلة كانت منصة لإطلاق بيانات حرب أكتوبر.
بعد 1956 أصبح ما يسمى بالمد الثوري بساطا تحمله الإذاعة المصرية بقيادة صوت العرب إلى المحيط العربي والإفريقي، وفى الخامس والعشرين من مارس عام 1964 انطلقت إذاعة القرآن الكريم ملبية رغبة مئات الملايين فى العالم الإسلامى كله فى الاستماع لكتاب الله بأصوات مشاهير القراء وكانت القرآن الكريم ولا زالت نهرا متدفقا تصل ينابيع غذائه الروحى لكل شبر فى العالمين العربى والإسلامى.
سؤال المنافسة
مما لا شك فيه أن هناك تاثيرا سلبيا طال الإذاعة بعد منافسة حقيقية لقنوات التليفزيون – أضف إلى ذلك وسائل التواصل ومواقع التواصل الاجتماعى والسوشيال ميديا بشكل عام …ورغم أن تعدد الوسائط الناقلة للصوت والصورة ما زال يشكل خطرا على الإذاعات التقليدية، حيث تواجه الإذاعة تحديات كبيرة بتعدد تلك الوسائط بالإضافة إلى وسائل التواصل الحديثة التي أصبحت منافسا لكل وسائل الإعلام.الا أن الاذاعة ما زالت تحتفظ لنفسها بمكانة لم تفقدها أبدا فى قلوب محبيها في كل انحاء العالم.
ومع احتفال العالم باليوم العالمي للإذاعة من كل عام، يطرح سؤال بعينه كل مرة، ألا وهو: هل ستبقى الإذاعة وسيطا إعلاميا، وهل سيظل لها دور في عصر الوسائط المتعددة والرقمية والتواصل الاجتماعي التي أخذت تشغل اهتمام معظم الناس هذه الأيام؟
أهمية الراديو
تمكن الراديو – باعتباره وسيطا إعلاميا ذا تاريخ طويل – من الاستمرار على قيد الحياة والتأثير منذ بدء أول بث إذاعي في أوائل العشرينيات من القرن الماضي، وحتى حلول عصر المعلوماتية والتكنولوجيا الرقمية، وهو يعد الآن من أكثر الوسائط الإعلامية جذبا للجمهورفي أرجاء العالم كافة من حيث وصوله إلى أكبر عدد منهم.
وتؤكد وسائل إحصائية مختلفة أن الراديو بكل محطاته، ما يزال وسيلة لها بريقها وتبدو وكأنها تتحدى الزمن بتطوره، فما زال الملايين يستمعون للموسيقى والأخبار عبر الراديو، في مناطق مختلفة من العالم، خاصة في المناطق القروية والبدائية، والتي تحتاج إلى وسيلة بسيطة، كما أن الراديو ما يزال يمثل وسيلة إعلامية للملايين، ممن يقودون سياراتهم على الطرق، إذ أنه ما يزال الوسيلة المثالية في السيارات.
وما زال الراديو يبسط سلطانه، ليس فقط عبر الأثير، بل على الفضاء الافتراضي أيضا، فأصبح بإمكان جماهير المستمعين الاستماع إلى مئات المحطات الإذاعية دون حاجة إلى مذياع، عبر الإنترنت، ومن خلال تطبيقات على أجهزة الهواتف الذكية، والأجهزة الإلكترونية المحمولة.
وقد تكون طبيعة الراديو ذاتها أحد العوامل التي هيأت له البقاء حتى الآن. فهو وسيط يمنحك حرية الرسم والتصوير لما تسمعه. إذ يمكنك رسم تصور للمذيع أو المذيعة في ذهنك في الصورة التي تحلو لك، ورسم صورة للأحداث التي تنقل إليك في رأسك بحرية يفتقدها مشاهد التليفزيون.
وإن كان الراديو يكلم الملايين، في القرى والمدن والبلدات، والأقطار، فإنه في الوقت ذاته يتكلم إليك أنت وحدك، فأصواته موجهة إليك، تتسلل إلى رأسك عبر أذنيك لتظل بداخلك فيكون تأثيرها أكبر، فهو أداة شخصية..
وتشير احصاءات اليونيسكو الى أن عدد مستمعي الإذاعة في عام 2016 تجاوز عدد مشاهدي التلفزيون ومستخدمي الهواتف الذكية، وأنه توجد أكثر من 800 محطة إذاعية في البلدان النامية، بينما نصف سكان العالم تقريبا (3.9 مليارات شخص) لا يزالون غير قادرين على الاتصال بشبكة الإنترنت.فهل لا يزال للراديو مكان في عصر هيمن فيه الإنترنت، وتوابعه من مواقع التواصل الاجتماعي والثورة الرقمية، على مجريات حياتنا؟. الإجابة نعم بكل تأكيد.