يبدو أن أدمغتنا تواجه صعوبة في التركيز على مهمة واحدة فقط، وتستمر بالتنقل من نشاط إلى آخر. معدلات القفز إلى مقاطع من الأغنية على خدمات الموسيقى الرقمية مثل Spotify هي الأسرع من أي وقت مضى؛ وكذلك المقالات التي تنشر في المجلات الرقمية يصحبها في العادة الوقت المقدر لقراءتها.
في بريطانيا، قال ما يقرب من 25 بالمائة من الأشخاص الذين شاركوا في استفتاء إنهم تعرضوا لحوادث جراء عدم التركيز: رأسهم منحني، يحدقون في الهواتف الذكية، ثم يصطدمون بأعمدة الإنارة.
يبدو أننا نواجه أزمة تشتت الانتباه ، لكن هل هناك “علاج” لعدم التركيز؟ ومن الذي يسرق تركيزنا؟
المؤرخ ريس جونز يحقق في البحث عن الذين يسرقون تركيزنا ويستطلع آراء الأشخاص الذين يقاومون هذه الظاهرة.
1. من يسرق تركيزنا؟
وسائل التواصل الاجتماعي والإعلانات الموجهة ويوتيوب وتطبيقات الهواتف المحمولة.
اكتشفت شركات التكنولوجيا الكبرى كيفية الاستفادة وتحقيق الربح من حالة المماطلة وتأجيل الشروع في إنجاز المهام واستغلتها من أجل سرقة انتباهنا وتركيزنا بشكل منهجي وعلى نطاق واسع.
وتقول بليندا بارمار، التي كانت من المبشرين بالتكنولوجيا ولكنها الآن أصبحت تقود حملة لمكافحة إدمانها لأنها قلقة جدا بشأن تأثيرها على الصحة العقلية: “هناك صناعة كاملة مخصصة لسرقة انتباهنا، ومعظمنا لا يدرك حتى مجرد حدوث ذلك”.
وتضيف بارمار “شركات التكنولوجيا ما تفتأ تطلق الوعود حول تقريب البشر، ولكن هدفها الأساسي هو أن تأخذ وقتنا وتبعدنا عن الآخرين”. وتشير إلى أن بعض الشركات مثل نيتفليكس لاتخفي ذلك.
وتقول بارمار “عندما يقول لك ريد هاستينغز، الرئيس التنفيذي لشركة نيتفليكس، إن أكبر منافس لشركته هو النوم، عليك إعادة التفكير”. وتضيف “إذا كنت لاتنام بشكل كاف على مدار فترة زمنية طويلة، كيف سيكون بإمكانك الاهتمام بأي شيء في الحياة؟”
وتعترف بارمار، التي أصبحت الآن الرئيس التنفيذي لشركة Empathy Business ، بأن للتكنولوجيا العديد من الإيجابيات، ولكنها تشير إلى أن ” للتكنولوجيا جانبا مظلما”.
بليندا بارمار
ومن الأشخاص الذين عبروا إلى الجانب الآخر في عالم التكنولوجيا جيمس، وليامز الموظف السابق في شركة غوغل بعد أن أدرك أن الأهداف التي تسعى لتحقيقها شركات التكنولوجيا الكبرى لا تتماشى مع قيمه.
ويقول جيمس: “إنها أشياء مثل زيادة عدد النقرات ، وعدد المشاهدات، ومقدار الوقت الذي تقضيه في استخدام منتج ما”.
ويضيف بأنه محاط بالتكنولوجيا ومن المستحيل أن يحقق أهدافه أو أن يجد مساحة للتفكير.
ويقول جيمس ” فكر بها بهذه الطريقة: نحن الخدم، وشركات التكنولوجيا الكبرى مثل أسياد القصر.”
ويضيف أنه توصل إلى استنتاج مفاده أنه في ” العصر الحديث، الخدامة لا تتشكل من الصراع على قوة عملنا الجسدية، بل من السيطرة على انتباهنا”.
وعلى الرغم من أن العديد من المنتجات الرقمية قد تكون مجانية الاستخدام، إلا أنها تسرق أغلى سلعة ومورد لدينا وهو وقتنا.
2. لماذا ندمن هذا الإلهاء؟
تيم وو، أستاذ في جامعة كولومبيا ومؤلف كتاب (تجار الانتباه: التزاوج الملحمي للدخول إلى رؤوسنا) ، يشرح كيف أن الحاجة إلى التحقق باستمرار من هواتفنا وطقوس إخراج أجهزتنا أثناء انتظار الحافلة، بينما نحن في المصعد ، وفي المرحاض وما إلى ذلك تسمى “المكافآت المتغيرة”.
عالم النفس المشهور والأستاذ في جامعة هارفارد ب. ف. سكينر توصل إلى هذه الفكرة بعد إجراء سلسلة من التجارب. وبيّن من خلال إحدى تلك التجارب كيف أن طيور الحمام تصبح أكثر إدمانا على نقر زر يخرج الحبوب إذا لم تكن تعرف متى سيتم إخراج تلك الحبوب.
ويقول تيم وو إن تلك الحوافز غير المتسقة مع المكافآت معروفة بأنها الأكثر فعالية في حدوث الإدمان تماما مثل آلة القمار. ولذا ، نحن مثل الحمام الذي ينقر الزر في التجربة النفسية، نضغط على هواتفنا، وغالباً ما نشعر بخيبة أمل ولكن في بعض الأحيان نحصل على شيء نراه مثيرا مثل مقالة جيدة وهذا ما يجعلنا نعود مرة أخرى إلى أجهزتنا المحمولة.
ويضيف تيم وو “بهذه الطريقة ستخسر ساعات من يومك، وأيام من أسبوعك، وأشهر من حياتك على أشياء لم تهتم بها حقاً”.
إذاً، هل هناك من طريقة لمساعدة عقولنا على مواجهة التشتت”.
3. كيف توقف لصوص الوقت؟
يقول نير آيال، مؤلف أكثر الكتب مبيعاً حول تصميم المنتجات الرقمية وخبير في سلوك المستخدم. إنه يعرف كل الحيل التي تستخدمها شركات التكنولوجيا للسيطرة على انتباهنا لأنه هو من علمهم تلك الحيل.
ولكن يمكنك التغلب على شركات التكنولوجيا وحيلها لتحافظ على تركيزك، على الرغم من أن ذلك يتطلب جهدا شخصيا. لكن علينا أن نتعلم كيف نعتني بأنفسنا. ويقول آيال: “حكومتنا لن تنقذنا ، ولاشركات التكنولوجيا”.
من السهل حقا أن تتغلب على التشتت إذا كنت تعرف كيفية القيام بذلك، ولدى آيال خطة لمساعدتك:
الخطوة الأولى: إدارة الحوافز الداخلية.
عندما نتشتت نحن عادة نتطلع للهروب من شيء غير مريح. حاول أن تتعرف على ماهيتها وأن تديرها.
الخطوة الثانية: خصص وقتا للتشتت.
خصص وقتا من يومك لتشتت الانتباه، فبهذه الطريقة لن تشعر أن وقتك يتم سرقته. امنح نفسك ساعة محددة ” لتصفح وسائل الإعلام الاجتماعي”.
الخطوة الثالثة: تخلص من الحوافز الخارجية.
أطفئ الإشعارات والأصوات والمنبهات على هاتفك.
الخطوة الرابعة: تعهد بمنع التشتت.
احصل على تطبيق تقني يحاول الحد من مقدار الوقت الذي تقضيه في استخدام هاتفك.
العامل الرئيسي هو الوعي الذاتي: عندما تدرك أنك تشتت انتباهك عن طريق هاتفك، فإنك تبدأ في وضعه جانبا.
4. أطفئ الأجهزة بشكل كامل
تقول سوزان ماوتشار الصحفية الأسترالية التي كاد يفقدها صوابها هوس عائلتها بالتكنولوجيا بأننا جميعا – الأطفال والكبار على حد سواء – أصبحنا ” نعتمد بشكل متزايد عليها بل يمكن القول علاقتنا أصبحت حميمية معها”.
وتضيف: “لقد أثرت التكنولوجيا على الطريقة التي تولي بها عائلتي الاهتمام ” ، لذا قررت سوزان أن الحل هو إغلاق جميع الأجهزة والعيش بدونها لمدة ستة أشهر.
وتتابع ” لقد قطعت الكهرباء من المصدر. ثم جمعت كل تقنيتنا ، جميع أجهزة التلفزيون وجميع أجهزة الكمبيوتر المحمولة وكل شيء ووضعتها في السقيفة وغطيتها.”
وتضيف سوزان: “كنت أريدهم أن يجروا اتصالا بالعين وأن يجروا محادثات. كنت أريدهم أن يجلسوا حول مائدة العشاء ولا يأكلون بسرعة حتى يتمكنوا من العودة إلى رسائلهم النصية ومراسلاتهم و” يوتيوب “.
لذا ، هل نجحت؟
تقول سوزان إن العائلة قضت وقتا أكثر في التحدث مع بعضهم البعض، ولكن كان هناك الكثير من الملل.
لذا ، على الرغم من أن التجربة جعلتها تفكر في علاقتها بالأجهزة، إلا أنها بعد ستة أشهر من تلك التجربة كانت على استعداد للعودة إلى تلك الأجهزة المحمولة. وهي تعترف بأن اليوم الذي شغلت فيه الأجهزة شعرت وكأنه عيد الميلاد.
إذا لم ينجح إطفاء أجهزتنا، فما الذي يمكننا فعله؟
5. إصلاح شركات التكنولوجيا
يعتقد جيمس وليامز أن المفتاح لحل المشكلة هو إنشاء نظام أخلاقي جديد يمكن أن يحكم “صناعة الانتباه”.
ويضيف جيمس: “يجب أن نسعى نحو عالم يكون فيه مجرد محاولة لفت انتباه شخص ما لمجرد جذب الانتباه إهانة وشكل من أشكال الشر”.
ويتابع: “إذا كانت الأخلاق والقيم التي نؤمن بها لاتوجه تصميم التكنولوجيا ، فهناك شيء آخر”.
أسس جيمس وليامز بالإضافة إلى متمردين آخرين من داخل صناعة الاهتمام مجموعة تسمى Time Well Spent ويقوم بحملات لحث شركات تطبيقات الهواتف المحمولة على تغيير طريقة تصميم منتجاتها.
ويضيف “تقول هذه الشركات إنها تريد تحسين حياتنا ، لكن ما تأخذه منا هو أغلى بكثير من أي شيء آخر في العالم.”
ولكن ماذا لو لم يكن الاهتمام سلعة يتم شراؤها وبيعها ، ولكن شيء يمكننا التحكم فيه؟ ربما ليست شركات التكنولوجيا التي تحتاج إلى التغيير بل أنفسنا.
تقول بليندا بارمار، التي شاهدت بشكل مباشر تأثير إدمان التكنولوجيا على الصحة العقلية لا سيما على الأطفال والشباب، ” لن تنجح أبدا”.
وتضيف “أنت كشخص تحاول أن تقوم بما تعتقد أنه اختيار جيد … ولكنك لا تدرك أنه خلف كل تطبيق يوجد فريق من المطورين والاخصائيين النفسيين وخبراء الألعاب الذين هدفهم الوحيد هو سرقة انتباهك”.
وتخلص بارمار إلى أنه “لا يمكنك محاربة ذلك بنفسك، خاصة إذا كنت طفلاً. كيف يمكننا محاربة هذه العصابات الرقمية؟”