عقد كامل يفصل بين ميلاد الروائي الجنوبي الكبير “عبد الوهاب الأسوانى” وميلاد الشاعر الجنوبي المتفرد الدكتور محمد أبو دومة.. الأسوانى ابن جزيرة المنصورية التابعة لمحافظة اسوان ولد عام 1934، بينما ولد ابو دومة ابن قرية كوم غريب التابعة لمحافظة سوهاج عام 1944، غير أن هذين المبدعيْن الكبيريْن رحلا فى توقيت واحد تقريبا، وكأنهما تواعدا على الرحيل فى أسبوع واحد.. فأبو دومة توفى يوم الأحد الموافق الثلاثين من ديسمبر 2018 ،بينما غادر الاسوانى عالمنا يوم الخميس الموافق الثالث من يناير 2019.
ثمة تشابه بين الأسواني وأبو دومة في لون البشرة السمراء، وفى اللهجة الصعيدية، غير أن وجه الشبه الأبرز بينهما هو استغراقهما فى بيئتهما الجنوبية بشكل واضح، وفى الحضور الإبداعي الطاغي والمتدفق لكل منهما ثم فى وقت الرحيل… وكلاهما يظل رمزا باقيا في تاريخ الادب والابداع المصري والعربي.
وقد أحسن المجلس الأعلى للثقافة صنعا حين نظم أمسية ثقافية تحت عنوان “رموز باقية…قراءة فى أعمال المبدعين الراحلين عبد الوهاب الأسواني ومحمد أبو دومة“، تضمنت قراءة موسعة ومحتفية بأعمال المبدعين ودورهما في الأدب والثقافة المصرية. وشارك فيها عدد كبير من النقاد والشعراء، كان من بينهم يوسف القعيد وهالة البدري، أحمد أبو خنيجر، والشاعر أحمد سويلم، الناقد الدكتور حافظ المغربي، طلعت رضوان، محمد قطب، والشاعر فيصل الموصلى والكاتب الصحفى سامح الأسوانى نجل عبد الوهاب الأسوانى.
الهم الجنوبى
فى البداية أشاد الروائي يوسف القعيد بتلك السنة الحسنة التى استنها المجلس الأعلى للثقافة بتأبين من يرحلون من مبدعي مصر، وقال إن الراحلين “الأسواني” و”أبو دومة” وضعا بصمتهما في المشهد الثقافي المصري، وقد كان لكل منهما مشروعه الكبير وشاغله الأول وهو الجنوب بكل ما فيه.
الروائي يوسف القعيد
.وتحدث الناقد طلعت رضوان عن عبد الوهاب الاسوانى ولفت إلى تفهم وتمكن الأسواني من أدوات الكتابة حيث المبدع يبدأ من لحظة مفجرة للأحداث، أنموذج ما فعله في “أخبار الدراويش”، حيث السلطة ويمثلها “العمدة” مركزة في القسم الغربي، وأبناء القسم الشرقي مشفقين على أولادهم للذهاب إلى القسم الغربي سيرا، وهنا مفجر الحدث هو فى بناء مدرسة إعدادية. وأشار رضوان إلى قدرة الأسواني على الاشتغال على فكرة الإسقاط وربط الواقع السياسي والاجتماعي الراهن بما فات.
الناقد طلعت رضوان
كما تحدثت الكاتبة هالة البدري عن عبد الوهاب الاسوانى وأشارت إلى تعرفها عليه فى سنوات تكوينها الأولى في رحلتها مع الصحافة والأدب من خلال عملها بمجلة الإذاعة والتليفزيون التي عمل بها الأسواني رئيسا للديسك المركزي فترة غير قليلة من حياته. وأكدت “البدري” أن الأسواني دأب فى تشييد عالمه الروائى على الانشغال بالجنوب ورسم تفاصيله غير أنه ايضا كان يرسم بريشته الروائية ملامح مهمة للمجتمع المصرى كله، منذ روايته الأولى سلمى الأسوانية وصولا إلى روايته الأخيرة “إمبراطورية حمدان”.
الكاتبة هالة البدري
أما الناقد محمد قطب فقد أشارإلى اللقاءات المشتركة التي جمعته مع الراحلين “الأسواني وأبو دومة” منذ الستينيات، وقال إن كلا منهما كان حالة متفردة خاصة، عن “الأسواني” يقول قطب: ظلت تيمة البحث عن الجذور والهوية هي المرجعية الأساسية التى يبحث فيها عن جذوره. باختصار وضع يده على النقطة المركزية ففي سلمى الأسوانية كانت نقطة الارتكاز التي انطلق منها هي الادعاء بأن العروس سلمى ليست عذراء ليلة الدخلة، وأن هذا بمثابة سبة في جبين عائلة. سلمى الأسوانية وهذا يشير إلى أن موضوع العار سنة مؤكدة في الصعيد.
ولفت قطب إلى أن السمة الفنية. التي يتميز بها الأسواني هي الواقعية التي تقترب من التسجيلية، دون الغوص في باطن الذات،
الناقد والأكاديمي حافظ المغربي تحدث عن محمد ابو دومة وقال: شهادتي حول أبو دومة قد تكون مجروحة، ومن حسن حظي أني رقيت عبر دراسات بحثية ونقدية حول كتابات أبو دومة الشعرية. وأضاف المغربي أن أبو دومة هو صاحب ملمح “جماليات القبح” وهو طقس نمارسه بفطرة الصعيد، وهذا يظهر عبر قصيدته “المنتنسبون نيلا”، حيث يصل إلى الانزياحات الشعرية التي تصنع فارقا.
الناقد حافظ المغربي
وعن البعد الشعري الذى حملته رواية “كرم العنب” لعبد الوهاب الأسوان، تحدث الشاعر فيصل الموصلي، حيث أشار إلى أن ثمة فنا يسمى “النميم” يتداوله أهل الجنوب، وعلى منوال رواية كرم العنب نسج “الموصلي” قصيدة بمثابة قراءة كاشفة للرواية، داعيا إلى ضرورة وجود دراسات نقدية وندوات تشتغل على الشعرية في الرواية المصرية.
أشار الروائي والقاص أحمد أبو خنيجر إلى أن أهمية الرواية كما يراها تكمن في طريقة بناء الشخصيات وعوالمهم، وهذه الطريقة واضحة عند الأسواني، غير أنها لديه غير مسبوقة في عالمنا العربي.
الروائي والقاص أحمد أبو خنيجر
وتحدث الشاعر الكبير “أحمد سويلم ” عن علاقته بالشاعر الراحل محمد أبو دومة كواحد من جيل الستينيات البارزين والذي اشتغل على المنحى المعرفي والصوفي عبر كتاباته الشعرية.
الشاعر الكبير أحمد سويلم