ثقافة

صاحب «سيد العتمة».. بين السرد والاختبار الإنساني فى روايات اللبناني ربيع جابر

  في كتابها «البيْنية في التخييل السردي»، تقدم الناقدة اللبنانية الدكتورة سمية عزام قراءة تأويلية في المشروع الروائي لربيع جابر أول روائي لبناني يفوز بجائزة بوكر للغة العربية… في دراستها انحازت الناقدة  انحيازا فكريا وجماليا لإنتاج  روائي  اختار أن يكون مختلفا، منذ أصدر روايته الأولى «سيد العتمة» عام 1992.

ربيع جابر

  حمل الكتاب عنوانا فرعيا هو «قراءة تأويلية في مشروع ربيع جابر السّردي»، وصدر في 216 صفحة كبيرة القطع، في سلسلة «دراسات أدبية» عن الهيئة المصرية العامة للكتاب بالقاهرة، برئاسة الناقد المصري الكبير الدكتور محمد عبد المطلب.

كان لربيع جابر، الذي يحظى بمكانة كبيرة في المشهد الأدبي اللبناني والعربي، زواياه المتفردة في أغلب أعماله التي بلغت العشرين، وخصوصيته المتماهية مع خصوصية الإبداع اللبناني، وتعاطيه مع

الحرب الأهلية والعنف الطائفي وأسبابه وآثاره النفسية والاجتماعية. فعلى سبيل المثال لاحظ الناقد الفلسطيني فيصل دراج أن ربيع جابر «يلغي الحدود بين الوثيقة التاريخية والإبداع الروائي في تحاورهما، وأن وعيه الروائي يُقرأ في ضوء الحرب الأهلية التي دفعت به إلى مساءلة معنى الوجود في التاريخ اللبناني وخارجه». أما الدكتورة يمنى العيد فترى أن الكتابة الروائية لدى جابر «فعل وجود يواجه الزوال، وأن مفهوم الزمن هو حركة وتحول، فتخلص إلى أنه وعى الوجود من منظور الحلولية والتقمص».

الناقد الفلسطيني فيصل دراج

   وإنطلاقا من التحاور مع رؤى نقدية سابقة لأعمال ربيع جابر، تراها سمية عزام نوعا من الابتسار، فإنها تؤسس تأويلها لأعمال الكاتب بتحري فعل الكتابة، كفضاء نفسي، وغاية أكبر من الفضفضة وسرد الحكايات، و تتقصّى التاريخ داخل المتن الروائي في ارتباطه بالإنسان، ومساءلة هذا التاريخ الذي يسمو على كونه مجرد ماضٍ ذهب ولم يترك أثرا؛ إذ يصبو إلى حاضر يكابد فيه الإنسان «ضد الفقد والنسيان، في سرد حكاياه، من أجل إنصاف الذاكرة، ولإيجاد معنى للحياة؛ يبرز انشغال القراءة في استجلاء دور الروائي بين توثيق الواقع ورغبته في التخييل والسرد؛ ليجلل أسئلة المعنى، والقراءة، والكتابة، جميعها معنى التساؤل وقلق الإجابة».

  أمر آخر تبرزه  المؤلفة لاختيارها أعمال ربيع جابر هو  أن له مشروعا، وهمّا شخصيا يستنفد العمر، ويتوسل في معالجته بأدوات الرواية وجمالياتها، عبر بشر خبروا حروبا لبنانية طالت أكثر مما ينبغي، واستهلكت أجيالا وأحلاما، وبدا أبطال رواياته مهمومين بتذكّر عذابات تلك التجارب، «وإظهار عبثية الموت وابتذال العيش؛ فتشترع نصوصه إذ ذاك، عالما «ممكنا» ذا قابلية على حمل المعاني الوجودية والاجتماعية العميقة تتيح النفاذ إلى عمق النص وتأويله لفهم حقائقه «الإمكانية».

مصطلح الـ «مابين»

  تطرح الدكتورة سمية عزام مصطلح «الـ مابيْن»، اقتراحا تلحّ عليه، وتنحاز إليه، وتجادل بأنه يسهم في مدّ الجسور بين الرؤى الفلسفية والتأويل النقدي، وهو ما تشرحه في الفصل التمهيدي الخاص بتحديد المفاهيم النقدية. ويتيح فن التأويل توضيح مسارات النصوص، والطبقات الكامنة للسرد، ودلالة شفراته، بعيدا عن الآراء الشخصية للمؤلف وسيرته الذاتية.

  وتقول إن مصطلح «ال مابيْن» مقام التوسط للذات المتسائلة عن كينونتها، إذ يقدم مارتن هيدجر في تأويله معنى للموضع البَيْني؛ «فينكشف في الرواية وصفا لحالة الإنسان المتأرجح في تضاعيف توتراته، بين الواقع والمرتجى، طلبا لأصالة في الاختبار والفهم والإنجاز الذاتي. كما أن فكرة ممارسة التفكير في «الـ مابيْن» تنهض على اشتغال المؤول في فضاء ليس فضاء الذات ولا فضاء الموضوع و عليه يغدو المصطلح ذو الأصل الفلسفي التأملي، من أدوات التأويل السردي، ولا يعصى على تظهيره في التقنيات السيميائية السردية لتحليل النص الروائي… في استلهام مصطلح «ال مابيْن» من التأويلية الفلسفية الوجودية، وتظهيره في تقنيات التحليل السردي، هو خير دليل على ديناميته في توليد الدلالات، وعلى انفتاح المسارات بين العلوم الإنسانية».

مارتن هيدجر

 تخلص المؤلفة إلى أن مفهوم «الـ مابيْن» كأداة للتحليل، وتطبيقا على أعمال ربيع جابر، يهدم المسافة بين التخييل والواقع، ببن التجربة السردية والاختبار الإنساني؛ بوصف التأويل «فن الفهم»، يكشف قدرة الخطاب السردي لدى الكاتب على تحقيق الإمتاع «من طريق الفهم، وإمكان التأثير».

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock