رؤى

الصين.. من دولة نامية إلى جسر اقتصادي عملاق بين دول العالم

*شو شيوجونغ- باحث اقتصادي صيني

*ترجمة وعرض أحمد بركات

منذ أن دشنت سياسات الإصلاح والانفتاح قبل 40 عاما، سجلت الصين معدلات نمو سنوية بلغت 9.5 في المائة، فيما يُعد معجزة اقتصادية غير مسبوقة في تاريخ البشرية. ففي عام 2010، تخطى الاقتصاد الصيني نظيره الياباني كثاني أكبر اقتصاد في العالم بقيمة 6.07 تريليون دولار أمريكي، بحسب أسعار سوق صرف العملات آنذاك. وفي عام 2017، بلغ الاقتصاد الصيني حوالي 60 في المائة من الاقتصاد الأمريكي. وبرغم تباطؤ معدلات النمو في الآونة الأخيرة، إلا أن الصين لا تزال تحتفظ بمعدلات نمو متوسطة إلى مرتفعة تفوق المتوسط العالمي.

الرئيس الصيني «شي جين بينغ»

 هل هي دولة نامية؟

بالنظر إلى هذه الإنجازات الهائلة، بدأت بعض الدول في التشكيك في وضع الصين كدولة نامية. وفي هذا السياق، يلفت «شو شيوجونغ»، كبير الباحثين في المعهد الوطني للاستراتيجية العالمية، ومعهد الاقتصاد العالمي والسياسة، التابعين للأكاديمية الصينية للعلوم الاجتماعية، في مقال حمل عنوان«تجسير الفجوة بين الدول المتقدمة والدول النامية»،  إلى أن الصين – من وجهة نظر الحوكمة الاقتصادية العالمية – لا تزال تقبع في وضع إقتصادي غير مميز. ويُرجع شيوجونغ السبب في ذلك إلى أن مؤسسات وقواعد الحوكمة الاقتصادية العالمية قد أنشئت بالأساس من قبل دول متقدمة تلعب أدوارا رئيسة ومهيمنة في الاقتصاد العالمي، لذا فإن عملية صياغة القواعد تأخذ في اعتبارها بشكل كامل مراحل تطور هذه البلدان، وفي حالات كثيرة، لا تملك الصين خيارا سوى القبول بهذه القواعد.

ويضيف شيوجونغ أنه حتى عند محاولة وضع قواعد جديدة للحوكمة الاقتصادية العالمية، فإن الدول المتقدمة عادة ما «تحتفظ لنفسها باليد الطولى». لذا، فإن الصين لا تزال تواجه قيودا عديدة تحول بينها وبين الوصول إلى الأسواق، والحصول على حقوقها في الحماية البيئية والملكية الفكرية، وهو ما يجعل اتباع الصين لنفس القواعد واضطلاعها بذات المسئوليات والالتزامات، شأنها شأن الدول المتقدمة، ضربا من المستحيل.

ويخلص شيوجونغ إلى أن العوامل السابقة هي المسئولة بالأساس عن استمرار وجود الصين في مصفوفة الدول النامية. لذا، فإنه يتعين على الصين الدمج بين حماية مصالحها الخاصة وحماية المصالح المشتركة لبلدان العالم النامي ككل. كما يجب عليها في الوقت نفسه ألا تهمل الطموحات المنوطة بها من قبل المجتمع الدولي، لا سيما البلدان النامية.

وفي المقابل، تعتبر الصين دولة كبرى تضطلع بمسئوليات جسيمة ووزن هائل في المنظومة الاقتصادية العالمية. وبالنظر إلى أنها ثاني أكبر اقتصاد في العالم بعد الولايات المتحدة الأمريكية، يجب عليها أن تتحمل تدريجيا قدرا معقولا من المسئوليات الدولية، وتضطلع بدور أكثر إيجابية في الحوكمة العالمية.

في هذا الإطار يؤكد شيوجونغ أن الدور الفريد الذي تضطلع به الصين في منظومة الحوكمة الاقتصادية العالمية يجعل منها جسرا يربط بين الاقتصادات المتطورة ونظيرتها النامية، والدول الكبرى ونظيرتها الصغرى. لذا، فإن الآراء والمقترحات التي تطرحها بكين تستوعب على نحو أفضل مصالح ومخاوف المزيد من الأطراف، وتوازن بين أنماط مختلفة من الاقتصادات للوصول إلى توافق عام.

ومع ذلك، كما يؤكد شيوجونغ، يتعين على الصين، باعتبارها الدولة الرائدة في منظومة الدول النامية، أن تدعم إجراء تغييرات في منظومة النظام الاقتصادي العالمي، لتعكس على نحو أفضل التغييرات التي طرأت على النظام السياسي والاقتصادي العالمي، وتعزز تمثيل الدول الناشئة والنامية، وتحمي مصالح الدول  الأقل تقدما.

الصين والاقتصاد العالمي

ويشير «شيوجونغ» إلى أن الصين تمكنت من اكتساب خبرات متراكمة وعميقة على مدى أربعين عاما من النمو السريع. فمنذ الأزمة الاقتصادية التي اجتاحت العالم في عام 2008 وتركت آثارا غائرة في الاقتصاد العالمي، كانت الصين المساهم الأكبر في النمو العالمي لتجاوز هذه الأزمة، بما يزيد على30%، وهو ما حاز تقدير واحترام المجتمع الدولي بوجه عام.

Related image

وقد أعرب جيم يونغ كيم، رئيس البنك الدولي السابق، في قمة مجموعة العشرين التي عقدت في مدينة هانغتشو  الصينية، عن رغبة العديد من الدول في التعلم والاستفادة من التجربة الصينية من أجل تحقيق إنجازات ضخمة في وقت قصير، كما أكد أن التجربة الصينية يتم مناقشتها ودراستها على نطاق واسع، وأنها تؤثر على السياسات والإصلاحات في العديد من البلدان.

وتوضح الرحلة الطويلة التي قطعتها الصين في زمن قياسي أن الإصلاحات  السليمة تؤدي دائما إلى نتائج سريعة في تقليل نسب الفقر، وتوفير فرص العمل، وزيادة الدخول. لذا فإن الخبرة الاقتصادية الصينية تعد بلا شك تجربة ملهمة ورائدة للدول النامية.

وتقوم الصين حاليا بإجراء تغييرات  عديدة على نمط التنمية الاقتصادية، حيث تقوم بتحويل الاقتصاد القائم على التصنيع والصادرات والاستثمارات إلى اقتصاد مدفوع بالابتكار والصناعات الخدمية والتصنيع عالي التقنية.

ويلفت شيوجونغ إلى أن هذه الجهود يمكن أن تشكل مرجعية موثوقة للدول التي تكافح من أجل رفع مستوى الاقتصاد وتعاني من تباطؤ محركات النمو الداخلي، مؤكدا أن أخذ حوكمة التنمية كمحور لدعم صوت الصين في المؤسسات الدولية لا يُظهر فقط مكانتها كدولة نامية، وإنما يبين نقاط قوتها كدولة نامية كبرى.

إحياء طريق الحرير

وتمثل «مبادرة الحزام والطريق» (Belt and Road Initiative) الحل الذي تقترحه الصين للتحديات الجارية التي يواجهها العالم. تهدف هذه المبادرة إلى جعل العولمة الاقتصادية أكثر شمولا وفائدة للجميع، وتعزيز التعاون الإيجابي القائم على تحقيق الكسب لجميع الأطراف والرفاهية العامة لجميع الدول المشاركة. وقد حازت هذه المبادرة قبولا عالميا، وهو ما جعلها تتجاوز آفاق التعاون الإقليمي لتحلق في آفاق أرحب جعلتها نهجا مهما لتعزيز محركات النمو الجديدة، ودعم التغييرات في الحوكمة العالمية وبناء مجتمع يشارك في صياغة مستقبل الجنس البشري.

Image result for ‫مبادرة الحزام والطريق‬‎

وتدعم هذه المبادرة التنمية والإبداع في فلسفات الحوكمة العالمية. ففي الاجتماع الوزاري السادس لمنتدى التعاون الصيني العربي، اقترح الرئيس الصيني شي جينبينغ «روح طريق الحرير» (Silk Road Spirit)، التي تقوم على السلام والتعاون والانفتاح والتسامح والتعلم المتبادل والمنفعة المشتركة ومبادئ التشاور على نطاق واسع والمساهمة الفعالة والمزايا المشتركة، باعتبارها ما يجب أن تدعمه المبادرة. وتمثل «روح طريق الحرير» ضربة قاصمة لسياسات الحماية الاقتصادية والأحادية التي تمثلها بعض الدول، وتقدم نموذجا للدول للمشاركة في الحوكمة العالمية بفلسفة جديدة.

كما تحقق «مبادرة الحزام والطريق» إنجازات جديدة في مجالات رئيسة داخل نطاق الحوكمة العالمية. ففي مجال التنسيق على مستوى السياسات الاقتصادية، تقوم بعض الدول حاليا بتوحيد إستراتيجيات التنمية، أو بتحقيق التناغم بينها على أقل تقدير. وفي نهاية عام 2018، وقعت الصين اتفاقات تعاون في إطار «مبادرة الحزام والطريق» مع 122 دولة و29 منظمة دولية.

وقد حققت هذه المبادرة نتائج ملموسة. ففي عام 2018، بلغ إجمالي حجم التبادل التجاري في السلع بين الصين ودول «مبادرة الطريق والحزام» 1.3 تريليون دولار أمريكي، بزيادة 16.3% كل عام، و3.7 نقطة مئوية أعلى من نمو التجارة الخارجية للصين في الفترة نفسها.

يمكن مطالعة النص الأصلي باللغة الإنجليزية من هنا ?

 

أحمد بركات

باحث و مترجم مصرى

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock