تقديم
على الرغم من المشكلات التي يعانيها الأزهر والانتقادات التي كثيرا ما تطاله هذه الأيام، إلا أنه يبقى – بعمقه التاريخي وتجربته الثرية الممتدة – أحد المكونات الأساسية لرأس المال الثقافي وللقوة الناعمة المصرية في المنطقة العربية والإسلامية بل وفي العالم أجمع باعتباره المؤسسة الدينية الأهم والأكبر في العالم الإسلامي ( السني)، وهو ما تجسد مؤخرا مع صدور «وثيقة الأزهر والفاتيكان للسلام العالمي».
يحاول هذا الملف الاقتراب من موضوع «إصلاح الأزهر» باعتباره إحدى المقدمات الضرورية لأى محاولة محتملة لاستئناف مسيرة النهضة في مصر وربما العالم العربي. ويضم الملف الذي نقدمه على جزئين، سلسلة مقالات سبق أن نُشرت على «أصوات أونلاين» تستعرض تاريخ ومسيرة الأزهر؛ الجامع والجامعة والمعاهد، وتعرض و تحلل أهم المعوقات التي حالت دون نجاح محاولات إصلاحه، وأولها هو ذلك الدور الذي لعبته – ولاتزال – بعض مراكز النفوذ الديني والمالي في منطقة الخليج من أجل فرض قراءة سلفية وهابية على علمائه وطلابه من قبلهم، وهو العامل الذي لعب دورا مؤثراً في مسيرة الأزهر خلال العقود الأخيرة.
وثاني هذه المعوقات اعتياد الدولة المصرية – في كل العهود – الهيمنة عليه، وهو توجه تاريخي أياً ما كانت مكاسبه فمن شأنه أن يُفقد الأزهر وعلماءه استقلالهم وقدرتهم على المبادرة في مواجهة جماعات التشدد والعنف، ناهيك عن إفقادهم بعضا من مصداقيتهم في عيون جمهورهم خاصة من الشباب.
وأخيرا تأتي الحساسية المبالغ فيها من قبل بعض علماء الأزهر تجاه أى محاولة لممارسة النقد الإيجابي – لا النقض السلبي – للمؤسسة وخطابها الديني، سواء صدرت عن مفكرين ومثقفين من خارجه أو حتى عن بعض علمائه أو دارسي العلوم الدينية في أروقته.
«أصوات أونلاين»
ففي مقالته «إصلاح الأزهر…خلفية الصراع المتجدد في مصر» يُعيد فؤاد السعيد تقييم محاولة الإصلاح الشهيرة في الحقبة الناصرية وفق القانون(103) لعام 1961 المعروف بقانون تنظيم الأزهر، والتي حاولت تقريب المسافة وتقليص القطيعة ما بين تيارين متباينين في الثقافة المصرية، والتي يشار إليها بثنائية (المعممون)، و(المطربشون). كما يتطرق إلى مسيرة محاولات الإصلاح المتعاقبة للأزهر ومناهجه، والمحطات التاريخية التي مرت بها البلاد وموقع الأزهر فيها لاسيما بعد ثورتي 25 يناير 2011، 30 يونيو 2013,
في السياق ذاته يسعى هيثم أبوزيد إلى رصد عدد من معوقات محاولات الإنطلاق بتحرى أثر القانون (103) على العملية التعليمية داخل الأزهر ذاته، ومن خلال محاولات تجريد منصب شيخ الأزهر من صلاحياته، وهو الأمر الذي تفاقم في الحقبة الساداتية، بعد التوسعات الكبيرة في إنشاء المعاهد الأزهرية في عهد الشيخ عبدالحليم محمود، والتي كانت –من ناحية أخرى- بمثابة بوابة خلفية لتسلل تيارات الغلو والتطرف.«الأزهر تراكمات تعيق الانطلاق (1) الأزهر تراكمات تعيق الانطلاق (2)»
بينما يتناول أحمد رمضان الديباوي في مقاله «الأزهــر.. إصلاح يتبدّد وتطوير يتراخى» أسباب تعثر الجهود لإصلاح مؤسسة الأزهر منذ بداياتها الأولى على يد الإمام المصلح محمد عبده، ويسلط الضوء على المقاومة التي يبديها بعض أبناء الأزهر لتجديد الخطاب الديني.
ولأن التعليم الديني في مصر وإصلاحه هو أحد مفاتيح تجديد الخطاب الديني وإصلاح مؤسسة الأزهر فقد جاء مقال عبد الكريم الحجراوي «إصلاح التعليم الديني في مصر.. عقبات ومسارات» ليقدم عرضا وافيا لمضمون كتاب صدر حديثا للدكتور عمار علي حسن بعنوان «جامعات وجوامع.. جدل التعليم المدني والديني»، وهو الكتاب الذي يتعرض لعقبات ومشاكل التعليم الديني في مصر ومسارات إصلاحه وتخليصه من الأفكار التي قد تؤدي إلى التعصب والتطرف.
ويناقش مقال حسام الحداد «السلفيون والأزهر من التكفير والإقصاء إلى التنسيق والتوافق» صراع الشرعية الدائر بين الأزهر من ناحية وبين بعض الجماعات السلفية في مصر في السنوات الأخيرة، وهو أحد الصراعات التي ستحدد شكل وطبيعة الحالة الدينية خلال السنوات الأخيرة في مصر.
وفي طرافة ورصانة يعرض صلاح الدين حسن في مقاله «أول يوم أزهر.. صلاح الدين حسن» تجربة الدفع به من قبل والده للالتحاق بالمعهد الأزهري في قريته، وهي التجربة التي تعكس جانبا واقعيا من تجربة المعاهد الدينية في القرى والنجوع والأقاليم حيث تسود لغة الفلكة والعصا.
ونختتم هذه الجزء من الملف بمقال بلال مؤمن «وثيقة الأزهر والفاتيكان للأخوة الإنسانية: الأديان براء من الإرهاب والكراهية» والذي يقدم من خلاله قراءة موضوعية للعلاقة ما بين الأزهر والفاتيكان على مدار السنوات التالية التي بدأت بالقطيعة وانتهت بوثيقة الأزهر والفاتيكان للأخوة الإنسانية، والتي برأت ساحة الأديان السماوية من الصراعات التي خلفتها الأطماع الاستعمارية.