فى كتابه «القاهرة.. جوامع وحكايات» الصادر عن الهيئة العامة للكتاب فيما يزيد عن ثلاثمائة صفحة من القطع المتوسط، يسرد الكاتب حمدي أبو جليل – عبر خمسة فصول – تاريخ جوامع القاهرة وحكاياتها، وقد قسّم مساجد القاهرة إلى شرائح منها جوامع الولاة، والفاطميين، والمماليك، الأولياء، العلويين. وقبل الدخول في تفاصيل بناء جوامع القاهرة والأسباب التاريخية لإنشائها، يسرد الكاتب تاريخ قاهرة الفاطميين والمماليك والعلويين (أسرة محمد علي)، بشكل موجز وبسيط، وهنا نقدم قراءة موجزة لما جاء في هذا الكتاب من حكايات حول القاهرة وجوامعها. وأبرز هذه الجوامع – كما أشار إليها أبو جليل- جامع عمرو بن العاص، وأحمد بن طولون، وعقبة بن عامر، وسارية الجبل.
جامع عمرو بن العاص
سُمي في بادئ الأمر بجامع الفتح ثم الجامع العتيق وتاج الجوامع، إلى أن استقر الأسم على «جامع عمرو بن العاص» وهو رابع مسجد جامع بعد المسجد الحرام ومسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسجد الأقصى. وقد بُني بالطوب اللبن وقيل البوص، وكانت مساحته عند تأسيسه حوالى 50 ذراعا طولا في ثلاثين عرضا، وكان بسيطا بل ومتقشفا لا يوجد به صحن أو محراب أو منارة أو حتى فرش وكانت جدرانه عارية من البياض والزخرف.
يقول الكندي عن يزيد بن أبى حبيب: سمعت أشياخنا ممن حضروا مسجد الفتح يقولون: وقف على إقامة قبلته ثمانون رجلا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيهم الزبير بن العوام والمقداد وعبادة بن الصامت وأبو الدرداء وفضالة بن عبيد وعقبة بن عامر رضي الله عنهم أجمعين
وقيل إن عمرو بن العاص بعث ربيعة بن شرحبيل بن حسنة، وعمرو بن علقمة القرشي يقيمان القبلة وقال لهما: إذا انتصفت الشمس فاجعلاها على حاجبيكما، ففعلا بينما كان عمرو بن العاص يمد الحبال حتى استقامت قبلة الجامع.
ظل جامع عمرو بن العاص على مساحته الأولى وعمارته الأولى طوال فترة الخلفاء الراشدين، ولم يشهد أية إصلاحات أو إضافات سوى في عهد الخليفة معاوية بن أبي سفيان الذي أمر والي مصر مسلمة بن مخلد الأنصاري بزيادة مساحة الجامع وإصلاح مبانيه، فضم مسلمة مساحة كبيرة وبنى له أربع صوامع في أركانه الأربعة وفرشه بالحصر بعد أن كان مفروشا بالحصى والرمال.
أما الزيادة الثانية فكانت في عهد عبد العزيز بن مروان الذي هدمه ووسع مساحته سنة 79 هجرية، وفي 92 هجرية قام قرة بن شريك العبسي بهدم الجامع مرة أخرى بناءً على أوامر الخليفة الأموي الوليد بن عبد الملك ونزع المنبر الذي أقامه فيه عمرو بن العاص، حيث كان المنبر الوحيد في مساجد مصر، إذ لم يكن يُخطب فيها على منابر وكان يكتفي بالخطابة على العصا، وظل الأمر كذلك إلى أن تولى عبد الملك بن موسى بن نصير اللخمي إمارة مصر من قبل مروان بن محمد آخر خلفاء الدولة الأموية فأمر باتخاذ المنابر في المساجد كافة سنة 132هجرية.
في خلافة سليمان بن عبد الملك سنة 98 هجرية، بنى أسامة بن يزيد التنوخي بيت المال الذي مازال يتوسط صحن الجامع، وفي سنة 212هجرية زاد عبد الله بن طاهر أمير مصر من قبل الخليفة العباسي المأمون مساحة الجامع حتى بلغت 12.5متر في 120.5متر وهي مساحته إلى الآن.
وقد تعرض جامع عمرو بن العاص للتخريب مرتين، الأولى كانت في عهد الفاطميين عندما أحرقوا مدينة الفسطاط، والثانية كانت في عهد الحملة الفرنسية على مصر.
جوامع الفاطميين
وهي التي أُنشئت في عهد الدولة الفاطمية ومنها جامع الفتح، جامع الأقمر، جامع الأنور، جامع الصالح طلائع الذى شُيد عام 555 هجرية بمنطقة الدرب الأحمر، وأمر بإنشائه الوزير الصالح طلائع بن رزيك، والذى كان وزيرًا للخليفة الفاطمي الفائز، ثم للخليفة العاضد من بعده.
جاء إنشاء جامع الصالع طلائع بن زريك الأرمني الأصل الملقب بفارس المسلمين بغرض الحفاظ على شرعية ومهابة الفاطميين وحتى أصول الفواطم في فترة من أحلك فترات تاريخهم، فعندما داهم الصليبيون فلسطين وأصبحوا قاب قوسين أو أدنى من تدمير قبر الحسين بن على رضي الله عنهما في مدينة عسقلان. سارع الصالح طلائع ببناء هذا الجامع لينقل له رفات رأس الحسين وينقذها من النبش والهوان على أيدي الفرنجة. «لكن بمجرد وصول رفات الرأس الشريف إلى القاهرة استكثر الخليفة الفاطمي على جامع الصالح طلائع هذا الشرف، واختص لنفسه بهذا الشرف وأمر بدفن رأس الحسين في تربة الزعفران وأمام عين الصالح طلائع».
وتبلغ مساحة جامع الصالح طلائع 1522 مترا مربعا. وهو من الجوامع المعلقة، فكانت أرضيته عند بنائه ترتفع عن مستوى الشارع بنحو أربعة أمتار، وله أربع وجهات مبنية بالحجر أسفل ثلاث منها حوانيت. والوجهة الغربية أهم وجهات الجامع وبها الباب العمومي أمامه رواق محمول على أربعة أعمدة من الرخام تحمل عقوداً مزخرفة عليها كتابات قرآنية بالخط الكوفي المزهر. وكان مركباً على المدخل العمومي للجامع باب كبير من الخشب بمصراعين سطحهما مغشي بطبقة من النحاس بزخارف هندسية. وظهر الباب تغطيه زخارف نباتية محفورة فاطمية الطراز. وتغشية وجه الباب بالنحاس ترجع إلى أعمال التجديد التي أجريت على الجامع في العصر المملوكي.
والمنبر الكائن على يمين المحراب من أعمال بكتمر الجركندار في أواخر القرن الثالث عشر الميلادي. وكانت المئذنة تعلو الباب الغربي الرئيسي.. وقد هُدمت، وكان من ضمن أعماله المحراب والمنبر. وفي سنة 702 هـ (1302م) أصاب مصر زلزال تسبب في تصدع الجامع، فقام بإصلاحه الأمير بكتمر الجوكندار الذي كان يحمل الصولجان مع السلطان في لعب الكرة. كما جدده في سنة 844هـ عبد الوهاب العيني أحد تجار القاهرة. كما جدده الأمير يشبك بن مهدي «داوادار» الملك الأشرف قايتباي سنة 882هـ (1477م).
جوامع المماليك
وهي جامع زين العابدين بن يحيى، جامع الكيخيا، جامع جواهر اللالا، جامع أبو الدهب، جامع قطز، جامع الناصر قلاوون، جامع الظاهر بيبرس، وجامع الغوري، وجامع السلطان حسن، وجامع المؤيد شيخ.
ومن أهم مساجد المماليك جامع السلطان حسن الذى أنشأه الناصر حسن بن السلطان الملك الناصر محمد بن السلطان الملك المنصور قلاوون «السلطان حسن» أحد أبرز من حكموا مصر. ولد في سنة 1334 م، وسمي «قماري»، هو الولد السابع من أولاد الناصر محمد بن قلاوون، ويعتبر ملك مصر التاسع عشر من المماليك، تولَّى السلطنة مرتين، أولهما في 14 من رمضان سنة 748هجرية، وكان عمره آنذاك 13 سنة، ثم تولى ثانية سنة 755هجرية، وفي عام 762 انقلب عليه المماليك، وكان آخرعهده بالحكم ولم يعرف أين دفن.
جامع السلطان حسن يعتبر درة جوامع المماليك والقاهرة وربما العالم أجمع… صممه المهندس محمد بيليك المحسني ليصبح درة جوامع القاهرة، وقد ُصمم على طريقة التعامد، ويشتمل على أربعة إيوانات متعامدة معقودة يتوسطها صحن مكشوف، مفروش بالرخام الملون تبلغ مساحته 7906 أمتار. «كان السلطان حسن قد عزم عند بداية بناء الجامع على أن يبني به أربع منائر يؤذن عليها، تم بناء ثلاث منها، وعندما سقطت إحداها وهلك تحتها نحو ثلاثمائة شخص توقف السلطان عن بناء المنارة الرابعة ولم يُعد التي سقطت فظل في الجامع منارتان هما القائمتان حتى اليوم».
وقد بُني المسجد على قطعة أرض كانت تعرف باسم «سوق الخيل» في ميدان الرميلة، تلك المنطقة التي تقع حالياً فى ميدان صلاح الدين والسيدة عائشة، وكان السلطان قد بنى عليها قصراً ضخماً ليسكنه أحد أمرائه المقربين، وهو يلبغا اليحياوى، وعندما شرع السلطان حسن فى بناء جامعه سنة 1356ميلادية، هدم القصر وما حوله، وتكلف إنشاؤه أموالاً طائلة (قيل إنها 750 ألف دينار من الذهب، حتى أن السلطان كان يبدو عاجزاً عن إتمام بنائه.
وقد رحل السلطان حسن قبل أن يتم بناء رخام الجامع فأتمه تلميذه الأمير بشير الجمدار لينتهي بعد أربع سنوات.وقد ترك السلطان حسن أوقافا عظيمة لرعاية الجامع وصلت إلى ما يزيد عن 10 آلاف فدان.