ألكساندر ميليجرو هيتشنز- جامعة جورج واشنطن
ترجمة وعرض: تامر الهلالي
تقرير مهم نشرته مجلة الإيكونوميست البريطانية عن السلفية فى أوربا وأمريكا يخلص إلى أن هناك موقفا يتسم بالركود والجمود الفادح فى كل من ألمانيا وفرنسا تجاه مصطلح أو مفهوم السلفية الذى يتم استخدامه غالبا بشكل فضفاض فى أوربا. فعلى سبيل المثال عندما تتم مناقشة العلاقة بين الإسلام والعنف الجهادى يتم الافتراض غالبا أن المشكلة تبدأ وتنتهى عند السلفيين، غير أن الأمر يختلف كثيرا فى بريطانيا، حيث يتم تشجيع السلفيين هناك فى بعض الأحيان على لعب دور فى مكافحة الإرهاب، ولذلك فإن الموقف الألمانى الفرنسى من السلفية يبدو محيرا لكثيرين من المهتمين والمراقبين للإسلام فى بريطانيا.
السلفية.. أنواع
في الواقع، وكما يدرك أي شخص لديه فكرة عن ظاهرة السلفية، فإن الأمور ليست بتلك البساطة. يميز العلماء عمومًا بين ثلاثة أنواع للسلفية. أولاً، هناك نوع من السلفية الهادئة Quietist salafism التي تفضل النزعة المحافظة الشديدة في اللباس والحياة الشخصية وتتجنب معظم أشكال الاندماج مع العالم الحديث. وثانيا هناك نوع من السلفية النشطة التى ينضوى تحتها سلفيون ناشطون يمتلكون رؤية وصبراً مشابهيْن لصفات جماعة الإخوان المسلمين، ويعتنقون نفس أهدافهم المتمثلة في استبدال الحكومات العلمانية نسبيًا في قلب الإسلام بأنظمة مستوحاة من الدين. غير أنهم ليسوا نشطاء أو براجماتيون في نزعتهم، مثل الإخوان، لكنهم يتأثرون بفكرهم وثالثا، هناك سلفيون جهاديون يعتقدون أن الرد المناسب الوحيد على تدهور العصر الحديث، وانعدام الحماس في العالم الإسلامي تاريخياً، هو العنف. وتشترك جميع الأنواع الثلاثة في شكوك حول وجود مؤسسات ديمقراطية تمنح البشر السلطة، كما يرون أن الأشياء، يجب أن تكون ملكًا لله.
السلفية الأمريكية
فى أمريكا وفي تقرير جديد، نُشر في إطار برنامج مكافحة التطرف في جامعة جورج واشنطن الأمريكية، يُظهر الباحث في شئون الإرهاب والجماعات المتطرفة، ألكساندر ميليجرو هيتشنز، أن جميع أشكال السلفية الثلاثة ازدهرت، على الرغم من أنها شهدت انحسارا كبيرا لتدفقات ثرواتها، على الأراضي الأمريكية في العقود الأخيرة. و يخلص التقرير إلى أنه ينبغي الحفاظ على التمييز بين الأشكال الثلاثة للسلفية، لكنه يشدد أيضًا على أنها ليست فئات محسومة في تعريفها بإحكام ، وأن ثمة حركة دائبة لأفراد وقيادات مهمة يتنقلون بين تلك الأنماط بشكل مستمر.
ألكساندر ميلجرو هيتشنز
ومن المربك أن المؤلفات السلفية (التى تحمل شكوكاً عميقة في العالم العلماني الحديث) قد تم نشرها من قبل بعض الذين لا يقبلون بأنفسهم مصطلح السلفية وأفكارها. أحد هؤلاء الأشخاص هو محمد سيد عدلي، إمام مؤثر مقره في ساوث كارولينا فرغم أنه لا ينتمى نظريا للسلفيين فإنه يحث المسلمين على التركيز على التعليم الإسلامي وتجنب التعليم العلماني والسياسة العالمية. وقد شجع المسلمين الأمريكيين على التفكير في بدائل للمدارس العامة النظامية حيث يمكن لأطفالهم التقاط الأفكار الليبرالية حول الجنس.
وكمثال على السلفية الهادئة، يستشهد السيد ميلجرو بجمعية القرآن والسنة (QSS) التي ازدهرت في جميع أنحاء الولايات المتحدة قبل دمجها الرسمي في ولاية أوهايو في عام 1995 مباشرة وبعده. فعبر شرائط كاسيت لدعاة وعلماء دين، ناشدت االجمعية لطلاب العرب في أمريكا والأميركيين من أصول أفريقية الذين اعتنقوا الإسلام بالتحلي «بروح من القوة السوداء وأن يكونوا قريبين من أساسيات الدين».
وحسبما يشير الكاتب، فإن رفض السلفية المطلق للمؤسسات العلمانية يجتذب بعض الأمريكيين الأفارقة الذين يشعرون بأن النظام الأمريكي ليس لديه ما يقدمه لهم. وعلى الرغم من أن جمعية القرآن والسنة في الولايات المتحدة قد وصلت في النهاية إلى التدهور النهائي، لكن من الواضح أن تركتها الفكرية قد اخترقت أعدادا مجموعة من المسلمين الأمريكيين.
أمريكا والسلفية الجهادية
ولإظهار كيف يمكن أن تتولد السلفية الجهادية على الأراضي الأمريكية، يبحث التقرير في مسيرة بعض الأفراد سيئ السمعة مثل علي التميمي، الذي ولد في واشنطن العاصمة، وقضى جزءاً من شبابه في المملكة العربية السعودية ثم عاد إلى الولايات المتحدة حيث حصل على الدكتوراه في علم الأحياء الحسابي.
في عام 2005، سُجن التميمي بعشرة تهم من بينها تجنيد أشخاص لشن حرب ضد أمريكا ومساعدة طالبان. قضية التميمي، وفقًا للتقرير، «هي دراسة حالة رائعة نظرًا لتقدمه المطرد عبر الوسط السلفى الأمريكي الأوسع نطاقًا: من طالب هاديء وتقليدي لدى شيوخ سعوديين، إلى مروج صريح للسلفية الجهادية».
لكن بطبيعة الحال، فإن السلفية الهادئة لا تقود دائمًا في اتجاه متطرف، كما يؤكد كاتب التقرير أيضًا. وكمثال على هذه النقطة، يستشهد بمدرسة «ما بعد السلفيين» الذين «ساهموا في تطوير النسخة الأمريكية من السلفية» التي تجمع بين الإرث السلفي المحافظ والمشاركة البناءة مع القضايا الوطنية والدولية. بعبارة أخرى، فإن السلفية الأمريكية (على الرغم من تأكيدها الواضح على البساطة) تعد من الأمور غير القابلة للاختزال. وبالنظر إلى عدد الأرواح التي يمكن أن تزهق، فمن المفيد التعامل مع هذا التعقيد بشكل أكثر وعياً وفهما.ً
المصدر: مجلة إيكونوميست