لم تأت النتائج التي انتهت إليها انتخابات البرلمان الأوربي الأخيرة، كما كان متوقعا، خصوصا فيما يتعلق بالأحزاب اليمينية المتطرفة التي كانت التوقعات تشير أنها ستستعرض نفوذها السياسي الجديد في تلك الانتخابات. فمنذ انتخابات البرلمان الأوروبي الأخيرة، التي أجريت في عام 2014، شهد الاتحاد الأوروبي تراجعا لافتا للأحزاب التقليدية الكبرى، وتشكيل حكومات شعبوية جديدة، ووصل الأمر إلى أن واحدة من الدول الأعضاء هى بريطانيا، بدأت تصوت لترك الكتلة الأوربية بالكامل.
فوز جزئي لليمين المتطرف
هذا التوقع لم يأخذ طريقه إلى الواقع في النهاية، فعلى الرغم من أن الانتخابات شهدت فوز بعض الأحزاب اليمينية المتطرفة (مثل حزب التجمع الوطني الفرنسي بزعامة مارين لوبان )، فقد أظهرت الانتخابات، التي شهدت نسبة مشاركة هي الأعلى منذ عشرين عاما، زيادة في الدعم الشعبي للأحزاب الأصغر المؤيدة لأوروبا (مثل حزب الخضر في ألمانيا) و(الديمقراطيون الليبراليون في بريطانيا).
النتائج مجتمعة، تشير إلى أن الاتحاد الأوروبي لم يشهد الزيادة المتوقعة في صعود اليمين المتطرف، كما أنها تشير إلى أن مستقبل الاتحاد الاوربي من المتوقع أن يتأثر بشكل متزايد بالقوى المتعارضة تماماً والانقسامات التي ستأتي مع هذا الوضع.
وقد اُعتُبر الليبراليون والخضر والأحزاب اليمينية المتطرفة، الفائزين الرئيسيين في انتخابات البرلمان الأوربي، حيث جاءت هذه الانتصارات على حساب أحزاب يسار الوسط واليسار التقليدية، والتي من المتوقع أن تفقد أغلبيتها مجتمعة في البرلمان الأوروبي. وهذا يعني أنه إذا كان تحالف حزب الشعب الأوروبي الذي ينتمي إلى يمين الوسط والتحالف التقدمي من يسار الوسط من الاشتراكيين والديمقراطيين يرغبون في مواصلة الحكم في الائتلاف، كما يفعلون الآن، فسيحتاجون إلى طلب دعم شركاء إضافيين. وقال غاي فيرهوفشتات، زعيم تحالف الليبراليين والديمقراطيين من أجل أوروبا ، إن هناك «توازن قوى جديد» في البرلمان الاوروبي.
غاي فيرهوفشتات
المشاركة الأعلى منذ عشرين عاما
عادة ما يتم التعامل مع الانتخابات الأوروبية من قبل الناخبين، على أنها منافسات من الدرجة الثانية، حيث يتحول عدد قليل منهم إلى صناديق الاقتراع. أولئك الذين يميلون إلى أن يكونوا مهتمين بالقضايا المحلية، وغالبا ما يختارون دعم الأحزاب الصغيرة على حساب الأحزاب القائمة. لكن هذا العام، كان مختلفا، فلم يقتصر الأمر على أن 51 في المائة من الناخبين المؤهلين في الكتلة البالغ عددهم 400 مليون ناخب أدلوا بأصواتهم (أعلى معدل في 20 عامًا، وفقًا للبرلمان الأوروبي)، لكنهم فعلوا ذلك في حملة لا تهيمن عليها فعليًا القضايا المحلية، بل الاتحاد الأوروبي ومستقبله.
ربما لم يكن هذا أكثر وضوحًا مما كان عليه الحال في ألمانيا، حيث ركزت جميع الأحزاب الرئيسية تقريبًا (باستثناء حزب ألمانيا البديلة اليميني المتطرف) حملاتها على رؤيتهم الخاصة لمستقبل الكتلة الاوروبية.
هذه الانتخابات تدور حول إرسال إشارة – هل ترغب في تطوير الاندماج في الاتحاد الأوروبي أكثر، أم أنك تريد العودة إلى القومية؟ «بحسب سفينا هان، عضو البرلمان الأوروبي عن الحزب الديمقراطي الحر في ألمانيا، الذي نجح في رفع عدد مقاعده بعدد مقعدين». تقول هان: «إنه في آخر يوم لها في الحملة الانتخابية، في معرض شوارع بمدينة هامبورغ شمال ألمانيا. رفعت هي وزملاؤها أعضاء الحزب الديمقراطي الحر أعلام الاتحاد الأوروبي ولافتات كبيرة تحث الناخبين الألمان على التصويت لأوروبا موحدة».
البريكست
حتى في بريطانيا، التي لم يكن من المتوقع أن تشارك في انتخابات الاتحاد الأوروبي هذه، سيطر موضوع أوروبا – وتحديداً Brexit – على الحملة. وعلى الرغم من أن حزب Brexit الوليد، الذي يدعو إلى مغادرة بريطانيا للاتحاد الأوروبي دون اتفاق، حقق أفضل أداء، حيث حصل على 31.7 بالمائة من الأصوات، إلا أن الأحزاب الموالية للاتحاد الأوروبي، مثل الديمقراطيين الليبراليين والخضر، حققت مكاسب كبيرة أيضا.
وتعكس نتيجة انتخابات البرلمان الأوربي الانقسامات العميقة التي كانت موجودة بالفعل داخل بريطانيا حول الخروج من الاتحاد الأوروبي: حيث حصلت الأحزاب الخمسة المؤيدة بشكل لا لبس فيه للبقاء فى الاتحاد الأوروبي (بما في ذلك حزب الديمقراطيين الأحرار، حزب الخضر، الحزب الوطني الاسكتلندي، وحزب تغيير المملكة المتحدة، على 40 بالمائة من الأصوات، مقارنة مع 35 في المائة مجتمعة حصل عليها حزب Brexit وحزب الاستقلال البريطاني المطالبان بخروج بريطانيا من الاتحاد الأوربي.
توازنات جديدة
و على الرغم من أن الأحزاب المناهضة للوحدة الأوروبية تتمتع دائمًا بحضور في البرلمان الأوروبي، إلا أنها ناضلت من أجل تحقيق مكاسب في هذه الانتخابات. ورغم أن الأحزاب اليمينية المتطرفة حققت انتصارات في دول مثل فرنسا وإيطاليا والمجر، إلا أنه من غير المرجح أن يغير هذا حقيقة أن توازنات جديدة تطل في الأفق.
ويستعد تحالف جديد للأحزاب القومية، بقيادة نائب رئيس الوزراء الإيطالي ماتيو سالفيني، للحصول على 70 من أصل 751 مقعدًا في البرلمان الأوروبي، مما يجعلها رابع أكبر كتلة برلمانية في البرلمان الأوروبي، خلف حزب الشعب الأوروبي الذي ينتمي إلى يمين الوسط، و يسار الوسط الممثل في حزب التحالف التقدمي للاشتراكيين والديمقراطيين، والتحالف الجديد لليبراليين والديمقراطيين من أجل أوروبا، بقيادة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ورئيس الوزراء الهولندي مارك روتي.
هذا يعني أنه على الرغم من أن الأحزاب اليمينية المتطرفة ستكون قادرة على ممارسة بعض النفوذ، فمن غير المرجح أن تظهر كقوة معوقة داخل الكتلة – وخاصة عندما يتعلق الأمر بقرارات مثل اختيار الرئيس المقبل للبرلمان الأوروبي.