في مقال تحليلي له بعنوان «خمسة سيناريوهات للصراع بين الولايات المتحدة وإيران» يقول بول سالم رئيس معهد دراسات الشرق الأوسط في واشنطن: إن كل الاحتمالات تبدو مفتوحة بالنسبة لتطورات الوضع المتوتر حاليا في منطقة الخليج بعد إتهام الولايات المتحدة لإيران بشكل مباشر بالمسؤولية عن تفجير ناقلتي نفط في بحر عمان قبل أيام واذاعة شريط فيديو تحاول من خلاله واشنطن إثبات هذه التهمة.
وسواء بلغ الأمر حد «الإنفجار الكبير» من خلال حرب مباشرة ستكون لها توابع في عدة دول في المنطقة،- وقد تتورط فيها إسرائيل عبر مواجهة ساخنة مع حزب الله في لبنان- أو احتمال (مستبعد) للتوصل لاتفاق بين واشنطن وطهران بناء على الدوافع الشخصية للرئيس الأمريكي دونالد ترامب، فإن بول سالم وهو الخبير في شؤون الشرق الأوسط يؤكد أن الوضع سيبقى متوترا طوال العام الحالي في منطقة الخليج، وغالبا حتى موعد الانتخابات الرئاسية الأمريكية في نوفمبر 2020.
ويستعرض بول سالم في مقاله، المنشور على موقع معهد دراسات الشرق الأوسط، خمسة سيناريوهات محتملة للأزمة الحالية بين طهران وواشنطن، ثلاثة منها سلبية وتتضمن استمرارا لحالة الصراع في الخليج، وسيناريوهان ايجابيان، أحدهما مستبعد، ويشملان احتمال التوصل لاتفاق ما بين ايران والولايات المتحدة.
يقول سالم إن الولايات المتحدة وإيران هما الآن في وضع صراع مكشوف. وبغض النظر عن تفاصيل الهجوم الأخير على ناقلتي النفط في الخليج مؤخرا، والطرف المسؤول عن ذلك، فإن الصراع يتمحور حول حملة «الضغط لأقصى درجة» التي تقودها واشنطن، ورد طهران أنها لن تبقى ساكنة بينما ترى أن اقتصادها يتهاوى. وبدلا من ذلك، قررت إيران أن تُبلغ رسالة أنها قادرة على إلحاق خسائر ثقيلة بشركاء الولايات المتحدة في المنطقة، وخاصة السعودية والإمارات، وأنه اذا لم يكن بمقدورها تصدير النفط، فإن الدول الأخرى لن تتمكن من تصدير النفط الخاص بها كذلك.
ومن المتوقع أن يستمر هذا النمط من الصراع، على الأقل حتى الانتخابات الأمريكية في نوفمبر من العام القادم، حيث أنه من غير المتوقع ان توافق ادارة ترامب على رفع العقوبات، بينما لن تقبل إيران بمصيرها في صمت. ومن بين الأسئلة العديدة المثارة الآن هو عن الشكل المتوقع أن يتخذه الصراع في الأسابيع والشهور المقبلة.
وفي ما يلي خمسة احتمالات متوقعة للصراع بين واشنطن وطهران:
– توتر متوسط المدى: فقد تقرر الولايات المتحدة مرافقة السفن أثناء العبور في مضيق هرمز وتواصل تهديد إيران وتحذيرها من التورط في أي عمليات تعطيل كبيرة للملاحة. وفي نفس الوقت ستواصل إيران التصرف بشكل حذر، وتشن هجمات تنكرها وتتورط بها بشكل غير مباشر في المنطقة، وذلك من دون الدفع نحو مواجهة كبيرة أو تعطيل الملاحة في الخليج بشكل كبير.
–غليان كبير: في هذا السيناريو، فإن النزاع سيتصاعد، ولكنه يبقى في درجة أقل من الحرب الشاملة. وفي هذه الحالة يمكن أن تتكثف الهجمات غير المباشرة على أهداف في السعودية والإمارات، وتتعرض الملاحة في الخليج لمخاطر كبيرة مما سيؤدي الى ارتفاع كبير في أسعار النفط وتكاليف التأمين. وقد تتبنى الولايات المتحدة موقفا أكثر قوة في مواجهة إيران مع شن محتمل لهجمات محدودة على السفن الإيرانية في الخليج أو على امتداد السواحل الإيرانية، والتي قد تكون متورطة في العمليات المعادية.
– الانفجار الكبير: في هذا السيناريو، فإن التصعيد سيؤدي إلى حرب. وكنتيجة لتعطيل حقيقي في الملاحة في الخليج، أو هجوم كبير على السعودية أو الإمارات أو منشآت أو أفراد تابعين للولايات المتحدة، فإن أمريكا قد تشن هجوما كبيرا عبر الجو وباستخدام الصواريخ لضرب أهداف ايرانية تبتعد كثيرا عن السواحل. وسترد ايران بهجمات بالصورايخ على الإمارات والسعودية، وبمواجهة بحرية واسعة في الخليج وهجمات عن طريق الوكالة ضد أفراد أمريكيين أو سفارات وقواعد في المنطقة. ومثل هذه الحرب ستشعل إيران والامارات والسعودية. وستدفع إيران غالبا حزب الله لخوض الحرب واطلاق دفعات من الصواريخ تجاه اسرائيل، وهو ما من شأنه أن يثير رد فعل اسرائيلي قويا، وستدخل اسرائيل ولبنان كطرفيْن في مثل هذه الحرب.
وبينما يبدو أن هذه السيناريوهات الثلاثة سلبية كلها، يقول سالم إنه من المهم طرح سيناريوهين إيجابيين كذلك، وإن كان الثاني منهما يبقى مستبعدا إلى درجة كبيرة.
–السيناريو الأول هو خفض محدود للتوتر: حتى الآن، يتمسك دونالد ترامب وإيران بأنهما لا يريدان في الواقع الوصول لحرب أو تصعيد كبير. فإيران تريد إعفاءها من العقوبات التي أصابت اقتصادها بالشلل، على الأقل حتى تتضح الصورة بشأن رئيس الولايات المتحدة المقبل. أما ترامب فهو يريد الاحتفاظ بصورة الشخص الذي يتبنى مواقف متشددة ولكنه يرغب في نفس الوقت في تجنب الحرب أو تصعيد كبير وارتفاع حاد في أسعار النفط. وبالتالي، فإن الطرفين لديهما مصلحة مشتركة في خفض محدود للتوتر. ولكن هذا الأمر لن يكون سهلا. وفي هذا السيناريو، فإن الوساطات المبذولة عبر قنوات خلفية قد ينتج عنها تفاهم يُفضى إلى أن إيران ستخفف من الهجمات الكبيرة، اذا خففت الولايات المتحدة بشكل ما العقوبات التي تفرضها عليها، ربما عن طريق تمديد الاستثناءات الممنوحة لحلفاء للولايات المتحدة لاستيراد النفط الإيراني مثل اليابان وكوريا الجنوبية وتايوان وايطاليا واليونان. وهذا الأمر سيكون صعبا، ولكنه ليس من المستحيل على ترامب القبول به. وقد يكفي هذا النوع من التفاهم لكي يصل ترامب إلى العام المقبل (الانتخابات الرئاسية) من دون الدخول في مواجهة كبيرة.
– أما السيناريو الثاني فو حدوث اختراق غير متوقع: وهذا سيناريو مستبعد إلى درجة كبيرة، ولكن أصبح من المعروف ميل ترامب نحو المخاطرة وولعه بالإعلان عن التوصل لإتفاقيات كبيرة، حتى لو لم تختلف التفاصيل كثيرا بشأن ما كان مطروحا فى السابق. وقد يكون ترامب بحاجة إلى الظهور بصورة القادر على التوصل لاتفاق اذا استمر التصعيد في الموقف بشكل يؤثر على فرص إعادة انتخابه. ومن الممكن، – وإن كان ذلك مستبعدا جدا،- أن الإيرانيين، اذا استمر تدهور الأوضاع الاقتصادية بشكل كبير في الشهور المقبلة، قد يسعون للتوصل لاتفاق مع ترامب، متصورين أنهم قد يتمكنون من الحصول على عرض من الممكن لهم القبول به من الرئيس الأمريكي الذي يحتاج مثل ذلك الاتفاق.
ويختتم بول سالم رئيس معهد دراسات الشرق الأوسط تحليله بالقول إن من المستحيل التنبؤ باتجاه الأزمة المتصاعدة بين الولايات المتحدة وإيران، لكن إن لم يتم التوصل لاختراق – يبدو مستبعدا- فإن الولايات المتحدة وإيران ومنطقة الخليج سيبقون متورطين في درجة ما من الصراع، على الأقل طوال العام المقبل.
يمكن مراجعة النص الأصلي للمقال هنا
Paul Salem