فن

«الملك لير».. عودة حميدة إلى المسرح المصرى

بعد 18 عاما من تقديمها للمرة الأولى، تعود مسرحية «الملك لير» إلى خشبة المسرح المصرى مرة ثانية، وذلك من خلال مشروع مسرح «كايرو شو» على مسرح الماركية بكايرو فيستيفال سيتي.

الإنتاج السخي المختلف عن إنتاج الدولة، يظهر منذ اللحظات الأولى في الديكور حول خشبة المسرح، والذي تم تصميمه بشكل مدمج ليعبر عن بريطانيا في ذلك العصر، والقصر الملكي، وقصور بنات الملك.

يشارك في بطولة المسرحية، النجمان يحيى الفخراني، وفاروق الفيشاوي، إلى جانب وأحمد فؤاد سليم، ورانيا فريد شوقي، وريهام عبد الغفور، وهبة مجدي، ونضال الشافعي، ومحمد فهيم، وحمادة شوشة، وأحمد عزمي، وناصر سيف، وتصميم الملابس نيفين رأفت، وأيمن الشيوي، وموسيقى مصطفى الحلواني، ومن إخراج تامر كرم

مقارنة

ينقسم ديكور خشبة المسرح إلى قسمين، الخشبة الأمامية أو ساحة الحركة للممثلين، والتي كانت خالية معظم الوقت إلا من بعض الأثاث المعبر عن المشهد، أو الصخور والشجر وكوخ قديم، وهو المعبر عن مشهد طرد الملك لير. أما القسم الخلفي من المسرح فهو المعبر الحقيقي عن مكان المشهد.

وقد استطاع المخرج ومصمم الديكور استخدام المواد البصرية الموحية التى تناسب العرض ككل دون بهرجة زائدة تشد الأعين عن الأشخاص ـ لكنها استطاعت نقلنا إلى عصر المسرحية كما كتبها وليم شيكسبير.

وإذا ما قارنا العرض الحالي بالأول منذ 18 عاما، وبشكل مختصر، سنجد أن أداء يحيي الفخراني بالتأكيد قد تأثر بعامل الزمن في نطاق الحركة الجسدية، لكن الأداء الصوتي والتعبيري كان على أفضل ما يكون، وجاء محملا بكل الخبرة التي اكتسبها  هذا الفنان الكبير، حتى أنك بعد العرض لن تتخيل الملك لير سوى على شكل يحيى الفخراني خلال العرض.

ملاحظات فنية

منذ المشاهد الأولى نحن أمام ذلك الملك الذي قرر توزيع مملكته على بناته مقابل أن يعرف مقدار الحب الذي  يحتفظن به له، لندرك أن الملك يحب أن يسمع المديح وليس الحب الصادق. وفي مقابل ذلك يخسر ابنته الصغرى، كورديليا «هبة مجدي»، الصريحة التي تحبه دون تزلف، في مقابل المديح المصطنع من ابنتيه، ريجان «ثراء الجبيل»، وجونريل «رانيا فريد شوقي». لكن الملك يخسر أيضا مساعده الوفي كنت «أحمد فؤاد سليم».
شخصية «كنت»، والتي ستناور بعد طردها من قبل الملك، حتى تصبح شخصية رئيسية في إنقاذ الملك في نهاية العرض، قدمها الفنان أحمد فؤاد سليم ببراعة، واستطاع أن يجسد صورة الملاك الحارس لصديقه في جميع مراحله من جنون وغضب.

ومع ظهور نوايا ابنتي الملك الكبرى والوسطى، بعد اقتسام المملكة بينهما  نكون على موعد مع مشهد من أهم مشاهد العرض التي أبدع الفخراني في تجسيدها عندما علم الملك لير بنوايا ابنته الكبرى جونريل «رانيا فريد شوقي» حيث استطاع الفخراني هنا التحول في أدائه المسرحي، من الشيخ المتصابي المستهتر خفيف الدم، إلى الأب المكلوم المصدوم من نوايا ابنته الخبيثة في السيطرة عليه وعلى المملكة. وهنا أيضا ظهر الفارق الكبير بين أداء الفخراني ورانيا فريد شوقي في غير صالح الأخيرة بالطبع.

رانيا فريد شوقي، وإن كانت الوجه الأمثل للشخصية من حيث «المظهر»، إلا إنك تشعر طوال العرض بأن الشخصية التي تجسدها تحتاج إلى قدرات تمثيلية أكبر من قدرتها، أو كما يقولون «الدور كبير عليها»، فستشعر- وربما أكون مخطئا- أن تركيزها كان منصباً على الإلقاء بفصحى سليمة، فتشتت هذا التركيز عن أي تعبير جسدي أو صوتي. ففي أغلب المشاهد مع تنوعها كان صوتها مسجوناً في طبقة وحيدة ثابتة ـ وكأنها تقرأ النص ولا تقوم بتجسيده، ربما كانت تحتاج عدداً أكثر من «البروفات».

 

أما عن الأدوار المركبة فلابد أن نتحدث عن دور إدموند «نضال الشافعي» ذلك الابن غير الشرعي الذي يقوم بالعديد من المؤامرات للوصول إلى أعلى منصب يمكن أن يصل إليه، وفي سبيل ذلك يتآمر على والده جلوستر «فاروق الفيشاوي» وأخيه إدجار «أحمد عزمي». ويعتبر أداء نضال من أفضل المشاهد المقدمة في العرض، ورغم أنه استطاع أن يجعل المشاهد يكن كرها شديدا لتلك الشخصية المناورة الدنيئة، إلا أنك سترغب في مشاهدته على المسرح طوال الوقت.

بالطبع لا يمكن أن نغفل أداء النجم الكبير فاروق الفيشاوي والذي جسد شخصية الأمير جلوستر أحد النبلاء ضمن حاشية الملك لير المخلصة، والذي يصاب بالعمى بعد أن يثق في ابنه ادموند بعد أن أقنعه أن شقيقه إدجار يتآمر على قتله، ثم يتأمر عليه نفسه ويسلمه إلى جونريل ابنة لير ليُحكَم عليه بفقء عينيه. ونأتي هنا لمشهد بارز آخر، حينما يعلم جلوستر الكفيف أن الشخص المجذوب الذي ساعده ليس سوى ابنه  «إدجار» الذي كان قد هرب قبل أن يتخلص منه بعد وسوسة أخيه.

أما الابنة الصغرى «كورديليا» والتي جسدتها «هبة مجدي»، فرغم قلة عدد مشاهدها إلا أنها شخصية محورية في العرض، واستطاعت هبة تقديمها بالشكل المقنع كشخص صادق ومحب لكن دون تزلف، وشخصية الابنة الصغرى هنا- رغم غضب الأب منها وطردها  وحرمانها من أن ترث والدها  بل والتبرؤ منها – إلا إنها كانت الابنة الوحيدة التي دافعت عن الأب واستطاعت إنقاذه بعد طرده في العراء، وتسبب ذلك في إصابته بالجنون لبعض الوقت، ويبرز هنا المشهد بين الفخراني وهبة بعد أن يجد نفسه في منزلها وهو لا يعلم إذا كان ما يراه حقيقة أم من وحى خياله.

أخيرا لا نستطيع أن نتجاوز  الدور الذي جسده الفنان محمد فهيم «البهلول»، وهو مهرج الملك وصديقة وصوت ضميره الساخر اللاذع، ورغم أن العرض الأول منذ 18 عاما جسد خلاله تلك الشخصية الفنان عهدي صادق، ولاقى إشادة كبيرة حينها، إلا أن فهيم جسد دوره ببراعة دون الوقوع في فخ تقليد صادق، وأيضا كانت مرات ظهوره على خشبة المسرح محببة للمشاهد بما فيها الاستعراضات التي قدمها بخفة.

الموسيقى المصاحبة للعرض للملحن مصطفى الحلواني، كانت ممتعة ومعبرة، ورغم أن العرض السابق قبل 18 عاما كان يحمل موسيقى الملحن الكبير راجح داوود، لكن الحلواني استطاع تقديم نسخته الخاصة المناسبة هي الأخرى تماما للعرض.

من أبرز السلبيات ورغم الإنتاج السخي، كانت مشاهد المعارك فقد كانت فقيرة بالنسبة للعرض ككل، ويمكن مقارنتها بالمعارك التي قد تقدمها فرق الموهوبين أو فرق الجامعات ذات الموارد المحدودة.

ورغم أن الشركة المنتجة تتعامل مع العرض باعتباره خاضعا تماما لمعايير السوق، مع إضفاء البهرجة المناسبة  لعصرنا، إلا أن «كايرو شو»، تجربة مهمة في عودة مسارح القطاع الخاص لسابق عهدها، وهي عودة نتمنى أن تستمر دون معوقات. لكنها في الوقت نفسه تفتقر إلى تسعير مناسب لفئات عديدة كانت في الماضي لديها المساحة الأوسع للإهتمام بمثل هذا الفن، فأقل سعر للتذكرة هو 250 جنيها، وهو ما يعني أن أي أسرة من الطبقة المتوسطة يجب عليها توفير ما يوازي 1000 جنيه لحضور عرض مسرحي، ولا يبدو هناك وسيلة لتغيير منطق «اللي ممعهوش ميلزموش» سوى أن تتدخل وزارة الثقافة أو أي مؤسسة مدنية خاصة في دعم عدد من التذاكر لتلك العروض.

https://www.facebook.com/king.lear.official/videos/639967556472441/

تريلر الشركة المنتجة

* جميع الصور من الصفحة الرسمية للعرض على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock