فن

«مارتن ماكدونا».. غواية السينما واستفزاز المسرح

حصد فيلم Three Billboards Outside Ebbing, Missouri، للمخرج مارتن ماكدونا، أكبر عدد من جوائز مهرجان جولدن جلوب 2018؛ حيث حصل على أربع جوائز، من بينها أفضل صورة وأفضل سيناريو.

 كان حفل توزيع جوائز المهرجان، الذي أقيم في 8 يناير 2018، لحظة فارقة في حياة ماكدونا لأن أفلامه دائما تصدر شعورا بأن عمله المسرحي لم يكن سوى وسيلة للدخول إلى عالم صناعة السينما.

رغم ذلك، يمكن القول إن ماكدونا يعتبر أفضل كاتب مسرحي معاصر، وأن مسرحياته تمثل أفكارا رائدة تحدد وجهة المسرح الإنجليزي في الفترة التالية.

بدأ ماكدونا كتابة المسرحيات عام 1994، وألف أول ست مسرحيات بين عامي 1994 و1995 فقط، أتبعها بثلاثية مسرحية تدور أحداثها في (وحول) مقاطعة جالواي، التي قضى فيها الكاتب أغلب أجازاته في مرحلة الطفولة.

في أحد اللقاءات قال ماكدونا: “أقدر تاريخ الأفلام لكنني لا أحمل التقدير ذاته للمسرح” على الأقل بسبب المبالغ المالية الضئيلة التي يحتاج إليها المرء لحضور عرض في مسرح ويست إند أو برودواي.

 ربما بسبب هذا الاستفزاز الذي سببه له المسرح كانت مسرحياته تحمل قدرا كبيرا من “الاستفزاز” لكنها – رغم ذلك – حققت شعبية غير مسبوقة في المسرح الإنجليزي والأمريكي.

ليس أدل على ذلك من أنه في عام 1997 عرضت له أربع مسرحيات في وقت واحد في مسارح لندن، ليكون بذلك أول كاتب مسرحي يحقق هذا الإنجاز بعد وليم شكسبير.

حددت أولى مسرحيات ماكدونا The Beauty Queen of Leenane وجهة المسرح اللندني في عام 1996. فقصة العانس الطاعنة في السن، وأمها المستبدة تأثرت كثيرا بأفلام المخرج الأمريكي كوينتن تارانتينو، مثلما تأثرت بمسرحيات صمويل بيكيت وهارولد بينتر.

 حققت المسرحية نجاحات كبيرة على المستوى التجاري، كما نفت عن كاتبها انتقادات تتعلق بالتوجه الذكوري الذي غلب على أفلامه الروائية الأولى، واجتازت بسهولة اختبار بيتشدل لتحديد الانحياز على أساس النوع الاجتماعي في الأعمال الأدبية.

وبعد مسرحية A Skull in Connemara (1997)، ثم ثلاثية Leenane (1999)، قدم ماكدونا مسرحية The Lonesome West عام 1999، التي عرضت لقصة أخوين متشاحنين في أعقاب مقتل والدهما.

 لا تختلف هذه المسرحية كثيرا عن النموذج الذي قدمه ماكدونا في فيلم In Burges (2008)، وناقش فيه بصورة أقرب إلى الكوميديا عددا من المفاهيم الذكورية الخاطئة.

وتعرض مسرحية The Lieutenant of Inishmore (2001) بصورة مباشرة لحقبة الاضطرابات في أيرلندا الشمالية في نهاية القرن العشرين، وتعتبر واحدة من أكثر المسرحيات التي عرضت على مسرح ويست إند دموية، وأعيد عرضها مجددا منتصف هذا العام على مسرح نويل كوارد في لندن.

كان النقاد يعتقدون أن حزمة المسرحيات التي كتبها ماكدونا في منتصف تسعينيات القرن الماضي استنفذت كل ما لديه من مواهب وملكات، لكن مسرحيةThe Pillowman (2003) جاءت ردا قويا من قبل ماكدونا على هذا الاعتقاد. تحكي المسرحية قصة درامية من نوعية أعمال فرانز كافكا عن كاتب يتعرض لمسائلة قانونية عن قصصه القصيرة لتشابهها مع سلسلة من جرائم قتل اجتاحت بلدته الصغيرة.

وعلى غرار فيلمه Seven Psychopaths (2012)، عمدت المسرحية إلى تفكيك عملية المعالجة الفنية، وتعتبر من وجهة نظر العديد من النقاد أفضل إبداعاته على الإطلاق.

أما مسرحية A Behanding in Spokane، التي عرضت في نيويورك عام 2010، فتمثل شكلا من أشكال أدب المهجر – وهو ما يضعها في سياق واحد مع فيلمه الأخير Three Billboards – إذ تدور أحداثها في الولايات المتحدة الأمريكية وتتطرق إلى مشكلة التحيز العنصري.

وعلى غرار فيلم Three Billboards أيضا، أثارت المسرحية انتقادات بأن ماكدونا كان بعيدا جدا عن واقع العنصرية الأمريكية إلى درجة لم تمكنه من الاشتباك مع عمق القضية، لذلك تبقى هذه المسرحية الوحيدة بين أعماله التي لم يتم عرضها حتى الآن في لندن.

أما آخر أعمال ماكدونا Hangmen، فهي أقرب إلى الأعمال السينيمائية، وتشير إلى أن ثَمً علاقة تكافلية ترسخت بين السينما والمسرح في فن ماكدونا.

تحكي المسرحية قصة شخصية هاري ويد الخيالية الذي كان يعمل شانقا في إنجلترا بعد أن تم إلغاء عقوبة الإعدام شنقا عام 1965.

وبسبب عودته إلى أصول الكتابة المسرحية، حصدت المسرحية – على غرار فيلمه الأخير – العديد من الجوائز وضمت العديد من النجوم.

ويبقى أن نرى إذا ما كان تركيز الكاتب سيتجه خلال الفترة القادمة إلى السينما أم إلى المسرح، لكن – بكل الأحوال – لن تشهد موضوعاته تغيرا جذريا في المستقبل القريب. أما عمله القادم فسيعرض لأول مرة على مسرح بريدج في لندن في شهر أكتوبر من هذا العام، ويحمل عنوانا لا يكاد يضعه في نسق واحد مع أي من أعماله السابقة، وهو: A Very Very Very Dark Matter.

*هذه المقالة ترجمة لمقالة بصحيفة Independent

أحمد بركات

باحث و مترجم مصرى

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock