رؤى

من ظلم محمد مرسي؟

قفزا على حالة الاستقطاب والتنابذ التي أصبحت إحدى سمات الحياة السياسية والاجتماعية في مصر، بعد جملة التطورات التي ضربتها في السنوات الأخيرة، ودون أي إخلال بأي قيم إنسانية أو دينية أو اجتماعية، لابد أن نسأل أنفسنا بهدوء هذا السؤال: من ظلم مرسى؟، خصوصا بعد أن حوَّلت الجماعة (الإخوان المسلمين) مشهد وفاته الطبيعية التي تبقى تقديرا إلهيا مطلقا، إلى حادث قتل متعمد، عبر دعاوى منع الدواء وإهمال الرعاية الطبية وظروف الحبس، التي تكررت المطالبات بتحسينها.

جلال الموت

بداية، فإن كل ميت في ثقافتنا لا تجوز عليه سوى الرحمة، وهذا ما نشأنا عليه وتعلمناه من قيم ديننا وأعراف مجتمعاتنا. لقد أفضى الرجل إلى ما قدَّم وكان من الممكن أن يحظى بحياة طبيعية هادئة وهانئة، ويموت في صمت بين أفراد أسرته ويدفن حيث أوصى. لكن الرجل لم يكن رجلا عاديا مغمورا، بل رجل ألقته الأقدار في أتون محرقة لا ترحم، هي محرقة الحكم في أهم قطر عربي، على خلفية عضويته في جماعة الإخوان، التي لاتزال قادرة على إثارة الجدل، حتى بعد انتهاء دورة حياتها كحركة اجتماعية وسياسية.

محمد مرسي شابا

يبدو السؤال مهما في ظل كربلائية جديدة أطلقتها الجماعة، في حرص لازمها على توظيف كل شيء في خدمة أهدافها السياسية، والحرص على ابتزاز مشاعر شعب، يحتل الموت في وعيه مكانة تتجاوز الأعراف الاجتماعية والتعاليم الدينية، لتصل الى عمق جيناته الحضارية. تأمل كيف أن أهم شواخصنا الحضارية في مصر هي قبور الأهرامات وغيرها.

هل ظُلم محمد مرسى بالفعل؟ وأصبح الشهيد المظلوم على حد وصف الجماعة وأبواقها؟ ثم من ظلمه؟.. إن الإجابة عن هذا السؤال لابد أن تنطلق من التعرف على من هو محمد مرسى ؟

محمد مرسى عيسى العياط، من مواليد إحدى قرى محافظة الشرقية في العام 1951، أستاذ جامعي في كلية الهندسة جامعة الزقازيق، حصل على درجة الدكتوراه من الولايات المتحدة، ولم يظفر من تجربته في أمريكا بأبعد مما ظفر به ملهمه ومعلمه وأستاذه سيد قطب، الذى صب غضبه على الحضارة الغربية فور عودته من الولايات المتحدة.

Related image

محمد مرسي                           سيد قطب

لم ينشط محمد مرسى سياسيا ولم يكن عضوا بجماعة الإخوان منذ صغره، بل التحق بالجماعة متأخرا مقارنة بواقع العضوية في الجماعة في العام 1979، أي أن عمره كان  28 عاما في ذلك الوقت. ولم يملك الرجل أي مؤهلات قيادية أو شخصية تؤهله للنهوض بأدوار قيادية في الجماعة، لكن كان أهم ما ميز مرسى وجعله هدفا لصقور الجماعة أو محافظيها، هو تقمصه لشخصية ونفسية الموظف المطيع المتفاني في تنفيذ التعليمات، وهو ما يسَّر ظروف تصعيده داخل التنظيم رغما عن الأعضاء، بإرادة الدائرة النافذة داخل الجماعة، التي عينته عضوا في اللجنة السياسية في العام. وبعدها  بنحو سبع سنوات،وتحديدا بعد انتخابات برلمان عام 2000، أختير الدكتور مرسي متحدثا باسم الكتلة البرلمانية للإخوان المسلمين في مجلس الشعب، والذي عكس تسمية لهيئة غير شرعية داخل المجلس، الذى لم يعترف هو أو الدولة، بكيان تحت هذا الاسم. لكن التسمية كانت مطلوبة في سياق صناعة تاريخ سياسي للرجل داخل الجماعة، وهو ما كان يشى بدور ما ظل غامضا لسنوات.

تاريخ بلا إختبار

لم يتعرض مرسى لأي اختبار انتخابي داخل الجماعة يحدد وزنه مقارنة بغيره، بل مضت رحلة صعوده داخل الجماعة بالتعيين رغما عن النابهين والبارزين داخلها.

في العام 2000 كانت أهم محطات الصعود بتعيينه في مكتب الإرشاد بإرادة المحافظين داخل التنظيم، أو بالأحرى التنظيم القطبي، الذى تعززت قبضته على التنظيم ،مع انتخاب مرسى للمرة الأولى عضوا بمكتب الإرشاد عام 2009، في انتخابات أحاطت بها شبهات التزوير، حيث جرى في هذا العام تغيير بنية مكتب الإرشاد، ليعكس سيطرة التيار القطبي، الذى  فرض  سطوته  بشكل علني على كل تشكيلات الجماعة ،ووضع عناصره في كل مفاصل التنظيم ،في إطار ما سُمى بـ «خطة التمكين»، التي ظلت قابعة في وعى هذا التيار، رغم الضربات التي تلقّاها التنظيم ما بين عامي 1995 و2005.

لم يُعرف عن مرسى أي نشاط يبرر اعتقاله أو سجنه طوال 27 عاما من عضويته في الجماعة، مما يشير إلى أن عضويته ظلت سرا كما مناصبه داخل التنظيم، ولم يُسجن سوى مرة واحدة في 18 مايو 2006 كما لو كان مطلوبا أن يُعمَّد بالسجن تأهيلا لأدوار أخطر قادمة.

مكتب الإرشاد

لم يترشح الرجل في أي انتخابات نقابية أو طلابية أو تنظيمية، وهي المحطات التي تصنع أي قيادة سياسية، بل ظل معتمدا على إرادة قيادة التنظيم وقوة الآلة الإنتخابية للجماعة التي قادته لاحقا للبرلمان.

حتى ذلك الوقت لم يكن مرسى هو الرقم الأهم في التنظيم سياسيا، لكن حضوره لاجتماع غامض (في خضم أحداث ثورة 25 يناير) في 9 فبراير 2011 هو وسعد الكتاتني ممثلين للجماعة مع اللواء عمر سليمان رئيس المخابرات العامة المصرية آنذاك، كان تأكيدا على موقعه الجديد الذي لم ينله بفعل جدارة أو انتخاب. هذا اللقاء الذي طالب فيه مرسى والكتاتني برخصة لحزب وجماعة مقابل التخلي عن التظاهر، في تأكيد على انتهازية وسمت الجماعة وقيادتها في كل المراحل اللاحقة. وقد كانت أول قرارات مرسى بعد هذا الاجتماع وتنفيذا لمقرراته، هو فصل القيادات الشبابية من الإخوان الذين شاركوا في المظاهرات.

صاحب مرسى التعيين في كل المراحل، فعُين رئيسا لحزب الجماعة «الحرية والعدالة». فلم ينتخب أعضاء الحزب وكلهم من الإخوان العاملين رئيس الحزب، ولم ينتخبه المؤتمر العام ولا أي من تشكيلات الحزب، ولم يكن الشخص المفضّل حتى من قبل أعضاء الحزب. حتى اختياره من قبل مجلس شورى الجماعة ليكون المرشح الرئاسي الاحتياطي، لم يجر وفق إجراءات شفافة وصحيحة، خصوصا في ظل سيطرة رجل الجماعة القوى خيرت الشاطر على المجلس وتوجيه إرادته.

 Image result for ‫خيرت الشاطر‬‎

خيرت الشاطر

ظلمه التنظيم

لم يكن مرسى مؤهلا سوى لأداء دور نائب في البرلمان، يخطب تحت القبة ويستمطر التصفيق والإعجاب لقدراته البيانية، لكنه لم يتوفر أبدا على تأهيل لمنصب رئيس مكتب سياسي أو حزب.، بل كان بالتكوين والنشأة أبعد الناس عن ذلك، ولم يؤهله للوصول الى منصب الرئيس سوى التشوه في بنيان المعارضة المصرية، وقوة الآلة التنظيمية والانتخابية للجماعة بعد حل الحزب الوطني الحاكم. ربما كان البعض يعتقد أن الرجل اكتسب قدرات برجماتية بفعل الاحتكاك بقيادات الجماعة البرجماتية، لكنه ظل يميل أكثر لليمين المتشدد الذى عبّد طريقه داخل التنظيم.

 يبدو الرجل مسكينا، لأنه حتى قبل موته، كان كالميت بين يد مغسّله، التنظيم الذى يبقى هو الوحيد الذى ظلمه، حين عصف بقاعدة إسلامية تقول إذا وسّد الأمر لغير أهله فانتظروا الساعة، ولم تتأخر الساعة طويلا ليموت في نفس يوم انتخابه.. رحم الله مرسى الذى ظلمه التنظيم، ولم يظلمه الشعب الذى أعطاه الفرصة لعام، لكن التنظيم لم يأذن له أبدا بأن ينتهز الفرصة. 

Image result for ‫مرسي في مجلس النواب‬‎

أحمد بان

كاتب و باحث مصري

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock