فن

محمد خان.. عاشق الشوارع والحواديت

«في ناس بتلعب كورة في الشارع .. وناس تمشي تغني .. تاخد صورة في الشارع .. وفي ناس بتشتم بعض .. تضرب بعض .. تقتل بعض في الشارع .. في ناس تنام على الأرض في الشارع .. وناس تبيع العرض في الشارع .. أخطاء كتيرة صبحت صحيحة .. لكن صحيح حتكون فضيحة .. لو نسينا .. وبوسنا بعض في الشارع» مقطع من قصيدة للشاعرة أمينة جاهين، استعان بها المخرج الراحل محمد خان في فيلمه «الحريف»، ربما تكون مناسبة كمدخل للحديث عن محمد خان الذى كان الشارع ملعبه السينمائى المفضل.

مسيرة سينمائية حافلة

أخرج محمد خان خلال مسيرته السينمائية الحافلة «24» فيلما روائيا طويلا، إضافة إلى «تسعة» أفلام روائية قصيرة، و«ثلاثة» أعمال تليفزيونية، كما شارك بالتمثيل في عدد من الأفلام، إضافة لكتابة عدد من السيناريوهات.

كان الشارع المصري هو «البطل» في العديد من أعمال المخرج المبدع محمد خان، يتجول فيه باحثا عن أحلام بسطائه ومهمشيه ليتصدر بأعماله مدرسة الواقعية الجديدة في السينما المصرية. فكيف استطاع  خان أن يجعل من «الشارع» بطل أعماله؟ وهل لنشأته علاقة بشغفه بتفاصيل الشارع؟ وكيف كانت رحلته في الحياة؟

بداية الطريق

«بعد 13 فيلما روائيا، بدلا من أن أجد الطريق سهلا أجده أكثر صعوبة، صعوبة الإختيار وصعوبة التمكن من لغة سينمائية تستطيع أن تلمس أوتارا في أعماق المتفرج وفي أعماق نفسي. ربما أحدث أفلامي «أحلام هند وكامليا» هو في هذه اللحظة أقربهم إلى نفسي لارتباطه بأوتار عديدة لها جذور متنوعة في حياتي، ووصل الأمر إلى أنني حينما أسأل رأي مشاهد ما في الفيلم لا أطلب إليه أن يصرح لي بإعجابه أو عدم إعجابه بالفيلم، قدر إقتناعه بالصدق في الفيلم. هل هو فيلم كاذب أم فيلم صادق؟، الصدق بالنسبة لي أصبح هو القضية التي تؤرقني، وأعتقد أنها ستؤرقني حتى نهاية الطريق» .. هكذا روى  محمد خان عن نفسه  وعن إبداعه في مقال له حمل عنوان «بداية الطريق» كتبه لقراء نشرة «سينما الفراعنة» في يونيو عام 1988، وهي نشرة كانت تصدر عن مجموعة من هواة السينما بالأسكندرية، كان من بينهم المخرج أحمد رشوان الذي قام بتحرير كتاب تضمن شهادته وشهادات عدد من رفاق رحلة خان الفنية، وهو الكتاب الذي جاء تحت عنوان «محمد خان .. معانقة الحياة» أصدره مهرجان السينما الإفريقية في دورته السادسة، مارس 2017، تكريما لذكرى خان.

حي السينمات الصيفية

ولد محمد خان في 26 أكتوبر من عام 1942، وكان والده رئيس الجالية الباكستانية في مصر يعمل في تجارة الشاي بالجملة، أما والدته فكانت مصرية من أصول إيطالية.

يصف سعيد شيمي مدير التصوير ورفيق رحلة محمد خان منذ الطفولة الحي الذي نشآ فيه معا قائلا «كنا نسكن في حي واحد مليء بالسينمات.. كانت السينمات الصيفية منتشرة وجميلة وحلوة، بارادي، كرنك، ستراند، حديقة الأزبكية التي تصبح في الشتاء باتيناج نلعب أمام شاشتها العملاقة، ريو، سان جيمس، ركس، متروبول، كريستال».

ظهرت موهبة التأليف عند خان منذ أن كان طفلا، كان يكتب قصته ومن ثم يجمع رفاقه ليروي لهم ما كتب، وكانت أغلب قصصه كما يتذكرها سعيد شيمي مأساوية بها جرائم أو حبكة بوليسية.

اقرأ أيضا:

القاهرة .. لندن .. بيروت

سافر خان مع عائلته إلى لندن عام 1956، بعد أن تدهور عمل والده في مجال تجارة الشاي، حيث التحق بالجامعة لدراسة الهندسة المعمارية، إلا أنه بعد فترة اكتشف شغفه بعالم السينما، فترك دراسة الهندسة، والتحق بمعهد السينما في لندن، شاهد السينما العالمية في الستينات، كما تابع مدارس النقد السينمائي المختلفة، قرأ بشغف «كراسات السينما الفرنسية» وغيرها من مجلات السينما الإنجليزية.

محمد خان شابا

أنهى خان دراسته بمعهد السينما بلندن عام 1963، فعاد للقاهرة ليعمل لمدة عام مع صلاح أبو سيف في شركة إنتاج «فيلمنتاج» ومنها غادر إلى بيروت ليعمل مساعد مخرج مع يوسف معلوف ووديع فارس، لمدة عامين، عاد بعدها إلى لندن، لينشىء دار للنشر أصدر كتابين كان أحدهما عن السينما المصرية، والآخر عن السينما التشيكية، كما كتب العديد من المقالات عن عالم السينما، عاش خان تلك الفترة جوالا ما بين القاهرة، لندن، بيروت.. ليعود أخيرا ليستقر بالقاهرة.. ولتبدأ الرحلة.

أحسن 10 مشاهد في سينما محمد خان

أحسن 10 مشاهد في سينما محمد خان.. تقرير من برنامج أون سكرين في الذكرى الثانية لرحيل المخرج الكبيركتابة: أحمد شوقيتنفيذ: هديل هانيأداء: يارا الجندي

Posted by The Film Observer on Monday, July 30, 2018

التائه في شوارع القاهرة

بدأت مغامرات خان السينمائية مع رفيق طفولته سعيد شيمي، بأفلام «8 مم» منها  «ضائع» و«يوم في حياة» 1962، ثم فيلم «16 مم»، «الهرم» عام 1963، وفيلم «35 مم» «البطيخة» عام 1972.

قام خان بتمثيل شخصية فيلم «ضائع» وهى شخصية تتجول تائهة في شوارع مصر الجديدة.. وتستمر الرحلة وصولا لأول أعماله الروائية الطويلة «ضربة شمس» الذي أنتجه له ولعب دور البطولة فيه الفنان نور الشريف عام 1978. في هذا الفيلم خرج خان  متجولا بالكاميرا في شوارع القاهرة، متتبعا «شمس»، ذلك المصور الصحفي الذي أكتشف لتوه أول خيوط إحدى الجرائم الكبرى.

واصل بعدها خان سردية عشقه لشوارع القاهرة حتى وصل لفيلم «الحريف» 1983، الذي تم تصويره بحي بولاق أبو العلا، لنرى عن قرب مشاهد تجسد حياة سكان الحي في حياتهم اليومية، فالشوارع ليست أماكن، الشوارع حواديت و بشر تتحرك على الأرض.

كان محمد خان قد كون مع بشير الديك وسعيد شيمي ونادية شكري وعاطف الطيب وخيري بشارة وداود عبد السيد جماعة سينمائية في محاولة منهم لإبداع سينما مختلفة، ذات مستوى جيد، أطلقوا عليها «جماعة أفلام الصحبة» تلك التي أنتجت فيلم «الحريف».

نساء مقهورات.. ولكن

اهتم خان بعالم النساء ومشاكلهن في البيت والشارع والمصنع، في المدينة بكل ما تحمله من قسوة وجفاء. أولى إهتماما خاصا في العديد من أعماله بعالم النساء المقهورات المهمشات، لكن هل هن نساء مقهورات مهمشات وفقط؟.. فى «أحلام هند وكاميليا» عام 1988، نجد أن بطلتي الفيلم «هند وكامليا» خادمتان عالمهما الفسيح هو الشارع وهو البطل الخلفي للفيلم ، فعلى لسان كاميليا تتجسد رؤية خان للشارع «مافيش أحسن من الشارع للغلابة زينا».. تتعلم هند من الشارع الإعتماد على النفس.. أما كامليا فتؤكد مع كل كلمة تنطق بها على الحرية طريقا لها، فتغني «أحب عيشة الحرية» .. وينتهي الفيلم بإكتشافهن البحر رمزا لإتساع الأفق والرؤية.

«بنات وسط البلد» عام 2005، بطلتاه فتاتان من عاملات وسط البلد بالقاهرة، تبحثان عن موطىء قَدَم لهما في عالم إستهلاكي وواقع قاس مزدحم ومسكون بأصوات الشارع. أما فيلم «فتاة المصنع» عام 2013، والذي حصد العديد من الجوائز فتدور أحداثه حول «هيام» التي تعمل مع بنات الحي الفقير الذي تعيش فيه بأحد مصانع الملابس الجاهزة، تعيش تجربة حب يرفضها مجتمعها، يغوص خان في عالم المصنع والحي الفقير ليقدم للمشاهد حواديت المصنع وفتياته والحي ومشكلاته.

25 يناير و الجنسية المصرية

شارك محمد خان مثله مثل أي مصري آخر مهموم بوطنه في ثورة 25 يناير 2011، وهو الفنان العاشق لمصر، المبحر في عالمها، المفتون بحواديت شوارعها، وهو لم يزل لا يحمل جنسيتها، وحين تولي الدكتور عماد الدين أبو غازي وزارة الثقافة كانت الفرصة مواتية لطرح أمر حصول خان على الجنسية المصرية، الذي وعد بطرح الأمر على مجلس الوزراء، من ثم قام محبو خان بحملة جمع توقيعات تنادي بأحقيته في الحصول على الجنسية، إضافة لتأسيس صفحة على الفيسبوك تحمل اسم «الجنسية المصرية لمحمد خان».. وبعد ثلاث سنوات في متاهات أروقة البيروقراطية المصرية وتحديدا في 19 مارس عام 2014، أصدر الرئيس المؤقت السابق عدلي منصور قرارا جمهوريا بمنح خان الجنسية المصرية.

اقرأ أيضا:

توفى محمد خان في 26 يوليو 2016 مخلفا وراءه أعمالا فنية عظيمة اختير عدد منها ضمن أفضل مائة فيلم في تاريخ السينما المصرية.

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock