رؤى

اللقاءات السرية بين ابن عربي والخضر عليه السلام!

«في هذا المقال يحاول الزميل الكاتب حمدي عبد الرحيم الانتصار لفكرة أو قيمة مهمة، وهي قيمة الموضوعية في النظر إلى أمر من الأمور أو القضايا، في مواجهة إزدواجية المعايير أو الكيل بمكيالين في التعامل مع الأمر نفسه. لكن موقع «أصوات أونلاين» وهو ينشر هذا المقال، وما ذهب إليه في معالجة فكرته الأساسية من الاستناد إلى أمور ووقائع، ربما تبدو مفارقة للمنطق العقلي، وغير قابلة للتصديق، يؤكد على احترامه وانحيازه الكاملين لقيمة وأهمية العقل والتفكير في فهم ومعالجة مختلف القضايا، وضرورة الاعتماد على الجهد والعلم والمعرفة والأخذ بأسباب التقدم العلمي الذي ينفع الناس ويمكث في الأرض» 

«أصوات أونلاين»

ماذا لو قلت لأصدقائي المثقفين: إنني في طفولتي قد عشت تجربة روحية فارقة، فقد كنت أجلس مع أشقائي الكبار في غرفة الضيوف ببيت أبي بصعيد مصر ودخل علينا شيخنا لطفي بن عبد القادر النزاوي. تحدث قليلًا ثم صمت طويلًا، وفجأة هب واقفًا، وذهب ناحية باب الخروج، ونظر من ثقب مفتاحه ثم قال بصوت مرتجف: «اللهم سلّم، اللهم لطفك الجميل، اللهم رحمتك، العائلتان تطلقان الرصاص الحي على بعضهم البعض (ذكر اسم العائلتين) ولكن يد القدرة الإلهية جعلت الرصاص يطيش».

قال تلك الجمل السريعة الموجزة ثم عاد إلى مقعده هادئًا، ثم التفت إلينا وقال: «لا تفتحوا بابًا ولا نافذة، ولا تشاركوا في الأمر ولو بكلمة، لقد نزلت رحمة الله ساحة بلدكم ولن يقع مكروه».

غادرنا الشيخ لطفي وبعد ساعة من مغادرته غادر الرصاص الحي بنادق العائلتين اللتين ذكرهما، كنا مطمئنين إلى عدم وقوع المكروه، فلقد بشرنا العبد الصالح بنزول رحمة الله ساحة قريتنا الطيبة.

إن كان أصدقائي من أهل الحياء فسيكذبون حكايتي بلباقة، وسيعقبون قائلين: «هل تجرب فينا رواية من روايات الواقعية السحرية؟».. أما إن كانوا من الذين يسلقون الناس بألسنة حداد فسيقولون: «ألن تكف عن ترويج هذه الأوهام؟. أنت وشيخك تدمنان نوعًا من المخدرات أصابكما بهلوسة بصرية وسمعية»

اقرأ أيضا:

قصف جبهة

هؤلاء أصدقائي وكلٌ يعرف خليله، وقد سمعت منهم إنكارًا واستنكارًا لوجود الكرامات والكشف، ما لو وزن لكان أثقل من الجبال. هؤلاء أنفسهم ترى أعينهم تفيض من الدمع إذا ذكر أمامهم اسم الصوفي الأشهر ابن عربي، إنهم يحبون الرجل الحب كله، ويقاتلون دفاعًا عنه، وهو عندهم صادق مُصدَّق ولقبه عندهم هو مولانا الأكبر. فكيف سيكون حالهم عندما أقول لهم: إن ابن عربي قد سجل بقلمه كراماته وما كشفه الله له؟

لماذا شيخي يتعاطى المخدرات بينما شيخهم صادق مصدق؟، لماذا يحبون ابن عربي تحديدًا ثم يشنعون على غيره؟، لماذا يتركون كل شعر ابن عربي ولا ينشدون سوى قوله:

«لقدْ صارَ قلبي قابلاً كلَّ صورة / فمَرْعًى لغِزْلاَنٍ وديرٌ لرُهْبانِ

وبَيْتٌ لأوثانٍ وكعبة طائفٍ /  وألواحُ توراة ومصحفُ قرآنِ

أدينُ بدينِ الحبِّ أنَّى توجَّهتْ / رَكائِبُهُ فالحُبُّ ديني وإيماني».

هل للأمر علاقة بما يظنونه «سيولة عقدية » حيث كل شيء يساوي كل شيء، وحيث القلب القابل لكل التناقضات؟.

هل للأمر علاقة بما قاله ابن عربي عن «وحدة الوجود» وهو كلام يتوافق مع هوى بعضهم؟

https://youtu.be/idhOUlA7m0A

من هو الخضر؟.

يعد كتاب «الفتوحات المكية» لابن عربي أهم وأشهر كتبه، ويعد كذلك حجة لي على أصحابي، فقد ذكر ابن عربي في كتابه هذا طائفة خطيرة من كراماته، كان على رأسها ما حدث بينه وبين العبد الصالح الذي نعرفه باسم الخضر.

قصة العبد الصالح مع سيدنا موسى عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام، التي جاءت في سورة الكهف في القرآن الكريم، لم تعين للعبد الصالح اسمًا، لكن العلماء الذين بحثوا عن اسمه ونسبه قالوا كلامًا كثيرًا جدًا، بعضهم يقول: إنه ابن مباشر لسيدنا آدم، وفريق يقول: هو ابن لفرعون، وفريق ثالث يقول: هو ابن لأخت فرعون، ورابع من بينه ابن عربي يقول: إن اسمه هو بليا بن ملكان بن فالغ بن غابر بن شالخ بن أرفخشد بن سام بن نوح عليه السلام.

ثم هناك طائفة من العلماء وأكثرية الصوفيين يقولون: إن الخضر ولد ثم لم يمت، ولن يموت إلا مع يوم الساعة، لأنه قد شرب من عين الحياة. ووفقا لهذه الرواية فإن الخضر كان جنديًا في جيش، فبعثه أمير الجيش يرتاد لهم ماءً وكانوا قد فقدوا الماء فوقع بعين الحياة فشرب منها، ثم عاد إلى أصحابه فأخبرهم بالماء فسارع الناس إلى ذلك الموضع ليستقوا منه فأخذ الله بأبصارهم عنه فلم يقدروا عليه. ويعلق ابن عربي على هذه القصة قائلًا: «إن الخضر لم يكن يعرف ما خص الله به شارب ذلك الماء، وقد أكرم الله الخضر لأنه سعى في الخير لغيره»

والثابت عندنا في هذا المجال هو ما جاء في صحيح الإمام البخاري وغيره من رواة الحديث الشريف، فعن ‏‏أَبِي هُرَيْرَةَ ‏‏رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: ‏عَنْ النَّبِيِّ‏ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏‏قَالَ: ‏‏إِنَّمَا سُمِّيَ ‏الْخَضِرَ ‏لأ‏نه جَلَسَ عَلَى فَرْوَةٍ بَيْضَاءَ فَإِذَا هِيَ تَهْتَزُّ مِنْ خَلفِهِ خَضْرَاءَ”. والْفَرْوَةُ هى أَرْضٌ بَيْضَاءُ لَيْسَ فِيهَا نَبَاتٌ.

 اقرأ أيضا:

اللقاء الأول

لقاءات ابن عربي مع الخضر كانت ستظل سرية، ولكن ابن عربي نفسه هو الذي كشفها وسجلها بيمينه في كتابه الأشهر «الفتوحات المكية»، والذي جاء فيه: «إن عليًا بن عبد الله بن جامع من أصحاب علي المتوكل وأبي عبد الله قضيب ألبان كان يسكن بالمقلى خارج الموصل في بستان له وكان الخضر قد ألبسه الخرقة بحضور قضيب ألبان وألبسنيها الشيخ بالموضع الذي ألبسه فيه الخضر من بستانه وبصورة الحال التي جرت له معه في إلباسه إياها، وقد كنت لبست خرقة الخضر بطريق أبعد من هذا من يد صاحبنا تقي الدين عبد الرحمن بن علي بن ميمون بن أب التوزري ولبسها هو من يد صدر الدين شيخ الشيوخ بالديار المصرية وهو ابن حمويه وكان جده قد لبسها من يد الخضر ومن ذلك الوقت قلت بلباس الخرقة وألبستها الناس لما رأيت الخضر قد اعتبرها».

ما سبق يعني أن علاقة ابن عربي بالخضر قديمة جدًا، وأن نخبة من مشايخه قد قابلت الخضر ولبست على يديه خرقة التصوف.

اللقاء الثاني

وفي موضع آخر من الكتاب يقول ابن عربي عن علاقته بالخضر: «كنت قد نازعت شيخا لي في مسألة وخرجت من عنده فلقيت الخضر، فقال لي سلم إلى الشيخ مقالته فرجعت إلى الشيخ من حيني، فلما دخلت عليه منزله فكلمني قبل إن أكلمه وقال لي: يا محمد أحتاج في كل مسألة تنازعني فيها أن يوصيك الخضر بالتسليم للشيوخ.. فلما كان بعد مدة دخلت على الشيخ فوجدته قد رجع إلى قولي في تلك المسألة، وقال لي إني كنت على غلط فيها وأنت المصيب فقلت له يا سيدي علمت الساعة أن الخضر ما أوصاني إلا بالتسليم».

اللقاء الثالث

وعن لقاء ثالث مع الخضر يقول ابن عربي: «وقد رأينا من رآه واتفق لنا في شأنه أمر عجيب، كنت بمرسى تونس بالحفرة في مركب في البحر فأخذني وجع في بطني وأهل المركب قد ناموا فقمت إلى جانب السفينة وتطلعت إلى البحر فرأيت شخصا على بعد في ضوء القمر وكانت ليلة البدر وهو يأتي على وجه الماء حتى وصل إلي فوقف معي ورفع قدمه الواحدة واعتمد على الأخرى فرأيت باطنها وما أصابها بلل ثم اعتمد عليها ورفع الأخرى فكانت كذلك ثم تكلم معي بكلام كان عنده ثم سلم وانصرف يطلب المنارة محرسا على شاطئ البحر على تل بيننا وبينه مسافة تزيد على ميلين فقطع تلك المسافة في خطوتين أو ثلاثة فسمعت صوته وهو على ظهر المنارة يسبح الله تعالى، فلما جئت المدينة لقيت رجلا صالحا فقال لي كيف كانت ليلتك البارحة في المركب مع الخضر ما قال لك وما قلت له؟.

اللقاء الرابع

وفي موضع آخر يقول ابن عربي: «خرجت إلى السياحة بساحل البحر المحيط ومعي رجل ينكر خرق العوائد للصالحين فدخلت مسجدا خرابا منقطعا لأصلي فيه أنا وصاحبي صلاة الظهر، فإذا بجماعة من السائحين المنقطعين دخلوا علينا يريدون ما نريده من الصلاة في ذلك المسجد، وفيهم ذلك الرجل الذي كلمني على البحر الذي قيل لي إنه الخضر وفيهم رجل كبير القد أكبر منه منزلة، وكان بيني وبين ذلك الرجل اجتماع قبل ذلك ومودة ،فقمت فسلمت عليه فسلم علي وفرح بي وتقدم بنا يصلي، فلما فرغنا من الصلاة خرج الإمام وخرجت خلفه وهو يريد باب المسجد، وكان الباب في الجانب الغربي يشرف على البحر المحيط بموضع يسمى بكة، فقمت أتحدث معه على باب المسجد وإذا بذلك الرجل الذي قلت إنه الخضر قد أخذ حصيرا صغيرا كان في محراب المسجد فبسطه في الهواء على قدر علو سبعة أذرع من الأرض ووقف على الحصير في الهواء ينتقل، وأشار إلى صاحبي الذي كان ينكر خرق العوائد وهو قاعد في صحن المسجد ينظر إليه ليعلم أن الله يفعل ما يشاء مع من يشاء فرددت وجهي إلى المُنْكِر وقلت له ما تقول فقال ما بعد العين ما يقال ،ثم رجعت إلى صاحبي وهو ينتظرني بباب المسجد فتحدثت معه ساعة وقلت له من هذا الرجل الذي صلى في الهواء وما ذكرت له ما اتفق لي معه قبل ذلك فقال لي: هذا الخضر.

وبعدُ فتلك اللقاءات ليست كل ما خطه ابن عربي عن كراماته وما وقع له من كشف ورُقيٍ في سجل الأولياء، لقد ذكرت بعضها لضيق المساحة، فما هو رد أصحابي؟.

قال أهل العلم: مَنْ أفتى في مسألة وتحرج في أختها فقد بطلت فتواه جميعًا، فعلى المثقف أن يستقيم فيفتي في المسألة الواحدة بكلام واحد، ولكن أن ينكر الكرامة من هذا ويصدقها من ذاك فهذا أمر لا يليق. ثم إنني أخشى أن يكون أصحابي لم يطلعوا على كتاب «الفتوحات المكية»، فيكون أمرهم مع ابن عربي هو أمر التعصب لشيء في نفوسهم لا علاقة له بالرجل وفكره ومعتقده.

اقرأ أيضا:

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock