منوعات

«جماعة أنصار الإسلام» في منطقة الساحل الإفريقي (2-2): التراجع واستراتيجيات المواجهة

بولين لو رو – باحثة في المركز الإفريقي للدراسات الاستراتيجية

عرض وترجمة: أحمد بركات

في مايو 2017، أوردت تقارير أن مالام إبراهيم ديكو زعيم «جماعة أنصار الإسلام» قد لقي حتفه بسبب العطش والإنهاك بعد عملية عسكرية نفذتها قوات فرنسية وأفريقية مشتركة في منطقة الساحل (عملية برخان) ضد معسكر للمسلحين في غابة فولساري جنوب غرب مدينة جاو بمالي، التي تقع قرب الحدود المالية البوركينابية، وتعتبر «منطقة لوجستية رئيسية للإرهابيين»، بحسب بيان الجيش الفرنسي. وبعد موته، حل محله شقيقه جعفر ديكو، الذي اشتهر بحدة الطباع والعنف المفرط.

مالام إبراهيم ديكو: قائد جماعة أنصار الإسلام.

التفكك الداخلي

على خطى أخيه، خضع جعفر أيضا لتوجيهات أمادو كوفا، زعيم «جبهة تحرير ماسينا» في وسط مالي. رغم ذلك، كان جعفر يفتقد كثيرا إلى الجاذبية والكاريزما التي كان يتمتع بها أخوه. وعلى الأرجح، فقد أسهم هذا التغير في القيادة بدرجة أو أخرى في حالة التفكك الداخلي التي ضربت «جماعة أنصار الإسلام»، وأدت إلى تراجع أنشطتها. وتشير التقديرات إلى أن الجماعة لم تعد تضم حاليا، سوى بضعة مئات من المقاتلين الناشطين وشبكة من المخبرين والمؤيدين اللوجستيين الذين يتمركزون بين قريتي بولكيسي ونداكي في «إقليم سوم» في شمال بوركينا فاسو. ويُعتقد أن عددا من مسلحي «جماعة أنصار الإسلام» قد انشقوا عنها في أعقاب موت ديكو، وانضموا إلى «تنظيم الدولة الإسلامية في الصحراء الكبرى» (ISGS)، و«جبهة تحرير ماسينا» (FLM) التابعة لتحالف «جماعة نصرة الإسلام والمسلمين» (JNIM) الذائعتين في المنطقة، واللتين تجيدان توظيف وسائل التواصل الاجتماعي وأدوات الاتصال. 

تعقد البيئة العملياتية

إضافة إلى ذلك، فقد أسهم الحضور المتزايد لقوات الأمن البوركينابية في الأقاليم الشمالية من البلاد، إلى جانب الحضور العملياتي المتزايد للقوات العسكرية الفرنسية في إطار عملية «برخان» في وسط مالي في خلق بيئة عملياتية أكثر تعقيدا أمام «جماعة أنصار الإسلام». وتستهدف عملية برخان التي تقودها فرنسا بصورة منتظمة الجماعات المسلحة، بما في ذلك «جماعة أنصار الإسلام»، التي تختبئ في غابتي سيرما وفولساري في مالي. كما قامت القوات الفرنسية – بناء على طلب من الحكومة البوركينابية – بتنفيذ عمليات داخل بوركينا فاسو في أكتوبر 2018. وفي الوقت الذي قصرت فيه القوات الأمنية البوركينابية عن استعادة سيطرتها كاملة على جميع أجزاء «إقليم سوم»، أدى التواجد الأمني المتزايد للقوات الأمنية بطول الحدود المالية البوركينابية إلى تعقيد الأوضاع أمام الجماعات الراديكالية المسلحة الموجودة في «منطقة الساحل الإفريقي»، مثل «جماعة أنصار الإسلام»، لتنفيذ عملياتها.  

وبينما كانت «جماعة أنصار الإسلام» تعتمد على سردية تهميش الدولة ونبذها لتجذب إليها المواطنين الساخطين على الأوضاع، فشلت الجماعة في توفير الخدمات للمجتمعات المحلية، بعد أن نجحت فعليا لبعض الوقت في عزلها عن الدولة. وبناء على ذلك، فقدت الجماعة الدعم المحدود الذي كانت تحصل عليه من داخل هذه المجتمعات، خاصة في أعقاب موت قائدها  الأهم مالام إبراهيم ديكو.

 كما يشير التحول اللاحق في استراتيجية الجماعة إلى استهداف مدنيين وانتشار عمليات النهب المسلح في جميع أنحاء المنطقة في غياب تام للوجود الأمني من قبل الدولة إلى اتساع الهوة بين «جماعة أنصار الإسلام» والمجتمع المحلي، وهو ما أضاف إلى تراجع أنشطة «جماعة أنصار الإسلام» حتى هذا الوقت من عام 2019.

الخطر الذي يهدد اللُحمة الوطنية

تُعرف بوركينا فاسو بالاعتدال والتسامح، كما يتسم الشعب البوركينابي بالتفاؤل والأمل في المستقبل. ففي أكتوبر 2017، وهو العام الذي شهد تدفق ثابت للعمليات والأحداث المأساوية وتصاعد وتيرة العنف، أعلن 55% من البوركينابيين الذين تم استطلاع آراءهم أن بلدهم «تسير في الاتجاه الصحيح»، بحسب دراسة أجراها «معهد تيموكو مارك جارانجو العام للحوكمة والتنمية»، ومقره في أواجادوجو. رغم ذلك، فإن هذه القدرة على التعايش في وئام وتجاوز الخلافات (ما يطلق عليه «Vivre Ensemble» (نعيش معا) تقع بين مطرقة غياب الدولة وسندان الاستقطاب الإثني الذي تمارسه الجماعات الإسلامية الراديكالية.

على سبيل المثال، ساهمت العلاقة المتصورة بين «جماعة أنصار الإسلام» وشعب «قبائل الفولاني» في دفع السكان المحليين في المنطقة المحيطة إلى تفعيل «العدالة الأهلية». و بناء على ذلك، قامت ميليشيات الدفاع عن النفس، التي تشكلت في مجتمعات «موسي» (وهي طائفة عرقية تنتشر في غرب إفريقيا وتعود جذورها إلى ما يعرف الآن بدولة بوركينا فاسو) ويطلق عليها اسم «كوجلويوجو»، بمنح نفسها سلطة أخذ القصاص وتحقيق العدالة، في ذروة صعود الجماعات الإسلامية المسلحة من شاكلة «جماعة أنصار الإسلام»، وانعدام الأمن.

وبالفعل، قامت «ميليشيات كوجلويوجو» بتعقب المجرمين وقطاع الطرق، إضافة إلى الجهاديين، وكانت غالبا ما تنزل بهم عقوبات قاسية، كما قامت في بعض الأحيان بمهاجمة الأبرياء. وقد تم توجيه الاتهام إلى هذه الميليشيات في أحداث مذبحة ييرجو، التي وقعت في 1 يناير 2019، وأودت بحياة ما لا يقل عن 49 من المنتمين إلى قبائل «الفولاني» في هجوم انتقامي بسبب ارتباطها المزعوم بالجماعات الجهادية.

تؤدي هذه التوترات بين طوائف المجتمع المختلفة إلى تفاقم الوضع الأمني العام في البلاد، وتهدد بخلق مزيد من الانقسامات بين الطوائف التي سبق – كما يؤكد التاريخ – أن تعايشت في سلام ووئام. وسواء كان ذلك جزءا من استراتيجية مقصودة، أو نتيجة للارتباط المتصور بين رعاة الأغنام الفولانيين و«جماعة أنصار الإسلام»، فقد أثارت الفرضية الأخيرة وقيعة متأججة بين الطوائف الأثنية المتباينة في بوركينا فاسو، وأسهمت في إضعاف اللُحمة الوطنية في البلاد. وتتطلب مواجهة هذا التهديد معالجة جذرية من قبل السلطات المحلية والقادة المجتمعيين بعد أن صار التسامح الاجتماعي، الذي مثل سمة أساسية لدولة بوركينا فاسو، على المحك.    

استراتيجيات الحل

في أغسطس2017، وقبيل الفترة التي شهدت ذروة نشاط «جماعة أنصار الإسلام»، أنشأت الحكومة  في بوركينافاسو، صندوق طوارئ لمنطقة «الساحل الإفريقي»، بما في ذلك «إقليم سوم» برأس مال 772 مليون دولار أمريكي، وذلك من أجل تطوير الحكم والإدارة المحلية في المنطقة. وفي يناير 2019، أعلن رئيس الوزراء آنذاك، بول كابا تيبا، أن هذا البرنانج سمح بالفعل بإنشاء العديد من المدارس والمستشفيات والطرق، وأنه تم تنفيذ حوالي 50% منه، مضيفا أنه تم إنفاق 13 مليون دولار في عام 2017 و17 مليون دولار في عام 2018. وفي يونيو 2019، تم إضافة 77 بلدية إلى هذا البرنامج. لا شك أن هذه الجهود الحكومية البناءة قد ساعدت بقوة في تقويض الدعم المحلي لجماعة أنصار الإسلام، وذلك من خلال محاربة سردية تهميش الدولة والاستغناء عن خدماتها.

رغم ذلك، لا يزال هناك الكثير مما يجب إنجازه. فقد شكت منظمات المجتمع المدني من عدم إلقاء القبض على أي فرد في أعقاب الصدامات الإثنية الدامية التي وقعت في مدينة ييرجو في بداية عام 2019. إضافة إلى ذلك، تواجه القوات المسلحة البوركينابية ادعاءات بممارسة بعض الانتهاكات والقتل خارج نطاق القانون في العديد من القرى، التي تعرض مواطنوها لأعمال عنف من قبل الجماعات الإسلامية المسلحة. لا شك أن هذه الجرائم المُدعاة تمنح المصداقية لسرديات الظلم التي روج لها الإسلاميون المسلحون. ولمجابهة هذا الخطر، يجب أن تقوم قوات الأمن والحكومة بالتعاون والتنسيق مع السكان المحليين حتى لا يفقد المواطنون، الذين كانوا ضحايا لعمليات الجماعات المسلحة، ثقتهم في الدولة وممثليها.

ويعد العمل على إعادة بناء الثقة مع المجتمعات المحلية ضرورة قصوى للحيلولة دون عودة ظهور «جماعة أنصار الإسلام»، أو غيرها من الجماعات المسلحة. كما أن من الضروري أيضا أن تقوم الحكومة بنشر استراتيجية واضحة لمكافحة السرديات المثيرة للانشقاقات والانقسامات بين الجماعات الإثنية المختلفة التي يستخدمها الإرهابيون.

ففي نهاية عام 2015، كان الهدف من إنشاء مرصد وطني لمنع وإدارة الصراعات المجتمعية، هو تعزيز وتيسير الوساطة الاجتماعية. لكن تاثير هذا المرصد لا يزال محدودا، حيث فشل في منع تسارع وتيرة التوترات والعنف بين الجماعات الإثنية. وتتطلب هذه المبادرة تجديد الدعم والموارد الحكومية لتعزيز دور الوساطة الاجتماعية وتوحيد قادة ورموز المجتمع  على موقف موحد ضد أنشطة «جماعة أنصار الإسلام» وغيرها من الجماعات الراديكالية المسلحة.

*هذه المادة مترجمة. يمكن مطالعة النص الأصلي باللغة الإنجليزية من هنا ?

أحمد بركات

باحث و مترجم مصرى

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock