السمسمية واحدة من أكثر الآلات الموسيقية ارتباطا وتعبيرا عن الشخصية المصرية، ليس فقط لخصوصيتها حيث تشتهر في مدن القناة دون غيرها، وليس لقدمها حيث تعود جذورها إلى الحضارة الفرعونية القديمة، وإنما لكونها شريكا وشاهدا وفاعلا أساسيا في العديد من حكايات وقصص النضال الوطني للمصريين منذ منتصف القرن التاسع عشر وحتى وقتنا الراهن.
https://www.facebook.com/Aswatonline/videos/625394684659243/?t=1
لمحة تاريخية
في هذا السياق يأتي الفيلم التسجيلي (أوتار مصرية) للمخرج المصري المبدع عمرو عبدالمطلب، والذي استطاع بمهارة فائقة – وفيما لا يزيد عن السبع وعشرين دقيقة ،هي مدة عرض الفيلم، إعادة سرد التاريخ الوطني المصري المعاصر منذ منتصف القرن التاسع عشر وحتى الإعلان عن وقف إطلاق النار في أعقاب حرب أكتوبر المجيدة، وذلك من خلال رصد تطور أغاني السمسمية بوصفها تعبيرا حقيقيا عن الوجدان الوطني في انكساراته وانتصاراته على السواء، وهي فكرة – بحسب مخرج العمل- واتته أثناء وجوده فى الخارج واستماعه لبعض أغاني السمسمية وخاصة أغنية «يا ريس البحرية يا مصري» التي كانت تُغنى في فترة حرب الاستنزاف.
في هذا الفيلم، الذي استضافت نقابة الصحفيين مساء الأربعاء (16 أكتوبر الجاري) العرض الأول له، تبدأ الحكاية بقصة نزوح الآلة الموسيقية التي تشبه القيثارة الفرعونية من صعيد مصر مع آلاف العمال المصريين الذين جٌلبوا مقيدين في الأغلال للمشاركة في أعمال حفر قناة السويس في عهد الخديوي اسماعيل في منتصف القرن التاسع عشر. وقد كانت السمسمية شاهد عيان على جريان دماء المصريين وعرقهم قبل أن يمتلىء الممر المائي الأهم عالميا بالمياه.
أغانى عابرة للزمن
يتوقف الفيلم كثيرا عند مرحلة تاريخية مهمة من عمر مدن القناة الثلاث (السويس، بورسعيد، الاسماعيلية) و حيث حدث العدوان الثلاثي على مصر عقب قيام الزعيم الراحل جمال عبد الناصر بتأميم القناة، و تحولت خلالها السمسمية إلى سلاح مواجهة يثير الحماس ويشد العزائم، أوبتعبير المخرج عمرو عبدالمطلب صار المقاومون يمسكون ببنادقهم نهارا، وسمسميتهم ليلا يرددون أغانيهم الحماسية على إيقاعات السمسمية فيمتلئون بالرغبة في مواجهة الغزاة وإجلائهم عن سائر الأرض.
لم يتوقف هذا الدور لجماعات النضال الوطني ولا لأغانيهم على ايقاعات السمسمية- والتي اعتبرها المخرج تكأة لإعادة سرد التاريخ الوطني- عند مرحلة معينة بل تجلى هذا الدور فى كل مراحل كفاح الوطن، وقد بدأت السمسمية كمحاولات فردية، ثم جماعات كفرقة (أولاد أرض) – منذ العدوان الثلاثي عام 1956، مرورا بحرب 1967، وحرب الاستنزاف التي شهدت عشرات العمليات البطولية الفدائية، وحتى حرب التحرير في أكتوبر من عام 1973.
جمال عبد الناصر
الانتصار للبسطاء
العرض لقى استحسان وتشجيع وتقدير الحضور الذي جمع لفيفا من كبار الإعلاميين والصحفيين والكتاب والمفكرين والسياسيين المصريين، وأدار جلستها الأستاذ محمد سعد عبدالحفيظ عضو مجلس نقابة الصحفيين.
فقد عبر الإعلامي الكبير محمود سعد عن تقديره للعمل باعتباره يفتح نافذة لأجيال من شباب مصر على تاريخ مشرف من المقاومة والنضال الوطني ،بالإضافة إلى نجاحه في تسليط الضوء على عدد من الشعراء الوطنيين العظماء الذين لم ينالوا حقهم، ولم تنل أعمالهم ما تستحق من تقدير وعلى رأسهم الشاعر محمد عبدالقادر.
في حين عبر الكاتب الكبير عبدالله السناوي عن امتنانه الكبير للمخرج عمرو عبدالمطلب الذي نجح في نقل مشاهد من بطولات البسطاء، والذين اعتبرهم الأبطال الحقيقيين للمقاومة الشعبية قبل أن يطوي النسيان ذكراهم وذكرى بطولاتهم، كما طويت بطولات العديد من الرموز الوطنية في ظل طغيان عدد من الأساطير الواهية التي ارتبطت تاريخيا بالسلطة السياسية ومشروعها ابتداءا من (بطل الحرب والسلام)، ثم (بطل الضربة الجوية الأولى)، ونسينا ألاف البطولات التي تراوحت ما بين القيادات العسكرية او الجندي العادي الذي لم يكن يملك سوى دمائه ليضحي بها.
الفكرة نفسها أكد عليها الأستاذ محمد الخولي –كبير المترجمين بالأمم المتحدة- والذي أشاد بنجاح المخرج في تقديم وتوثيق مواقف بطولية من أفواه الصناع الحقيقيين أو شهود العيان والمعاصرين لكفاح المصريين في مدن القنال، وقدرته على توثيق دور السمسمية كآلة فنية باعتبارها جزءا أصيلا من المعركة.
ومن جانبه أشار الإعلامي والكاتب السياسي صلاح زكي أحمد إلى أن أحد نقاط قوة الفيلم هو التأكيد على أن آلة السمسمية هي إبداع فني مرتبط بمدن القنال كلها وليس فقط مدينة السويس كما قد يعتقد البعض.
أما الدكتور محمد السعيد إدريس الخبير بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، فقد أثنى على المحاولة الجادة للمخرج عمرو عبدالمطلب في القراءة التحتية للتاريخ، أي من خلال طبقات الشعب البسيطة وليس التاريخ الرسمي الذي عادة ما يخضع للحكام وللإرداة السياسية للسلطة، واعتبر أن المخرج فتح بابا لا ينبغي أن يوصد، لتكريس لحظات البطولة والصمود في التاريخ المصري.
وقد بدا الإعلامي الكبير حسين عبدالغني الأكثر حماسا لفكرة العمل التي أكدت دور الفن ومحوريته في النضال الوطني، فإذا كان عادة ما يشار إلى بعض الفنانين أو المطربين باعتبارهم منسوبين أو داعمين لسلطة ما، فإن الأغاني التي أفرزتها السمسمية وفرقة (أولاد الأرض) كانت تعبيرا جليا عن الوجدان الوطني والمزاج الشعبي الذي قاوم وناضل من أجل التحرر، وكانت أغانى السمسمية، و من غنوها ولحنوها وألفوها، منسوبين وداعمين للوطن، وللوطن فقط.