فن

أحبه الكبار والصغار.. محمد فوزى.. موسيقار حرّر الغناء من قيوده

فى قرية كفر أبو جندى التابعة لمركز طنطا والقريبة من مدينة السيد البدوى، عاش الشيخ عبد العال حبس الحو الذى كان يقرأ القرآن فى المآتم والمناسبات المختلفة بالمجان لوجه الله. وقد عُرف بصوته الجميل  المتفرد وكان يعمل مزارعا ليعول أسرته الكبيرة.

تزوج الشيخ عبد العال ثلاث مرات ـوأنجب خمسة وعشرين ابنا وابنة، منهم ثلاثة ورثوا عن والدهم حلاوة الصوت وطلاوته هم، فوزى الذى عرف فيما بعد باسم محمد فوزى ،وزوزو التى عرفت باسم هند علام وبهيجة التى عرفت باسم هدى سلطان.

محمد فوزي

أسرة المطربين

زوزو أو هند علام هى كبرى الاشقاء الثلاثة مطربى عائلة الحو، ولدت عام 1916 وكان صوتها جميلا، لكنها بدات الغناء متأخرا وكانت تخشى غضب والدها من احترافها الغناء، وقد شاركت فى ثلاثة أفلام «أنا وقلبى» مع عماد حمدى و«ليالى الحب» مع عبد الحليم حافظ و «إدينى عقلك» مع إسماعيل ياسين، وغنت عددا قليلا من الأغنيات لمحمود الشريف وفريد غصن وأحمد صدقى وشقيقها محمد فوزى، ثم طواها النسيان بعد أن انسحبت من الحياة الفنية وتزوجت وعاشت بعيدة عن الفن إلى أن توفيت عام 1997، وكانت شديدة الشبه بشقيقتها الصغرى هدى سلطان.

https://youtu.be/H247Mod7bvM?t=827

هند علام

أما بهيجة عبد العال، فقد كانت احسن حظا من شقيقتها زوزو لتصبح المطربة والممثلة الشهيرة هدى سلطان بعد أن أنقذها زواجها من فريد شوقى من غضب شقيقها الأكبر محمد فوزى الذى كان يعارض عملها بالفن.

أما فوزى عبد العال حبس الحو، فهو محمد فوزى صاحب الصوت الجميل والألحان البديعة و المختلفة فى تاريخ الغناء العربى، والذى أسس مدرسة جديدة فى التلحين وفى الموسيقى وفى الأغنية الخفيفة البسيطة الجذابة صاحبة الكلمات البسيطة واللحن المميز.

هدى سلطان

مطرب الموالد

ولد فوزى عبد العال الحو فى الثامن والعشرين من أغسطس عام 1918، وتمتع منذ صغره بصوت عذب رائق ورثه عن والده قارىء كتاب الله، وكان معجبا مفتونا بعبد الوهاب وأم كلثوم، يتغنى دائما بأغانيهما ويتابع كل أخبارهما، كما كان لاعبا بفريق الكرة بالمدرسة الثانوية، وكثيرا ما كان الفريق يسافر بالقطار ليلعب مباريات فى المدن القريبة من طنطا، مثل دمنهور والزقازيق وبنها.

فى رحلة القطار كان فوزى يغنى طوال الرحلة فينال استحسان معلميه الذين نصحوه بالسفر إلى القاهرة للدراسة بعهد الموسيقى العربية. فى تلك الأثناء تعرف فوزى على  موسيقىٍ مبدع من أبناء طنطا لم يحقق الشهرة ولا الذيوع، لأنه ظل مقيما بطنطا ولم يتركها إلى القاهرة – فتعلم منه قواعد وأصول الغناء والتلحين واستفاد منه كثيرا، هو محمد الخربتلى. وذاعت شهرة فوزى الصغير – وهكذا كان اسمه الفنى فى البداية- ابن الشيخ عبد العال وتلميذ الثانوى الذى يبهر صوته الجميع، وفى إحدى إجازات الصيف طلبته إحدى الفرق الغنائية التى كانت تحيى حفلات بالموالد والأعياد، لكى يكون مطربها ووافق فوزى وذهب مع الفرقة ليحيى مولد سيدى إبراهيم الدسوقى مقابل 30 جنيها فى الشهر. وغنى فوزى وقتها أغنية «خايف أقول اللى فـ قلبى» للموسيقار عبد الوهاب، فنال تصفيقا وإعجابا غير مسبوق، لكن ضابطا كان يتولى تأمين المولد طلب لقاء هذا المغني الصغير بشكل عاجل، وحين التقاه أخبره أنه يمت له بصلة قرابة ونصحه بترك الغناء وترك الفرقة الغنائية وأن يتفرغ لدراسته، فشعر فوزى بالحرج من قريبه فعاد إلى طنطا حزينا كسيرا.
 لكن حلم الغناء والشهرة والنجومية كان قد تمكن من فوزى فهرب من طنطا إلى القاهرة، ليلتحق بمعهد الموسيقى حيث تم قبوله على الفوز بعد أن ظهرت موهبته منذ اللحظة الأولى التى غنى فيها، وأرسل تلغرافا لوالده، يخبره فيه بالتحاقه بالمعهد فلم يتلق منه ردا لا بالسلب ولا بالإيجاب.

تجارب جديدة

فى معهد الموسيقى تعرّف فوزى على مصطفى العقاد الذى كان موظفا كبيرا بالمعهد، وقد ساعده كثيرا على أن يعمل فى حفلات الأفراح والمناسبات المختلفة لقاء جنيه واحد للحفلة. ثم قرر فوزى أن يحقق نقلة جديدة فى حياته قال هو عنها فى تسجيل نادر: «تقدمت للعمل والغناء فى الإذاعة المصرية وقُبلت، وأردت أن أقدم فكرا جديدا غير مألوف، وأن أقدم أغنية قصيرة يصاحبها كورال اسمها «يا نور جديد فى يوم سعيد»، لكن مصطفى رضا المهيمن والمسيطر على شئون الفن فى الإذاعة فى ذلك الوقت كان رجلا تقليديا لا يحب الجديد ولا التجديد قال لى بالحرف الواحد «ايه الكلام الفارغ اللى انت عامله ده» وبالطبع اترفدت من الإذاعة».

وبعد خمس سنوات من هذه الواقعة عاد محمد فوزى من جديد للإذاعة وقدم أغنية رائعة من تأليف أبو نواس كتبها وهو يطوف بالكعبة اسمها «إلهنا ما أعدلك». وفى تلك الأثناء فكر فوزى فى عمل أوبريتات مسرحية، وقد كان يعتبرها من أهم الأعمال الغنائية، وفاتح المسئولين فى الإذاعة برغبته، وكان أوبريت نور الصباح الذى قال عنه فوزى إنه «كان محاولة ناجحة لعمل أوبريت. كان فوزي يرى أن أغنية الأوبريت مرتبطة بموضوع ما وتأخذ احساس الموضوع بشكل أعمق، ولذلك فإن أعمال الأوبريتات – من وجهة نظرة – كانت من أعظم الأعمال».

ويواصل محمد فوزى نهجه وأفكاره الجديدة مع بدايات عمله فى السينما بأغنية قصيرة اسمها «آدى المعاد قرب ولا جتش» مدتها أربع دقائق فقط. وعن هذا الفكر الجديد قال فوزى «إنه تغيير وإنه مختلف عن طريقة البراعة الصوتية الحلزونية» فى إشارة إلى الأغنيات الكلاسيكية الطويلة.

أغانى الأطفال

تميز محمد فوزى وتفرد فى الغناء للأطفال وكعادته كان جديدا ومختلفا ورائعا وسباقا. وعن الغناء للأطفال قال محمد فوزى: «أغنية الطفل تأخذ مجهودا يفوق المجهود الذى تأخذه الأغنية العاطفية بخمسين أو ستين ضعفا، فحينما أفكر فى أغنية للأطفال أفكر كيف يسمعونها ويرددونها ويغنونها، وعندما كنت فى ألمانيا سمعت اسطوانة فيها ضحك وبكاء لطفل وقررت أن استعين بضحكة وبكاء طفل فى أغنية وحينما عدت إلى مصر استعنت بحوالى مائة طفل ،وضحكوا وبكوا واستمعت إليهم جميعا لكن ضحكهم وبكاءهم لم يكن مثلما استمعت إليه فى ألمانيا، وقررت أن آخذ ضحكة وبكاء الاسطوانة التى سمعتها فى ألمانيا فى أغنية «ماما زمانها جاية» أما أغنية ذهب الليل فكانت سهلة وبسيطة وجذابة «وقد ارتبط الأطفال فى مصر والعالم العربى بالأغنيتين ارتباطا وثيقا».

و لمحمد فوزى فى بنك الفن رصيد محترم من الأفلام التى قام ببطولتها وغنى فيها ومنها «مجد ودموع -ورد الغرام -الآنسة ماما – ليلى بنت الشاطىء -فاطمة وماريكا وراشيل وغنى أكثر من 400 أغنية لعل من أشهرها شحات الغرام – ويلك ويلك – ماله القمر ماله – تعب الهوى قلبى» كما لحن ساكن فى حى السيدة لعبد المطلب – يا أعز من عينى وكل دقة ف قلبى بتسلم عليك لفايزة أحمد، وكان سابقا فى تلحين أغانى الفرانكو آراب وأشهرها بالطبع «يا مصطفى يا مصطفى».

الضيف الخفيف

بحثت كثيرا عن الوصف المناسب لمحمد فوزى كفنان مبدع ومتفرد من ناحية أو سيرة حياته من ناحية أخرى فلم أجد فى رأيى أفضل من وصفه بـ «الضيف الخفيف»، فقد كان محمد فوزى بالفعل، ضيفا خفيفا لا تمل منه بل تريده أن يكون إلى جوارك يؤنسك بخفة ظله وبساطة أدائه وحلاوة صوته، وكان صوته قريبا للأذن وللقلب، وفضل كثيرا الأغانى القصيرة، والجمل الموسيقية القصيرة والمعبرة والبسيطة، لذلك دخل صوته وأغانيه وطربه القلوب بلا اسئذان.

أما على مستوى حياته الخاصة فقد تزوج محمد فوزى ثلاث مرات، أولها من السيدة هداية عام 1943، وطلقها عام 1952 بعد تسع سنوات من الزواج وأنجب منها المهندس نبيل عام 1944 والمهندس سمير عام 1946 والدكتور منير عام 1948، ثم تزوج من الفنانة مديحة يسرى  عام 1952 لمدة سبع سنوات وأنجب منها عمرو عام 1955 والذى رحل شابا صغيرا فى حادث سيارة، ثم تزوج من كريمة المعروفة بـ «فاتنة المعادى عام 1960 وأنجب منها ابنته إيمان عام 1961 واستمرت على ذمته حتى وفاته فى العشرين من أكتوبر عام 1966 وهى الوفاة التى حدثت بعد مرضه النادر الذى فقد بسببه أغلب وزنه. وقد قيل إنه كان تليفا بالغشاء البريتونى، وهو مرض شديد الندرة، بينما قيل إنه كان مريضا بسرطان العظام. وعلى أية حال فقد داهم المرض الخطير محمد فوزى بعد أن تم تأميم شركة الأسطوانات «مصر فون» التى كان يمتلكها، وخصص له راتب شهرى قدره مائة جنيه فقط. ولشدة حزنه أصابه المرض، وحين رحل عن 48 عاما، لم يكن فى بيته مليم واحد، رحمه الله.

Related Articles

Back to top button

Adblock Detected

Please consider supporting us by disabling your ad blocker