على مدى يومين شهدت القاهرة فعاليات وأنشطة النسخة الثانية من «منتدى إعلام مصر» والذي ناقش هذا العام، وبحضور نخبة كبيرة من أهل الاختصاص وأبناء المهنة، المناخ الصحفى والإعلامي في مصر والتحديات التي يواجهها، بحثا عن مخرج لأزمات الصحافة ومشاكل الإعلام، وصولا إلى أداء ومنتج إعلامي جيد تتوافر فيه المعايير المهنية.
أوضاع بائسة
وخلال حديثه في مستهل جلسات المنتدى اعتبر الكاتب الصحفي عبدالله السناوي أن أوضاع الصحافة في مصر تشهد تدهورا واضحا، وثمة ضرورة للتفكير في حلول، ولابد أن تكون البداية من الصحفيين أنفسهم باجتذاب القاريء فهو «سيد الصحيفة»، مشيرا إلى أن هناك مشكلة في مستوى الكتابة الصحفية والتغطية، بعدما أصبحت الصحف لا تقدم جديدا، وتعرض الأخبار التي يتابعها القاريء في القنوات الفضائية و مواقع التواصل الاجتماعي مسبقا.
وتطرق السناوي في مداخلته إلى انهيار مصداقية الصحافة، الذي أرجع أسبابه إلى غياب تأهيل الصحفيين وعدم الإلمام بالقواعد المهنية الأساسية، وغياب المدارس الصحفية الكبرى التي كانت موجودة في مصر، فغاب التنوع في الكتابة والأخبار وغاب «أسطوات» المهنة.
وأكد السناوي أن إحدى أهم مشكلات الإعلام والصحافة حاليا تأتي بسبب التضييق الذى أصبحت تتعرض له المهنة، منوها إلى أن الفضائيات والصحف تردد نفس الأحاديث وتقدم المحتوى ذاته، في حين أن أبجديات المهنة تقوم على فكرة التنوع وتعدد المدارس الصحفية كي يكون لدى القاريء فرصة للاطلاع على وجهات نظر مختلفة وتكوين عقيدته الخاصة، وهو ما أوضحه السناوي بقوله إن «توحيد الصوت يجعلنا إزاء حالة «إملاء» ما يعقبه انصراف».
وقال «نحتاج إلى إحياء المدارس الصحفية المصرية وصناعة صحافة شعبية بأصولها وقواعدها المعروفة، بجانب أخرى محافظة تقليدية للوصول إلى الذوق العام»، مؤكدا أن من علامات الصحافة الجيدة هي اكتشاف المواهب وتقديمها,
وحذر السناوى من مغبة استمرار الأوضاع الصحفية الحالية قائلا «إذا كنا حريصين على مستقبل هذا البلد وتحصينه لابد من إطلاق الحريات، لا سيما في ظل الإنتشار الواسع للفضائيات ومواقع التواصل الاجتماعي التي لا تحكمها قواعد مهنية، وتسير بعشوائية ومن ثم يصبح الرأي العام عشوائيا ولا يسمح ببناء وجهة نظر موضوعية.. معتبرا أن هناك فارقا بين الرقابة الذاتية الاختيارية وفقا للقواعد المهنية، والرقابة الذاتية تحت حد السيف التي تعد أسوأ انواع الرقابة الذاتية».
https://www.facebook.com/egyptmediaforum/videos/1491538784331358/?t=398
اتجاه خاطيء
من جانبه قال الخبير الإعلامي ياسر عبد العزيز إن الحرية ليست الشرط الوحيد أو الضمانة الوحيدة للصحافة الجيدة لكنها شرط أساسي، والمجتمعات التي تشهد درجات مرتفعة من الحرية هناك فرص أكبر لبروز صحافة جيدة بها. وأشار إلى أن هناك من يعتقد – مثلا- أن الحريات هى التى أطاحت بنظام مبارك ما نتج عنه اتجاه عكسي قوامه إغلاق المجال العام، وهو اتجاه خاطيء، لأن الهامش الذي أعطاه نظام مبارك للمجال الصحفي والإعلامي «منحه عشر سنوات إضافية في الحكم لم تكن من حقه، وليس حقيقيا أن إطلاق الحريات الإعلامية هو الذي أطاح بنظام مبارك».
وأقر عبد العزيز بتراجع مصر في مجال الحريات الصحفية والاعلامية لافتا إلى أن القائمين على المجال الصحفي والاعلامي لا يدركون مهمتهم وأدوارهم، وبعضهم لم يقرأ الدستورأو القوانين المنشئة للهيئات التي ينتمون إليها، محذرا من أن عدم توسيع الحريات يعني المزيد من الهشاشة والارتباك والخلل و تسليم وعي المواطن المصري إلى منصات أخرى، سواء قنوات وافدة لها أهداف لا يمكن التأكد منها، أو مواقع التواصل الاجتماعي التي لا يحكمها أي قيد تنظيمي.
ولفت إلى أنه ربما تحدث أحداث مفاجئة وطارئة تربك وتكشف الهشاشة والخلل فيبدأ من في موضع القيادة إعادة التفكير، وهو ما حدث خلال أحداث شهر سبتمبر الماضي، فهذه الأحداث كانت بمثابة ناقوس إنذار، ونأمل أن يكون ذلك بداية للإصلاح.
https://www.facebook.com/egyptmediaforum/videos/2972746962770397/?t=1
رقابة ذاتية
شهدت الفترة الاخيرة تطابقا لافتا في المحتوى بين الصحافة الخاصة والحكومية، وهو ما نتج عنه إحجام المتلقي وهجرة الشاشات والمطبوعات إلى مواقع التواصل الاجتماعي للحصول على الأخبار، وهو ما يشكل تحديا كبيرا أمام الصحافة ومستقبلها. وعن هذا التحدي قال عزت إبراهيم رئيس تحرير «الأهرام ويكلي» إنه بعد أن كانت المخاوف تتعلق بانقراض الصحافة الورقية، أضحت تتجه إلى الخشية من انقراض الصحافة عموما، خاصة بعد التوسع في دور منصات التواصل الاجتماعي».
وأضاف «أعتقد أن ما نراه الآن من صراع الصحافة من أجل البقاء في مصر ودول كثيرة هو شأن طبيعي، في ظل انتشار مواقع التواصل الاجتماعي واستحواذها على المحتوى وعائدات الإعلانات، ولابد من مناقشة جوهر الصناعة كي يمكننا الوصول إلى حلول وتقديم توصيات.. وأرى أن الحديث حول «الصحافة الجيدة» هو مصطلح مراوغ، فما يراه البعض جيد قد يراه آخرون غير جيد».
وأشار إلى أن ثمة فقرا في المحتوى وتوقف الإنفاق على تطوير صالات التحرير وتقديم صحافة استقصائية قوية في كثير من الصحف، حيث وأصبح الالتزام الوحيد يتعلق بتوفير وسداد الأجور والرواتب دون الالتفات إلى المحتوى، وذلك على مستوى المؤسسات الحكومية والخاصة».. وقال إن الشكوى من المحتوى هى السائدة، لكن تقديم الحلول أمر نادر، وثمة ضرورة لتقديم حلول والمفترض أن تخرج الحلول من أهل المهنة والتحرك في اتجاه السعي لجلب المزيد من الدخول لتقديم محتوى جيد، فالقاريء يبحث عن المحتوى الجيد في المواقع المختلفة».
وفي شأن التضييق على العمل الصحافي والإعلامي ومسألة الإملاءات على العاملين في الوسط الصحفي قال إبراهيم إن هناك نوعا من الرقابة الذاتية وثمة مبالغة فيما يتعلق بالمنع، فمن الممكن تقديم محتوى جيد به قدر من المهنية، لكن الخوف والقيود الذاتية هما ما يؤثر على المحتوى، والعاملون في المجال الإعلامي يلزمون أنفسهم بقيود أكثر مما تحتمل مؤثرين السلامة.
أين المصداقية؟
وفي كلمته قال الصحفي أحمد سمير: إن المصداقية هي المعيار البديهي لتقييم مدى جودة الصحافة من عدمها، مضيفا أنه «عندما يأتي الخبر ويستأذن الصحفي أولا قبل نشره فتلك ليست صحافة ولا إعلاما، واستخدام التحريض وخطاب الكراهية لا يمكن اعتباره إعلاما، ومن الطبيعي أن يتجه المتلقي إلى منصات أخرى لاستقاء المعلومات، ولا اعتقد انه يوجد صحفي ليس لديه الرغبة في القيام بدوره لكن المشكلة الأساسية تقع على المؤسسات المالكة»
وأشار سمير إلى أنه «ثمة ضرورة لتقديم الخدمة للقاريء وإرضائه واستضافة كل الأطراف والقيام بدور الرقيب على المؤسسات والمسئولين والانحياز إلى الجمهور ومشاكله».
https://www.facebook.com/egyptmediaforum/videos/417922645559067/?t=12