منوعات

دراسة جديدة تسلط الضوء على الدور الثورى للفلاحين المصريين

تتأرجح شخصية الفلاح المصري في العديد من الدراسات والأبحاث الاجتماعية بين الاستكانة والاحتجاج السلبي، ووصف الفلاح بأنه غير قادر على إحداث تغيير اجتماعي، فهو وفقا لتلك الدراسات، يتأقلم مع الواقع رغم تعرضه للاستغلال والتهميش وضيق العيش.

لكن دراسة جديدة للدكتور أحمد مجدي حجازي أستاذ علم الاجتماع السياسي وعميد كلية الآداب الأسبق جامعة القاهرة، جاءت لتدحض الكثير من هذه المقولات الفلاح المصري ودروه الثوري والاحتجاجي، وهي الدراسة التي كانت محور النقاش  خلال الندوة التي نظمتها الجمعية المصرية للدراسات التاريخية بالقاهرة قبل أيام. 

 في هذه الدراسة التي صدرت بعنوان «الفلاحون والثورة.. دراسة في ثقافة الاستكانة وفعل التمرد» يحاول الدكتور أحمد مجدي حجازي، تسليط الضوء على الدور الثوري للفلاحين المصريين، واختبار صحة الرأي الذي ذهب اليه كارل ماركس، الذى رفض الاعتراف إلا بالدور الثوري لعمال الصناعة، بينما وصف الفلاحين بالسلبية وعدم القدرة علي التحرك الثوري.

ويشير الدكتور حجازي إلى أن معظم الدراسات الاجتماعية، خاصة علم دراسة المجتمعات القروية، ظلت على مدى زمن طويل تنطلق من رؤية محافظة وتقليدية تُغفل الاستعانة باختبار الواقع، وامتلاك رؤي موسعة تجمع بين الأبعاد المعيشية المختلفة (الاقتصادية والاجتماعية والتاريخية والثقافية).

 وقد ظل هذا الرأي الأكثر شيوعا في الفكر الاجتماعي العالمي، إلى أن حدثت نقلة جديدة من خلال الفلسفة السياسية  للزعيم الصيني «ماوتسي تونج»، وهي النقلة التي أعادت تأكيد الامكانيات الثورية للفلاحين. ومن هنا أصبح موضوع الفعل السياسي ومقاومة الفلاحين للسيطرة السياسية والاستغلال الاقتصادي، ولتهميشهم وإقصائهم عن المجال العام، ذا أهمية كبري في الدراسات العلمية – التاريخية والاجتماعية المعاصرة للفلاحين.

شخصية الفلاح المصري

 وقد ركز الكتاب على دراسة الملامح الشخصية الفلاحية في مصر ودورها في الحركات الاجتماعية والسياسية. وسعى  المؤلف إلى تفكيك البنية الفلاحية ورصد رؤى وتصورات الفلاحين للعالم ومواقفهم من الشأن العام والخاص من خلال  محددين أساسيين:

-الأول هو تحليل الأوضاع البنيوية الداخلية، من خلال الكشف عن ظروف الشرائح الفلاحية، وموقفها من نمط الانتاج الزراعي السائد، وأثره علي تلك الشرائح وأوضاعها المعيشية وموقفها من «كبار الملاك» وأعوانهم ومن الدولة.

-الثاني هو التعمق في دراسة الظروف الخارجية للإنتاج الزراعي، أي درجة اندماج المنتجين الزراعيين في السوق العالمي، وطبيعة الاقتصاد المعيشي للفلاحين، خاصة البسطاء منهم، وعلاقاتهم بمن يُطلق عليهم «الكبار» والتعرف علي بنية القوة في الفضاء الريفي.

ولفهم الدور الثوري للفلاحين المصرين، يطرح المؤلف في دراسته مجموعة من القضايا الاجتماعية والسياسية المهمة وموقف الفلاحين منها، مثل موقفهم من قضايا الاستغلال المكثف التي تعرضوا لها في التاريخ المصري (الاستغلال الاستعماري، الحكومة المركزية، كبار الملاك، وأعوانهم في الريف؛ ناظر العزبة، الخولي.)، وما ترتب على ذلك من تعرض الفلاحين للاستغلال، وتهديد أوضاعهم المعيشية، والظلم والقهر والتهميش.

كما يسلط الكتاب، وعبر شهادات واقعية، الضوء على دور الفلاحين المصريين في الحركات السياسية والوطنية حيث تم اختيار طريقة دراسة الحالة لثلاث شهادات واقعية، وهى حركة عرابي (1881-1882)، وحركة البحث عن الاستقلال السياسي (1919)، والصراع الطبقي في قرية كمشيش 1966.

ويخلص الدكتور أحمد حجازي في كتابه، الذي أعتمد فيه على الوثائق التاريخية، والصحف والمجلات، والمذكرات، وحوارات مع شهود عيان، وزيارات ميدانية، ومحاضر تحقيق، إلى مجموعة من النتائج المهمة  في مقدمتها الدور الفاعل والمهم الذي يلعبه المنتجون الزراعيون البسطاء سياسيا، وذلك وفقا لمقومات محددة وشروط اجتماعية معينة. ويشير إلى أن الوقائع التاريخية في ريف مصر توضح أن حركات الفلاحين الاحتجاجية، كفعل جمعي منظم، لا تنتج من عوامل مادية فحسب، بل هناك محور معنوي أخلاقي يتعلق بشعور الفلاح بالظلم الاجتماعي، وضعف آليات العمل القابل للتغيير، فيتملكه الشعور بالغضب والضغط الاجتماعي، فتتحول سلوكياته من الاستكانة إلى التمرد، ويصبح العنف سبيله للتخلص من أزماته، لذا يتحول إلى فعل التدمير، والذي ظهرت مؤشراته في تكسير وهدم وحرق ممتلكات كبار الملاك وضد السلطة.

الفلاحون.. والنخب

وتؤكد الدراسة / الكتاب، ومن خلال دراسات الحالة، قدرة الفلاحين المصريين على التعبيرعن مصالحهم، وتمثيل أهدافهم وتنظيم حركاتهم الاجتماعية الخاصة بهم. وكان تمرد الفلاحين كرد فعل علي ما يهدد حياتهم المعيشية، نتيجة لأوضاع متشابكة داخلية (استغلال مكثف، فقر معيشي، تدني المستوي الاجتماعي، تناقضات)، وخارجية (الاندماج في السوق الرأسمالي العالمي….).

وقد أخذت أشكال الاحتجاج في الريف المصري في التطور تدريجيا، من ردود أفعال سلبية كالهروب من البلد (إقصاء ذاتي)، إلي احتجاجات وتمرد فردي، إلي رد فعل جماعي تلقائي موجه ضد رموز السلطة والحكومة، وأخيرا ضد السلطة الأجنبية  مثلما جرى في حادثة دنشواي 1906، وقبلها حركة عرابي 1881/1882، ثم ثورة 1919، وأحداث بهوت 1952، والصراع  الطبقي في كمشيش ضد «كبارالملاك»، والذي بدأ مبكرا منذ عام 1936 وحتي السبعينيات.

وحسب الكتاب فقد لعبت العلاقة الجدلية بين أبعاد ثلاث هي الرأسمالية العالمية، والدولة، ورموز السلطة المحلية، دورا في تنمية الشعور بالظلم والضغط الاجتماعي لدي الفلاحين، حيث تمثل عوامل تهدد حياتهم «لقمة العيش»، وكان من نتائجها تنامي احتجاجات وأفعال تقترب من الحركات الثورية ضد كبار الملاك أولا ،وضد الهيمنة الأجنبية ثانيا، وهو ما ظهر في مشاركتهم في الحركات الوطنية.

 تشير الدراسة إلي ملاحظة أساسية، وهي أن الممارسات الثورية في الغالب الأعم في مجتمعاتنا تختفي سريعا، حيث يتضح دائما أن هناك بعدين لا يكتملان، الأول يتعلق بمصالح النخب ودرجات وعيها بأهدافها ومصالحها السياسية، (البعد السياسي النخبوي)، والذي يتناقض مع البعد الثاني المتعلق بمصالح الجماهير التي تشكل الفعل الثوري لدي الجماهير البسيطة، أي دوافعهم للاحتجاج والتمرد والقيام بالنضال من منظور مخالف للنخب.، فهم يحتجون بهدف اجتماعي ويشتركون لنفس الهدف في المقام الأول. لذا نلاحظ بوضوح، كما يرى المؤلف-  ابتعاد الجماهير عن ساحة النضال حين تدرك أنها تعمل فقط كأداة لصالح النخب ولا تناضل من أجل أهدافها  الذاتية.

منى عزت

باحثة مهتمة بقضايا العمل والمرأة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock