دائمًا ما أطالب بتجديد «الفكر الدينى» لا «الخطاب الدينى»، إذ إن الفارق بينهما شاسع جدًا. والمقصود بـ«الفكر الدينى» هنا ما يمثل فهم الإنسان للدين، ورؤيته الشخصية، وليس المقصود بذلك الفكر أن نجدد الدين الذي يمثل النصوص المقدسة والكتب السماوية بالطبع، وليس المقصود كذلك تجديد شكل الخطاب الدينى وكلماته بما يتواكب مع مفردات العصر، بقدر ما يتعلق الأمر بإعادة نظر وتعديل مضمون الفكر، بما لا يتعارض أو يمسّ النصوص الدينية والثوابت الإيمانية.
وفى اعتقادى دائمًا أن تجديد «الفكر الدينى» يرتبط بشكل أساسى بتجديد التعليم الدينى في مصر، فالتعليم يمكنه سدّ الفجوة بين التراث والتحديث بالمنطق العلمى، الذي يدعم أركان الدين في مؤسساتنا الدينية العريقة، وليس بالمنطق الخرافى القائم على الدجل والخرافات، هذا هو الحل، بدلًا من تدعيم فقه التبرير للعجز والفشل والهزائم أمام الغرب على مدار 60 عامًا مضت. ولذا أؤمن بأن صناعة الأفكار الحقيقية، بالتبعية، هي السبيل لتجديد «الفكر الدينى»، ومن هذا المنطلق أسعدنى كثيرًا أن تقوم جريدة «صوت الأزهر»، في عددها الصادر يوم الأربعاء الماضى، 25 ديسمبر 2019، بنشر ملف كامل بعنوان: «وجعلنى مباركًا أين ما كنت.. عيسى.. الأزهر والمواطنة.. وثائق ومناهج ومواقف» للاحتفال بميلاد السيد المسيح على صفحات الجريدة التي يترأس تحريرها الصديق أحمد الصاوى.
تضمن الملف العديد من الإسهامات الفكرية والبحثية المهمة، وتنوع التناول من رسالة الإمام الأكبر د. أحمد الطيب، «شيخ الأزهر الشريف»، إلى مقالات العديد من رجال الدين والمفكرين والكتّاب. وقد شاركت بمقال تحت عنوان: «ليسوا نصارى أو معاقين.. ولسن ناقصات!»، تناولت فيه المواطنة المصرية منذ ثورة 30 يونيو إلى الآن من خلال التركيز على حال المواطنين المسيحيين المصريين والمرأة المصرية وذوى الاحتياجات الخاصة.
لاحظت في محتوى ملف «صوت الأزهر» عن ميلاد السيد المسيح وجود مساحة غير مسبوقة في التناول بحرية شديدة، ودون حظر أو منع أي أفكار. كما لاحظت احترام الجريدة لمفهوم حرية الرأى والتعبير في طرح بعض أفكار ربما لا تجد قبولًا عند الغالبية العظمى من متابعى الجريدة وقرائها، وعلى رأسه ما جاء في مقالى بدءًا من عنوانه. ترسيخ مفهوم «قبول الاختلاف» هو أن يرى كل طرف الطرف الثانى كما يريد هو أن يقدم نفسه، وليس كما يريد أحد أن يتصوره أو يراه. وهو ما يعنى أن يعرف كل طرف الطرف الثانى على حقيقته لبناء صورة ذهنية حقيقية له، فالمواطن المسيحى المصرى ينزعج كثيرًا من وصفه من «النصارى»، إذ يرى أن انتماءه الدينى للعقيدة المسيحية، وليس لشىء آخر، كما ينزعج المواطن المصرى من ذوى الاحتياجات الخاصة من وصفه بـ«المعاق»، إذ إننا جميعًا معاقون فيما لا نفهمه أو نعلمه أو نُجيده، كما تنزعج المرأة المصرية من محاولات وصفها بناقصة عقل ودين على خلفية التوظيف الدينى للمساواة بين الرجل والمرأة. «قبول الاختلاف» هو أن ترانى على حقيقتى، وليس حسب ما تريد أن تراه طبقًا لمفاهيمك وتصوراتك.. فلكل منا شخصية كوّنها من ثقافة ودوائر انتماء يعتز بها.
نقطة ومن أول السطر..
ترسيخ أفكار قبول الاختلاف بين جميع المواطنين المصريين البداية لتجديد التعليم الدينى، الذي بدوره يمثل أساس وجود «الفكر الدينى» الحقيقى.