فن

انتفاضة يناير1977 والسينما.. إشارات عابرة.. وأفلام بخيلة

«كل ما تهل البشاير

من يناير كل عام

يدخل النور الزنازن

يطرد الخوف والظلام»

«أحمد فؤاد نجم»

كانت انتفاضة 17 و18يناير 1977 حدثا فارقا وجوهريا فى تاريخ مصر الحديث، بما أحدثته من تفاعلات سياسية واجتماعية فى الواقع المصري، ورغم أهمية ما حدث خلال هذين اليومين في تاريخ مصر المعاصر، باعتباره انتفاضة شعبية توحدت فيها جموع الشعب للمرة الأولى منذ ثورة 1919على هدف واحد وشعارات محددة، إلا أن هذا الحدث – على أهميته- لم يحظ بالاهتمام الكافي من جانب السينما المصرية.

إشارات عابرة

إن عدد الأفلام التي تناولت انتقاضة يناير محدود للغاية وبعضها أشار الى الأحداث بشكل عابر دون التوقف عندها مثل فيلم «الآخر» ليوسف شاهين حيث يأتي على لسان البطلة حنان «حنان ترك» أن أباها قُتل في انتفاضة يناير 1977 «اتداس بالجزم وهو بيطالب بلقمة العيش» و بطبيعة الحال فلم تزد انتفاضة يناير في فيلم «أيام السادات» عن بضعة لقطات قصيرة تظهر فيها أعمال العنف التي صاحبت التظاهرات ليظهر الرئيس السادات «أحمد زكي» في المشهد التالي ليعلن عدوله عن قراره بالغاء الدعم عن السلع الأساسية الذي تسبب في إحداث الإنتفاضة.

بين عصرين

ويمكن القول أن انتفاضة 18 و19 يناير لم تظهر كحدث رئيسي فى السينما المصرية سوى في فيلمين فقط هما «زوجة رجل مهم» و«الهجامة»، ففي كلا الفيلمين برزت انتفاضة الخبز كخلفية للأحداث وكذروة للصراع بين شخصيات الفيلمين.

في فيلم «زوجة رجل مهم» الذي أخرجه محمد خان عام 1987 وكتب له السيناريو والحوار رؤوف توفيق نتابع الصدام بين عصرين، عصر الأحلام والرومانسية وصوت عبد الحليم حافظ متمثلا في شخص الزوجة الرقيقة منى «ميرفت أمين» وعصر العنف والتشوه الاجتماعي وهو ما يمثله زوجها ضابط الشرطة هشام «أحمد زكي» الذي يستمر في الترقي في عمله بفضل أساليبه العنيفة مع المتهمين الى أن يتم تعيينه في مباحث أمن الدولة، ونرى ان أساليب هشام البوليسية تمتد الى علاقته بزوجته أيضا فهو يستخدمها للإيقاع بالطلبة الناشطين سياسيا ويجبرها على مصادقة زوجة رئيسه ليضمن ترقية، وفي خضم تقرب هشام الى رؤسائه بمن فيهم أثرياء الانفتاح الاقتصادي، تقع احداث يناير 1977 ويحول هشام منزله الى مكان لمتابعة التحقيقات التي كانت في أغلبها شكلية ويتجاهل طلبا من إحدى قريباته لمحاولة الإفراج عن ابنها الذي اعتقل خطأ خلال التظاهرات، ولكن كل ذلك لا يشفع لهشام عند النظام الذي يقيل بعض الضباط حفاظا على صورته، فيحال هشام ورئيسه الى التقاعد، ولكنه يستمر في ممارسة القمع على زوجته واثقا بأنه سيعود الى منصبه بعد أن يصدر الحكم في القضية، لكن الحكم التاريخي الذي صدر والذي برأ المتهمين وحمل مسؤولية الأحداث للنظام يطيح بآخر أمل لديه للعودة الى عمله، فتنتهي الأحداث بانتحاره بعد أن يقتل والد زوجته في لحظة يأس.

صورة السادات

أما فيلم «الهجامة» الذي أُنتج عام 1991 وأخرجه محمد النجار وكتب السيناريو والحوار أسامة انور عكاشة، فيدور حول نوسة «ليلى علوي» الهجامة أو محترفة سرقة الشقق التي تتم خطبتها لابن خالتها سيد (هشام سليم) ويشتركان في سرقة الشقق لكن ثمة لص أكبر هو المعلم عربي (حسن حسني) يهدد حياتهما مما يضطر سيد للهرب بالمسروقات في حين تدخل نوسة السجن، تقضي نوسه سنتين في السجن، و يتصادف اندلاع مظاهرات 18 و19 يناير مع يوم الإفراج عنها، ويبرز الفيلم «شهية جنود الأمن المفتوحة للضرب» على حد تعبير السيناريو ، وفي نفس الأثناء يعود سيد من الخارج بثروة بعد أن احتكر ادخال الهيروين إلى مصر ولكنه يتحالف مع عدوه السابق المعلم عربي الذي أثرى هو الآخر بسبب سياسة الانفتاح الاقتصادي، وان كان زوجة رجل مهم قد أشار الى الرئيس السادات تلميحا لا تصريحا فان الهجامة كان أكثر مباشرة في التعامل مع شخص الرئيس السادات، ففي الوقت الذي تُحبس فيه نوسة مرة أخرى مع مجموعة من الطلبة المتظاهرين من بينهم شقيقتها لولا (سيمون)، نرى سيد والعربي مجتمعيْن في قاعة توجد بها صورة ضخمة للسادات، ويشير العربي الى صورة الرئيس قائلا: «الراجل ده هايل، نوري ومفتح وابن بلد وما بيحبش الفقر ولا الفقرية»!

تكتسب نوسة من شقيقتها وزميلاتها وعيا سياساً جديدا لم تدركه من قبل، إنهن يحلمن ويعملن من أجل غد أفضل لا تضطر فيه الفتيات من امثال نوسة للسرقة، وهنا يفرد الفيلم بشكل مبالغ فيه مساحة كبيرة لمشاهد تعذيب نوسة والتي تخرج من السجن لتسلم رسائل سرية من الطالبات السجينات إلى ذويهن لكنها تقع في خطأ قاتل حين يتبعها المخبرون فيكتشفون مخبأ أحد الطلبة الذي يرتبط مع شقيقتها بعلاقة عاطفية ويقتل على يدهم.

في المقابل يرسم العربي خطة لينتقم من سيد فيدفع لولا إلى الإدمان وتموت بعد تجرعها كمية كبيرة، تنهار نوسه وتطلب معاونة العربي للانتقام من سيد بعد أن تظن أنه السبب و تقوم بحرق المخزن وهو بداخله وبذلك تنجح خطة العربي ولكنه  يبلغ عن نوسة فيقبض عليها مرة أخرى.

 ولكن الفيلم يعود ليُطمئن المشاهد قبل نهايته أن الحكم القضائي الذي صدر بحق سجناء 18 و19 يناير 1977 اعتبر ان ما جرى في هذين اليومين لم يكن انتفاضة «حرامية» بل انتفاضة شعبية ضد الجوع والقهر والغلاء.

تميز فيلم «زوجة رجل مهم» بلغة سينمائية بليغة وراقية وبمسحة رومانسية غلفت الفيلم رغم موضوعه السياسي في حين حفل فيلم «الهجامة» بعشرات من مشاهد العنف المجاني والمكرر مما أثر عى موضوعه.

بشكل عام يمكن القول ان السينما لم تؤرخ لما حدث في يناير 1977 بالشكل الكافي وربما نرى في السنوات القادمة أعمالا سينمائية أخرى تعرض هذا الحدث بالشكل اللائق.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock