أغلب الظن أن المرء إن أراد أن يُجْمِل مسيرة الفنانة المصرية الراحلة نادية لطفي في كلمة واحدة لكانت «المتمردة». فـ«نادية لطفي» المولودة في قاهرة المعز وفي قلب حي عابدين عام 1937 لأب مصري وأم بولندية لم تستسلم يوماً للنمطية، التي حاولت السينما المصرية وضع ممثلات بعينهن فيها- وهي منهن- بسبب ملامحهن.
https://www.facebook.com/Aswatonline/videos/1807823536018209/?t=2
لم تهنأ نادية بشخصية الفتاة الرومانسية الرقيقة التي سعى البعض لحصرها فيها بسبب جمالها وشعرها الأشقر، وهي الشخصية التي قدمتها في أفلام عديدة منذ انطلاقتها في السينما المصرية مع فيلم «سلطان» عام 1958 وجمعتها بالعندليب الأسمر عبد الحليم حافظ في فيلم «الخطايا» وأضفت عليها قدراً من المرح في «السبع بنات».
سعت نادية لطفي للخروج من هذه العباءة وواتتها الفرصة عام 1963 من خلال الفيلم التاريخي «الناصر صلاح الدين» للمخرج يوسف شاهين حيث جسدت دوراً معقداً هو لويزا، الفارسة الأوروبية التي تأتي إلى القدس في ركاب الغزاة الصليبيين معتقدة تماماً أنها تؤدي واجباً دينياً.
https://youtu.be/sRoXtg7xcaQ
لكن لقاءها بعيسى العوام (صلاح ذو الفقار) المسيحي العربي الذي يقاتل في صفوف جيش الناصر، يغير من موقفها لتنشأ قصة حب في قلب الحرب.
برزت نادية لطفي في هذا الفيلم بصورة مغايرة تماماً لأدوارها السابقة حيث تطلب منها الدور ركوب الخيل وخوض مشاهد المعارك الحربية والتي أجادتها إلى حد كبير.
وفي عام 1966 ذهبت نادية خطوة أبعد في تمردها حين قدمت من خلال فيلم «قصر الشوق» للمخرج حسن الإمام والمقتبس عن رواية لنجيب محفوظ دور «زنوبة» الراقصة التي يقع في غرامها كل من سي السيد (يحيى شاهين) وولده على حد سواء.
وهي شخصية بدا أن الفنانة المبدعة تستكمل أداءها بشكل أو بآخر في فيلم «أبي فوق الشجرة» عام 1969 الذي جمعها مرة أخرى بالعندليب، والمقتبس عن رواية لإحسان عبد القدوس.
هنا أيضا قدمت نادية شخصية الراقصة بعيداً عن الابتذال الذي سيطر عليها في السينما المصرية وبدا أداؤها معبراً عن فهم عميق لشخصية ليست شريرة بطبعها وانما ببساطة تفتقد الحب وتسعى للحفاظ عليه في شخص عادل (عبد الحليم حافظ) الطالب الذي يصغرها سناً.
المومياء.. ودور صامت
أما فيلم «المومياء» لشادي عبد السلام، فكان بحق التحدي الأبرز في مسيرة نادية لطفي ضدالأدوار النمطية، حيث قدمت في هذا الفيلم دور «زينة» الفلاحة القادمة من الوادي والتي يشتهيها ونيس (أحمد مرعي) وريث قبيلة «الحربات الجبلية».
والمدهش أن نادية أدت دورها دون أن تنطق كلمة واحدة على الشاشة حيث بلغت درجة من النضج الفني مكنها من التعبير عن مكنون الشخصية باستخدام تعبيرات وجهها فقط دون أية جمل حوارية.
وكان من الطبيعي أن تتبع كاميرا شادي عبد السلام نادية لطفي في عمل آخر هو الفيلم الوثائقي «جيوش الشمس»، هنا لم تكن نادية تمثل وانما حضرت بشخصها وكانت على طبيعتها، تزور الجرحى من أبناء الجيش المصري إبان حرب أكتوبر عام 1973.
لم تكن زيارات لطفي لهؤلاء الأبطال الجرحى عمل دعائياً ولم تكن تستهدف عناوين الصحف، بل ذهبت إليهم حاملة الهدايا ومسلحة بأوراق وأقلام سخرتها لهولاء الجنود لكي تكتب لهم وباسمهم خطابات إلى أهاليهم في مختلف أرجاء المحروسة لطمأنتهم.
هذا الموقف الوطني لم يكن الأول في سجل لطفي ولن يكون الأخير، إذ كانت الفنانة الراحلة معروفة في أوساط زملائها بإيمانها العميق بقضية وطنها وبقضية شعب فلسطين.
وجسدت نادية معتقداتها ومواقفها الوطنية هذه في أكثر من مناسبة كان أولها إبان تعرض مصر لعدوان غادر عام 1956 لتجرؤ قائدها على استرداد مورد حيوي هو شركة قناة السويس.
هنا نشطت لطفي، التي لم تكن بعد قد امتهنت التمثيل، في زيارة الجرحى ومواساة أسر الشهداء، حتى انتهى العام بإندحار العدوان وانتصار الإرادة المصرية.
حصار بيروت
وفي عام 1982 كانت لطفي جزءاً من وفد مصري اخترق الحصار الذي فرضه الجنرال الصهيوني شارون على العاصمة اللبنانية بيروت وعلى قوى المقاومة اللبنانية والفلسطينية المتمترسة داخلها.
أبت نادية لطفي إلا أن تكون مع المقاومة الفلسطينية في ذلك الوقت وتمكنت من الوصول إلى مقر الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات وصورت بكاميرا خاصة بها كل ما كان يحدث في بيروت بما ذلك جرائم الحرب التي ارتكبتها القوات الصهيونية.
وظلت نادية مع المحاصرين طيلة فترة الحصار ولم تخرج إلا معهم حين خرجت السفينة «شمس المتوسط» اليونانية تحمل القيادات الفلسطينية إلى ميناء طرطوس السوري.
وحين إندلعت الانتفاضة الفلسطينية الثانية عام 2000 كانت لطفي في مقدمة الفنانين المصريين والعرب الداعمين لها وظهرت بشخصها في أوبريت غنائي بعنوان «القدس هترجع لنا».
لم يجد الموساد حلاً مع هذه الفنانة والنموذج الذي تمثله سوى أن يسعى لتشويه صورتها، حيث سرب خبراً كاذباّ مفاده أن نادية لطفي وزميلات أخريات لها كن يتعاون مع الموساد وهنا أيضا واجهت لطفي الأكاذيب بالحقائق وسعت لرفع دعوى قضائية ضد الموساد لكشف هذه الأكذوبة ودحضها.
ورغم مرضها وابتعادها عن الأضواء لسنوات عدة حتى رحيلها منذ أيام، بقيت نادية لطفي في أذهان محبيها أيقونة للحب: الحب بمعناه الرومانسي الذي جسدته على الشاشة الفضية، وحب الوطن والأمة الذي جسدته بأفعالها الوطنية.
الفيديو جرافيكس: