*جاريث سميث
عرض وترجمة: أحمد بركات
يلقي الدكتور «سونر كاجابتاي»، مدير برنامج الأبحاث التركية بمعهد واشنطن، نظرة فاحصة ومتعمقة على الرئيس التركي «رجب طيب أردوغان» وسياساته في منطقة الشرق الأوسط. ويخلص إلى أنه «على مدى ما يزيد على 200 عام، اتبعت تركيا توجهات تم ابتداعها في الغرب، والآن يحدث العكس، حيث تتبع دول أخرى توجها تم ابتداعه في تركيا.. تلك هي شعبوية القرن الحادي والعشرين».
ففي كتابه Erdogan’s Empire: Turkey and the Politics of the Middle East (إمبراطورية أردوغان: تركيا وسياسات الشرق الأوسط) الذي نشر في سبتمبر من العام الماضي عن «مؤسسة بلومزبيري للنشر»، يحاول كاجابتاي أن يسلط الضوء على رؤى أردوغان وأعماله، وأن يضع يده على ما فيها من أفكار عثمانية إمبريالية، ويؤكد أن «أفكار أردوغان بشأن «لنجعل تركيا عظيمة من جديد»، وحالة الاستقطاب التي يؤججها بين مؤيديه ومناوئيه، تسير في خط مواز مع أمريكا دونالد ترمب (Make America Great Again)، وبريطانيا البريكست».
يربط كاجابتاي بين شعبوية أردوغان من جانب وأفكاره الإمبريالية من جانب آخر، ويلفت إلى أن «الدول التي كانت يوما ما قوى عظمى يملؤها في الغالب شعور متضخم بالنوستالجيا أو الحنين إلى مجدها الغابر»، وأن «هذا الشعور يصادف دائما استعدادا للإلهام من قبل السياسيين الذين يمكنهم تجسيد هذه السردية».
رحلة أردوغان
بين دفتي الكتاب، يتتبع الكاتب رؤية الرئيس التركي، بدءا من عام 1954، حيث ولد أردوغان في ضاحية «قاسم باشا» الفقيرة، والتي كانت «مأهولة بالوافدين المحافظين الذين هبطوا عليها من الأناضول، وقعدوا بسفح تل يقود إلى ضاحية ’بك أوغلي‘ البوهيمية المتحللة من قيم المجتمع، ثم إلى ’مدينة نيسانتاسي‘ الأرستقراطية والثرية والعلمانية».
يروي كاجابتاي القصة بإحكام. فقد كانت العلمانية، التي تتمتع بحماية الجيش التركي، تشكل الأساس الذي تقوم عليه الجمهورية الكمالية، لكن الفلاحين الذين قدموا من الأناضول كانوا يحملون عقائد أقدم وأكثر رسوخا. وحملت خمسينات القرن الماضي سباقات انتخابية بين العلمانية «الخشنة» والعلمانية «الناعمة»، ثم حروب الشوارع بين اليسار واليمين. في تلك الفترة، تشربت جماعة «مللي جوروش» (وهي حركة سياسية دينية تضم مجموعة من الأحزاب التركية، وتعني «الرؤية الوطنية») على مهل الأفكار الإسلاموية التي تعكس آراء سيد قطب في مصر ،وعلي شريعتي في إيران.
تأثر أردوغان كثيرا بحركة «مللي جوروش»، وانضم على إثر ذلك إلى «حزب الرفاه»، الذي ظهر في ثمانينات القرن الماضي، قبل أن يتم حظره في عام 1998.
وفي عام 1994، أصبح أردوغان عمدة مدينة اسطنبول، لكنه أودع السجن في عام 1999 لمدة أربعة أشهر بتهمة التحريض على الكراهية الدينية. وفي عام 2001، تأسس «حزب العدالة والتنمية» الذي ترأسه أردوغان، وأبدى الحزب الجديد مزيجا فريدا من المرونة والتشدد.
كانت استعادة الأمجاد العثمانية بالنسبة إلى أردوغان ذات وجهين، فهي – بحسب كاجابتاي – تمثل الشعبوية من ناحية، ورفض العلمانية الكمالية من ناحية أخرى، وهو ما يشكل جميعا السياسة الخارجية التركية. ففي الوقت الذي يؤكد فيه أردوغان نفوذ تركيا بشكل عملي في آسيا الوسطى وأفريقيا، وحتى في إسرائيل وأرمينيا، يبقى وثيق الصلة بجماعة الإخوان المسلمين. فأردوغان «لديه قناعات أيديولوجية راسخة، لكنه براجماتي، ويكون أقل براجماتية عندما يتعلق الأمر بعلاقاته مع جماعة الإخوان المسلمين»، كما يؤكد كاجابتاي.
يجد كاجابتاي أسبابا لذلك في حياة أردوغان نفسها. «إنه يرى جزءا من ماضيه، وجزءا من مستقبله في قصة الإخوان». ويضيف: «هو أيضا تم تجنبه ذات مرة كزعيم سياسي إسلاموي، وسُجن، ورأى حزبه يُحل. كما أنه يعتقد أن الفرصة التي مُنحت له ولحزبه للتنافس في انتخابات حرة ونزيهة يجب أن تمنح أيضا للأحزاب المرتبطة بجماعة الإخوان».
رجب طيب أردوغان
ويرى كاجابتاي أن التزام أردوغان تجاه الإخوان قد عرقل سياساته في سوريا بعد عام 2012، عندما شرع في دعم المتمردين الإسلاميين. وفي هذا السياق يؤكد الكاتب أن «سوريا بلد متنوع يضم طبقة وسطى عريضة ونساء كثيرات في قوته العاملة المحترفة وحياته العامة… الدبلوماسيون الأتراك يعرفون سوريا جيدا، ويعرفون جيدا أيضا أن جماعة الإخوان المسلمين ليست القوة الوحيدة على هذه الساحة، لكن أردوغان أراد أن يفرض واقعا في غير موقعه..هذا هو تفسيري الوحيد لفشل الدبلوماسية التركية في سوريا».
وفي ليبيا، حاولت تركيا القيام بعمل مشابه، لكنه تحول إلى حرب بالوكالة تتسم بقدر كبير من التعقيد. لقد تحول دعم أنقرة للفصيل الإخواني على أرض ليبيا إلى دعم غير مسبوق لحكومة فايز السراج، التي تتخذ من طرابلس مقرا لها، بعد أن وافق البرلمان التركي على إرسال فرق عسكرية إلى ليبيا. «ولأن تركيا وقطر دعما طرابلس أولًا، فقد دعمت الإمارات ومصر قوات الجيش بقيادة الجنرال خليفة حفتر. ودفعت تركيا ضد مصر، بينما دفعت قطر ضد الإمارات في حرب بالوكالة بين أطراف مزدوجة»، كما يشير كاجابتاي.
رجب طيب أردوغان، فايز السراج
إضافة إلى ذلك، رسمت منافسات أخرى ملامح الاتفاق البحري الذي أبرمته تركيا مع طرابلس. «تنظر أنقرة إلى الوضع الراهن باعتبار أن محورا تشكل في جنوبها يضم كلا من إسرائيل واليونان وقبرص، حيث تتشارك هذه الدول دوافع كثيرة تتعلق بالتعاون البحري والأمني. وتريد تركيا اختراق هذا المحور، وستفعل كل ما تراه ضروريا لضمان عدم سقوط حكومة طرابلس»، كما يفسر كاجابتاي.
ويضيف الكاتب أن المواجهة مع مصر غير محتملة. كما أن الدور المحدود لروسيا يمثل مصدر قلق أكبر لأنقرة. وفي هذا السياق يذكر كاجابتاي: «لن يقاتل أردوغان الروس. ففي شمال شرق سوريا ضغطت تركيا ضد الوجود العسكري الأمريكي، لكن عندما نشرت روسيا قواتها بعد الانسحاب الأمريكي، توقفت القوات التركية».
وعلى غرار الميل التاريخي لدى الإمبراطوريات الغابرة إلى الصدام، يفعل شعبويو القرن الحادي والعشرين الشيء نفسه. وفي كتابه «إمبراطورية أردوغان»، يتساءل كاجابتاي عن الأسباب التي تدفع تركيا وروسيا وإيران إلى النضال من أجل التعاون برغم «المعارضة القوية» من جانب الغرب. ويجيب «كلٌ قد صاغ رؤيته بأسلوب إمبراطورية منمق ومتفرد».
سونر كاجابتاي
*كاتب المقال هو كاتب متخصص في شئون الشرق الأوسط، وكبير مراسلي صحيفة «فاينانشال تايمز» في إيران
*هذه المادة مترجمة. يمكن مطالعة النص الأصلي باللغة الإنجليزية من هنا