رؤى

بدء العد التنازلي للحرب الإسرائيلية على إيران

عرض وترجمة: أحمد بركات
توجه جيش صغير من مسؤولي الأمن القومي الإسرائيلي إلى واشنطن في بداية هذا الشهر (مايو 2021) لإجراء أولى مشاوراتهم الشخصية مع إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن حول نية الأمريكيين في العودة إلى الاتفاق النووي مع إيران.

وتعارض إسرائيل الاتفاقية بشدة، وتزعم أنه ما لم يتم وقف برنامج طهران النووي، فإنها تضمن فعليا أن تصبح إيران “على أعتاب دولة نووية بحلول نهاية الاتفاق في عام 2030”. كما تضمن الاتفاقية أيضا “تحويل مليارات الدولارات إلى نظام ثوري ذي عقلية أحادية لا تركز فقط على غرس بذور العدوان والإرهاب في جميع أنحاء الشرق الأوسط، وإنما أيضا على تدمير الدولة اليهودية نفسها”.

“ليست هذه هي المخاطرة التي يمكن لإسرائيل أن تتحملها”، كما أوضح الإسرائيليون مرارا وتكرار. وإذا كانت استراتيجية واشنطن تقنع إسرائيل بأنها أمام خيارين: إما الحرب الآن ضد إيران ضعيفة، أو الحرب لاحقا ضد إيران قوية تمتلك سلاحا نوويا، فلا عجب أن تتجه إسرائيل وبقوة إلى الخيار الأول.

وبرغم أن المحادثات التي أجراها الإسرائيليون مع نظرائهم الأمريكيين لم تحظ باهتمام إعلامي كبير في الولايات المتحدة، إلا أن الإسرائيليين أكدوا، بحسب مصادر مطلعة على هذه النقاشات، أنهم ربما يحددون اللحظة التي يبدأ فيها العد التنازلي لاندلاع حرب جديدة في الشرق الأوسط.

ضم الوفد الإسرائيلي إلى6 واشنطن كلا من مستشار الأمن القومي مائير بن شبات، ورئيس الموساد يوسي كوهين، وقائد ضباط المخابرات في الجيش الإسرائيلي الجنرال تامير هايمان، والجنرال في سلاح الجو المسؤول عن استراتيجية إسرائيل تجاه إيران تال كيلمان.

معا، وبشكل منفصل، عقد هؤلاء اجتماعات مع مستشار الأمن القومي الأمريكي جيك سوليفان، ووزير الخارجية أنتوني بلينكين، ومدير وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية بيل بيرنز، وغيرهم من كبار المسؤولين الأمريكيين بمن فيهم الرئيس بايدن.

كانت المهمة الرئيسية للإسرائيليين واضحة، وهي أن ينظروا في عيون نظرائهم الأمريكيين، ويقيسوا ما إذا كانت أسوأ مخاوفهم بشأن خطط واشنطن صحيحة. هل بايدن فعلا ملتزم بالعودة إلى الاتفاق النووي 2015؟ هل كانت الإدارة الأمريكية عازمة حقا على منح النظام الإيراني مليارات الدولارات في شكل تخفيف عقوبات دون تأمين تغييرات جوهرية على المخاطر التي ينطوي عليها هذا الاتفاق، بما في ذلك بنود الآجال المحددة التي يبدأ بمقتضاها رفع القيود عن برنامج الصواريخ الباليستية في 2023، وعن برنامج أجهزة الطرد المركزي المتقدم في 2024، وأيضا افتقار هذه الاتفاقية إلى نظام تحقق صارم؟ هل يستعصي المسؤولون في إدارة بايدن على تحذيرات إسرائيل من أن العودة إلى الاتفاق ستفاقم إلى درجة كارثية التهديدات المفروضة على الأمن الإسرائيلي؟

الاتفاق النووي الإيراني عام 2015
الاتفاق النووي الإيراني عام 2015

وكانت الإجابات التي توصل إليها الإسرائيليين جميعها بالإيجاب. وبناء على معلوماتهم الاستخباراتية الخاصة بشأن المحادثات غير المباشرة التي تعقد في فيينا لإعادة طهران وواشنطن إلى الامتثال للاتفاق النووي، كانت توقعات الإسرائيليين لدى وصولهم إلى واشنطن متردية للغاية. وبالفعل، كان الأمريكيون عند مستوى هذه التوقعات، وربما أسوأ.

ولم يجد الإسرائيليون أي معنى في التطمينات التي حاولت الإدارة الأمريكية أن تبعث بها إليهم من أن إحياء الاتفاقية النووية 2015 سيتبعه سريعا مفاوضات لتحسين بنودها، وذلك عن طريق تعزيز وتمديد ما بها من قيود نوعية وزمنية على البرنامج النووي الإيراني، وفرض قيود جديدة على الأنشطة النووية الإيرانية الأكثر خطورة، بما في ذلك ترسانة صواريخها الباليستية ودعمها للمليشيات الإقليمية، من بين تطمينات أخرى كثيرة.

ولم يخرج الإسرائيليون من هذه المناقشات سوى بنتيجة واحدة مؤداها أن نتائج سياسة بايدن لن تتجاوز العودة إلى الاتفاق الذي يعزز ويثري نظام مارق يطمح إلى تدمير إسرائيل، ويمهد أمامه الطريق لامتلاك سلاح نووي في أقل من عقد من الزمان.

وكان الإسرائيليون يشيرون بلا هوادة إلى أنهم لن يتسامحوا مع مثل هذا الوضع. ففي الشهر الماضي، أشار نتنياهو إلى أن “الاتفاق النووي الذي لا قيمة له يطرح مرة أخرى على الطاولة”، وأصدر تحذيرا مبطنا لبايدن أكد فيه: “أقول لأصدقائنا أيضا أن اتفاقا مع إيران يهدد بإبادتنا لن يكون ملزما لنا”. وأضاف: “لن يلزمنا سوى شيء واحد، هو منع أولئك الذين يرغبون في تدميرنا من تنفيذ خططهم”.

بايدن ونتنياهو
بايدن ونتنياهو

ثم كان وزير الاستخبارات الإسرائيلية أكثر غلظة في بداية هذا الشهر، حيث أكد أن هذا “الاتفاق السيئ يدفع بالمنطقة إلى أتون حرب شعواء”، مضيفا أن القاذفات الإسرائيلية “يمكن أن تصل إلى أي مكان في الشرق الأوسط، وبالتأكيد إلى إيران”.

ولم يقتصر الأمر فقط على السياسيين الإسرائيليين في توضيح أن العودة إلى الاتفاق النووي 2015 يمكن أن تضع إسرائيل في الزاوية، وتضطرها إلى اتخاذ إجراءات صارمة. فبعد أيام من تولي بايدن سدة البيت الأبيض في يناير الماضي، ألقى رئيس أركان الجيش الإسرائيلي، أفيف كوخافي، خطابا استثنائيا حذر فيه من أن إحياء الاتفاقية النووية مع إيران من شأنه أن يفرض “تهديدا غير مقبول على أمن إسرائيل”، وذكر أنه “أمر جيش الدفاع بوضع خطط جاهزة لمهاجمة إيران خلال الفترة القادمة”.

وبعد شهرين، سُئل كيلمان، الجنرال المسؤول عن استراتيجية إيران في الجيش الإسرائيلي، في مقابلة إعلامية عما إذا كانت إسرائيل تمتلك القدرة على مهاجمة إيران وتدمير برنامجها النووي، فأجاب دونما تردد: “الإجابة هي ’نعم‘. عندما نبني هذه القدرات فإننا نبنيها لتكون عملية وفاعلة”. وأضاف: “ليس الأمر أنه لا توجد معضلات استراتيجية كثيرة منذ اليوم التالي لعودة إيران إلى الخطة. لكن القدرة موجودة بالتأكيد”.

ربما يتساءل البعض “هل يخادع الإسرائيليون من أجل إثناء بايدن عن إعادة الولايات المتحدة إلى الاتفاق؟”. ربما لا توجد وسيلة للتأكد من ذلك، لكن على الأرجح “لا”. فالعمليات السرية غير العادية التي تمارسها إسرائيل على مدى السنوات القليلة الماضية للكشف عن برنامج إيران النووي وعرقلته ليست سوى مؤشر على أمرين: ما سيأتي بعد إذا اقتنعت إسرائيل بأن مخاوفها بشأن الاتفاق النووي لن يتم التعامل معها بجدية، ومدى تصميمها على القيام بكل ما تراه ضروريا لإبعاد التهديد النووي الإيراني عنها.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

جون حنا – زميل أول في المعهد اليهودي للأمن القومي الأمريكي، ومستشار الأمن القومي السابق لنائب الرئيس الأمريكي الأسبق ديك تشيني

ــــــــــــــــــــــــــــــــــ

*هذه المادة مترجمة. يمكن مطالعة النص الأصلي باللغة الإنجليزية من هنا

أحمد بركات

باحث و مترجم مصرى

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock