كتب: اوران بوتوبوكوف
ترجمة و مراجعة: تامر الهلالي
آسيا الوسطى، هي منطقة جغرافية تقع في وسط القارة الآسيوية، وتضم خمس جمهوريات سوفيتية سابقة هى: أوزبكستان و كازاخستان و قيرغيزستان و طاجيكستان وتركمانستان، وتبلغ مساحتها أكثر من أربعة ملايين كيلومترا مربعا ويزيد عدد سكانها عن ستين مليون نسمة، هذه المنطقة كانت على مدى ثلاثة آلاف عام موطناً لأتباع الأديان المختلفة مثل الزرادشتية والبوذية والشامانية والمانوية والمسيحية النسطورية واليهودية، و عندما دخلها الإسلام أسماها المسلمون بلاد ما وراء النهر وعاش فيها علماء المسلمين السنة الكبار مثل البخاري والغزالي وأحمد يسيفي، هذه المنطقة صارت اليوم هدفًا للإيديولوجية السلفية الجهادية المتشددة.
وادي فرغانة
في آسيا الوسطى، كان المركز الجغرافي للإحياء الإسلاموي والجماعات الجهادية هو وادي فرغانة، وهي منطقة أوزبكية ذات كثافة سكانية عالية تقطنها أغلبية إثنية مقسمة سياسياً بين أوزبكستان وقرغيزستان وطاجيكستان. ذلك الوادي ظل مركزًا تقليدياً للإحياء الإسلاموي، وأسس فيه السلفيون أول كيان لهم، وقد لعب الفقر الجماعي للسكان، وانخفاض مستوى التعليم بعد انهيار الاتحاد السوفيتي، والحكم الفاسد والسلطوي للأنظمة السياسية، والأساليب القمعية لفرض القانون دورًا في تطرف الجماعات الإسلامية في آسيا الوسطى. في أوائل التسعينيات، وظهرت أول مجموعات جهادية مسلحة في المنطقة ردًا على الاضطهاد الشديد من قبل الأنظمة الاستبدادية خاصة في أوزبكستان تحت حكم كريموف.
و في تلك الفترة، قام العديد من أعضاء الحركة الإسلامية لأوزبكستان (IMU) وحركة تركستان الشرقية الإسلامية (الحزب الإسلامي في تركستان حاليا – TIP) باعتناق الإيديولوجية السلفية، وانتقلوا إلى أفغانستان المجاورة، وقاتلوا تحت جناح طالبان.
وكان وجود الحكومات القمعية والحرمان الاقتصادي في آسيا الوسطى، لا سيما أوزبكستان وطاجيكستان، بمثابة حاضنة للجهادية السلفية.
وبعد الحادي عشر من سبتمبر2001، كان الجهاديون في آسيا الوسطى، وهم أعضاء في IMU و TIP، الدعامة الأساسية للدفاع عن تنظيم القاعدة في جنوب وزيرستان وكذلك المشاركة في القتال ضد جيوش أفغانستان وباكستان وحلف الناتو.
وتنتمي الجماعات الجهادية في آسيا الوسطى إلى المنهج السلفي التكفيري، الذي يتهم المسلمين الآخرين بالكفر أو الردة. وأصبحت هذه الأيديولوجية راية الخلافة وأدت إلى الجهاد ضد المسلمين الآخرين والعصيان الصريح والمعلن ضد السلطات. و تعد هذه الممارسات جزءا من الإرث والأفكارالتي انبثقت من تنظيم القاعدة.
القاعدة و طالبان
أصيب العديد من الإسلاميين في آسيا الوسطى بـ «فيروس» الأيديولوجية السلفية عبر الدعاة العرب وعلماء الدين المحليين الذين تلقوا تعليمهم في المملكة العربية السعودية وسوريا ومصر. وبعد ارتباطهم بتنظيم القاعدة وحركة طالبان، وجهوا اتهامات بالتكفير ضد حكام «ستان» و رفضوا الاعتراف بمؤسسات الدولة الرسمية وأعلنوا الجهاد ضد القوات المسلحة في بلادهم.
ورداً على ذلك، قامت حكومات دول «ستان» بقمع واستمرار قمع أنشطة أكثر من عشرين جماعة إسلامية تصنفها قوانين تلك الدول على أنها منظمات متطرفة أو إرهابية، و تشكل خطراً على النظام الدستوري لهذه الدول. و على وجه الخصوص، تم قمع أنشطة الجماعات الإسلامية التالية: الحركة الإسلامية لتركستان الشرقية، كتائب إمام البخاري (KIB)، كتائب التوحيد والجهاد (KTJ)، اتحاد الجهاد الإسلامي (IJU) جند الخليفة المهدي، و أنصار الله، و جنة أوشكلاري «أنصار الجنة»، وغيرها.
موجة ثانية «داعش»
بدأت الموجة الثانية من تدفق الإسلاميين من آسيا الوسطى إلى الخارج بعد اندلاع الحرب الأهلية السورية في عام 2011، وظهور داعش كبديل منافس للقاعدة، وكان على آلاف الجهاديين في آسيا الوسطى الذين تدفقوا إلى سوريا أن يقرروا الاختيار بين تنظيم القاعدة وداعش. وتحول بعض الجهاديين من IMU وجند آل خليفة إلى سوريا وانضموا إلى داعش. وكان ميل الجهاديين من آسيا الوسطى، وخاصة العمال المهاجرين من روسيا، الذين سافروا إلى سوريا، للانضمام إلى خلافة البغدادي. بينما أصبحت جماعات TIP و KTJ الأوزبكية و KIB متحمسين للقاعدة في سوريا وحافظوا على ولائهم لطالبان.
توسع
بعد انضمامها إلى القاعدة وطالبان وداعش، توسعت القاعدة الإيديولوجية لمسلحي آسيا الوسطى وتأثرت بالأجندة العالمية لشبكات السلفية الجهادية العابرة للقوميات. واليوم، توسع هدف الجماعات الدينية من آسيا الوسطى إلى حد كبير، بحيث أصبح في الوقت الراهن هو تطوير خلافة عالمية. لقد أصبحوا جزءًا لا يتجزأ من الإرهاب والجهاد في جميع أنحاء العالم. وبالتالي، وسّع الإسلامويون في آسيا الوسطى نفوذهم وأنشطتهم القتالية لتمتد إلى الشرق الأوسط. وعلى مدى العقدين الماضيين، انتقل موضع متطرفي آسيا الوسطى من وادي فرغانة عبر أفغانستان، إلى المناطق القبلية في باكستان نحو سوريا.
تهديد عالمي
تشكل الجماعات السلفية الجهادية في آسيا الوسطى تهديدًا كبيرًا – ليس فقط لجمهوريات «ستان» -، ولكن للاتحاد الأوربي والولايات المتحدة.
على سبيل المثال، ارتكب المتطرفون الإسلاميون في آسيا الوسطى الهجمات التالية في الولايات المتحدة وأوروبا:
-هجوم إرهابي ارتكبه مواطن من أوزبكستان يبلغ من العمر 29 عامًا، و يدعى سيفولو سايبوف، في وسط مدينة نيويورك، مما أسفر عن مقتل 8 مدنيين في 31 أكتوبر 2017
-الانفجار الذي وقع في مترو الأنفاق في سانت بطرسبرغ، والذي ارتكبه إرهابي أوزبكي من جنوب قرغيزستان ويدعى أكبراجون دشاليلوف في أبريل 2017.
-الهجوم على شاحنة في وسط ستوكهولم عاصمة السويد من قبل مهاجر من أوزبكستان، اسمه رحمت عقيلوف، وأدى الهجوم الإرهابي الذي شنه مواطن من وادي فرغانة في آسيا الوسطى، يدعى عبد القادر مشاريبوف، في 31 ديسمبر 2016 إلى مقتل 39 شخصًا في ملهى رينا الليلي في إسطنبول، وكذلك الهجوم الإرهابي على مطار أتاتورك الدولي في تركيا من قبل مواطنين من قيرغيزستان وطاجيكستان في يونيو 2016؛ كما حاول إرهابي أوزبكي، هو أولوجبيك كوديروف، قتل الرئيس الأمريكي باراك أوباما حتى في يوليو 2011، وحُكم عليه بالسجن 15 عامًا.
وقد تم توجيه الاتهام إلى أكثر من عشرة من الأوزبك بالإرهاب بين عامي 2012 و 2016 في الولايات المتحدة الأمريكية، واتخذت ضدهم الإجراءات القانونية، وهو دليل على تنامي الإرهاب والتطرف بين المهاجرين من آسيا الوسطى.
ولمجابهة الجماعات السلفية الجهادية في آسيا الوسطى، من المهم للغاية فهم أسباب جاذبيتها الإيديولوجية لشرائح معينة من المسلمين السنة. ولا يمكن وضع إستراتيجية لمكافحة تلك الإيديولوجية الجهادية، إلا بعد إجراء تحليل شامل لها.
ولسوء الحظ، كما أوضح المثال المأساوي لسري لانكا، فإن الجماعات الإرهابية الإسلامية الصغيرة المرتبطة بتنظيم الدولة الإسلامية أو تنظيم القاعدة، بما في ذلك الجهاديون في آسيا الوسطى، والتي يمكن أن تشكل أكبر خطر على الاستقرار العالميً، تصعب دراستهم بسبب صعوبة تحديد حدوده.
*هذه المادة مترجمة. يمكن مطالعة النص الأصلي باللغة الإنجليزية من هنا
تعريف بالكاتب:
هو باحث وصحفي ودبلوماسي قيرغيزي، وحاصل على دكتوراه في العلوم السياسية