رؤى

الثالوث الناشئ في ولاية أفريقيا الوسطى الداعشية

بريان بركينز – محلل استراتيجي متخصص في شؤون الإرهاب والعنف السياسي في منطقة الشرق الأوسط وشمال ووسط أفريقيا.

عرض وترجمة: أحمد بركات

برغم العمليات الأمنية التي يقوم بها كل من الجيش الموزمبيقي، و شركة «فاجنر» – التي تقوم بدور المتعهد العسكري الروسي الخاص – في شمال موزمبيق، إلا أن حدة الصراع الدائر في المنطقة لا تزال تتفاقم، ولا تلوح في الأفق أية علامات على التهدئة.

في هذا السياق، يواصل تنظيم «ولاية أفريقيا الوسطى»، التابع لتنظيم الدولة الإسلامية، إعلان مسئوليته عن الهجمات على نحو متزايد على مدى الشهور الستة الماضية، لكن تبقى الديناميات بين الخلايا المتشددة المتنوعة في المنطقة أمرا مبهما. وبينما لا تزال جذور العلاقة بين الخلايا المحلية في موزمبيق غير واضحة ومربكة، تتوافر مؤشرات متزايدة حول الشكل العام لهيكلة “ولاية أفريقيا الوسطى”، والفلسفة الكامنة خلف بنيتها الجغرافية.

تنظيم ولاية أفريقيا الوسطى

من ناحية أخرى، كان وصول تنظيم ولاية أفريقيا الوسطى إلى جمهورية الكونغو الديمقراطية في أبريل 2019 مفاجئا إلى حد ما، برغم توافر الأدلة على أن أعضاء جماعة «القوات الديمقراطية المتحالفة» -وهي واحدة من أكثر الجماعات المسلحة نشاطا وأشدها عنفا، وتنشط بشكل خاص في أوغندا والكونغو، وتعتبرها الحكومة الأوغندية منظمة إرهابية- كانت لديهم ميول واضحة صوب تنظيم الدولة الإسلامية. لكن إعلان وجود تنظيم ولاية أفريقيا الوسطى الداعشي في موزمبيق كان مفاجئا  إلى حد ما بالنظر إلى الانتشار الواسع للمفاهيم الجهادية التي تدعم «جماعة أنصار السنة» المحلية، والتي كانت تكثف من هجماتها في وقت الإعلان.

لكن الأمر اللافت في وجود تنظيم ولاية أفريقيا الوسطى، التابع لتنظيم الدولة الإسلامية، في موزمبيق يتمثل في ذلك التباعد الجغرافي بين مكوني هذا الفرع (في جمهورية الكونغو الديمقراطية وموزمبيق)، إضافة إلى حقيقة أنه لم يكن يبدو  على السطح- على أقل تقدير – أن ثمة علاقة قوية بين الجماعتين المسلحتين في الدولتين.

في هذه الأثناء، كان يوجد فعليا فرع تابع لتنظيم الدولة الإسلامية في الصومال أسسه المنشقون عن حركة الشباب في عام 2015، وهو نفس العام الذي ألقي فيه القبض على «جميل موكولو»، زعيم جماعة «القوات الديمقراطية المتحالفة»، وهو السبب الذي يعتقد كثيرون أنه أسهم في زيادة تفتيت الجماعة وتوجيهها صوب ميولها الجهادية. وعلى عكس تنظيم ولاية أفريقيا الوسطى، فإن الجماعة الموالية لتنظيم الدولة في الصومال لم تخف ولاءها لتنظيم الدولة الإسلامية، لكنها لم يُعترف بها على أنها ولاية داعشية ’رسمية‘.

القبض على «جميل موكولو»

بناء الثالوث الداعشي

تمثلت قوة تنظيم داعش على مدى فترة طويلة في قدرته على الاستفادة من الانقسامات الدينية والإثنية المتجذرة، كما تشاركت فروعه في دول عديدة في تموقعها في مناطق حدودية تتداخل فيها المجتمعات القبلية، أو الإثنية، أواللغوية، أو الدينية. على سبيل المثال، في منطقة الساحل، تنتشر شعوب «الفولاني» و«الدوغون» في المنطقة الحدودية بين مالي وبوركينا فاسو والنيجر، ويستغل الفرع المحلي لتنظيم الدولة الإسلامية هناك الشقوق والتصدعات بين هذه المجتمعات. وقد أفاد تنظيم الدولة كثيرا من وجود مناطق عمليات ممتدة في المناطق الحدودية، وهو ما سمح له بتنفيذ العديد من الهجمات بسهولة معتمدا على ’تكتيك‘ الكر والفر، فضلا عن أن هذا النوع من المناطق يوفر له بيئة خصبة لتجنيد عناصر جديدة بأعداد هائلة.

ويتبع تنظيم ولاية أفريقيا الوسطى الاستراتيجية العامة لتنظيم داعش في التعاون مع الجماعات المحلية القائمة بالفعل، أو أخذ بيعتها وتحويلها إلى فروع له. رغم ذلك، تمثل البنية الجغرافية لتنظيم أفريقيا الوسطى انحرافا لافتا عن الاستراتيجية النمطية لتنظيم الدولة، والتي تمثل فيها الولايات الرسمية، إلى حد كبير، منطقة عمليات مجاورة، فيما عدا ولايته في جنوب شرق آسيا التي تمتد عبر العديد من الدول الجزرية، وذلك بسبب الطبيعة الجغرافية للمنطقة.

رغم ذلك، فإن استراتيجية تنظيم الدولة في هيكلة ولايته في أفريقيا الوسطى على هذا النحو يكمن وراءها منطق عميق، كما تتوافر مؤشرات على الشكل الذي يحتمل أن يأخذه هذا الفرع، وهو ثالوث مؤلف من وحدات تنتشر في جمهورية الكونغو الديمقراطية وموزمبيق والصومال. 

تمركزت أول وحدة يتم الاعتراف بها في ولاية أفريقيا الوسطى في جمهورية الكونغو الديمقراطية، ويحتمل أنها تمثل فصيلا من جماعة «القوات الديمقراطية المتحالفة». ولا يُعرف سوى القليل عن الطريقة التي غازل بها تنظيم الدولة الإسلامية مقاتلين من جمهورية الكونغو الديمقراطية وجذبهم إليه، لكن تتوافر أدلة على وجود تواطؤ وعلاقات بين المقاتلين المتمركزين في الصومال من جانب وشبكات وأعضاء «القوات الديمقراطية المتحالفة» من جانب آخر، بما في ذلك شبكات التهريب والتجنيد ومعسكرات التدريب المزعومة. إضافة إلى ذلك، تفيد تقارير صادرة عن وزارة الخزانة الأمريكية أن الممول المقيم في كينيا، «وليد أحمد زين»، والمعروف بممارسة أعماله في شرق أفريقيا، قد أرسل تحويلات مالية إلى «القوات الديمقرطية المتحالفة». لذلك، فإنه من المتصور أن يكون الوصول الأولي والاتصالات الحالية لتنظيم الدولة الإسلامية قد تم عبر قنوات مشابهة.

بالمثل، يعود وجود «ولاية أفريقيا الوسطى»، التابعة لتنظيم الدولة الإسلامية، في موزمبيق منذ يونيو 2019 إلى جذور غامضة، ولا يوجد دليل واضح على أصل العلاقة. كما لا تتوافر أيضا أدلة كثيرة تساعد في تحديد النسبة المئوية للخلايا المسئولة عن العنف بوجه عام المرتبطة فعليا بولاية أفريقيا الوسطى. وقد أعلن تنظيم «ولاية أفريقيا الوسطى» مسئوليته عن حوالي 28 هجوما منذ يونيو الماضي، وهو جزء قليل من هجمات كثيرة شهدتها البلاد خلال هذه الفترة. برغم ذلك، توجد العديد من القواسم المشتركة التي تربط المقاتلين في الدول الثلاثة، ويحتمل أن تشكل الأساس المنطقي لضم مقاتلين موزمبيقيين إلى «تنظيم ولاية أفريقيا الوسطى». تتمثل هذه القواسم – من بين أشياء أخرى – في العلاقات بين المتشددين والمهربين، والروابط مع الشبكات الراديكالية – بما في ذلك شبكة الدعاة الراديكاليين التي تعمل في كينيا وتنزانيا – والتي طالما أججت الصراع في الصومال وجمهورية الكونغو الديمقراطية.

ويشير الإعلان المرحلي عن ولاية أفريقيا الوسطى في الكونغو وموزمبيق، دون مبايعات رسمية مسبقة، أو قبول رسمي للبيعة، وحقيقة أن الفرع الأقدم والأكثر وضوحا لتنظيم الدولة في الصومال لم يتم اعتباره ولاية بشكل رسمي، إلى إمكانية استيعاب الأخير ضمن ولاية أفريقيا الوسطى. فقد واجه تنظيم الدولة الإسلامية في الصومال أيضا تحديات جسيمة وناضل من أجل توسيع قاعدته، وهو ما يجعل استيعابه في ولاية أفريقيا الوسطى الداعشية خطوة منطقية للحفاظ على الذات وإبراز مزيد من القوة. كما يوجد تداخل عميق في الجنسيات المختلفة التي تشكل مختلف الجماعات المتشددة في المنطقة. وقد ألمحت محاولة تشكيل جماعة «جبهة شرق أفريقيا» (وهي جماعة ناشئة تم الإعلان عنها في أبريل 2016، وحاولت تجميع مقاتلين من الصومال وكينيا وتنزانيا وأوغندا، لكن جهودها باءت بالفشل) إلى الرغبة في بناء جماعة إقليمية على نطاق أوسع تتبع تنظيم الدولة الإسلامية. ومع ذلك، يبدو أن «جبهة شرق أفريقيا» كانت مشروعا طموحا لم يحظ بتوافق أو دعم من قبل الجماعات السابقة عليها في الوجود، ومن ثم باءت جهودها بالفشل.

وشهد النصف الثاني من عام 2019 زيادة الإنتاج الإعلامي لولاية أفريقيا الوسطى على نحو مطرد، وبدأت في دمج صور ليس فقط للكونغو وموزمبيق، وإنما أيضا للصومال، مما يعطي مؤشرا مهما على الاندماج النهائي للفرع الصومالي. وبحسب تقرير مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة في 20 يناير الماضي، فإن فرع تنظيم الدولة في الصومال كان منوطا به أن يكون مركز قيادة لولاية أفريقيا الوسطى لتوحيد جهود المتعاطفين في المنطقة، وتجميع شبكاتهم.

نظرة مستقبلية

إن الدمج الرسمي للجماعات القائمة بالفعل في جمهورية الكونغو الديمقراطية وموزمبيق والصومال – حتى لو كان ظاهريا فقط – سيعمل على تعزيز الطموحات التجميعية التي كانت تراود «جبهة شرق أفريقيا»، والبناء عليها بطريقة أكثر واقعية. وسيسمح دمج هذه الجماعات الثلاثة في ولاية أفريقيا الوسطى بتعزيز صورتها، وخلق إمكانية لاستراتيجية إعلامية أكثر انسيابية، وفتح آفاق محتملة لمشاركة أكبر في الموارد، وزيادة فرص التعاون. وبينما تشير التقارير إلى اضطلاع الفرع الصومالي بدور مركز القيادة، فإن عمليات الوحدات الأخرى ستظل متجذرة في البيئات المحلية بكل ما تنطوي عليه من مظالم ومحركات صراع. وتشير معلومات قليلة إلى أن هذه الجماعات الثلاث – حتى لو تم دمجها على مستوى الاسم فقط – ستقوم بتنسيق عملياتها فيما بينها، وأن قدراتها العسكرية ستشهد زيادة ملحوظة في غضون الشهور القادمة. لكن الاحتمال الأكبر هو أن يقوم الفرع الصومالي بدور المنسق فيما يتعلق بأعمال الدعاية، ومن المرجح أن يستفيد من الممولين الداعشيين المعروف عنهم أنهم سبق لهم العمل داخل الصومال. إضافة إلى ذلك، فإن تشكيل جماعة أكبر سيساعد على جذب الجيوب المتبقية في كينيا وتنزانيا وأوغندا، مما سيوفر جاذبية إقليمية أوسع للتنظيم، وخيارات أكثر للوحدات التي سيمثل انضمامها دعما للجماعة الأم.

وبرغم أنه لا يمكن تجاهل الجانب العالمي المؤثر في الصراعات الدائرة في الكونغو وموزمبيق والصومال، إلا أن هذا لا يجب أن يطغى على حقيقة أن هذه الصراعات لا تزال تمثل في جوهرها ظاهرة شديدة المحلية، وأنه يجب التصدي لها على هذا الأساس. ومع ذلك، فإن هذا الملمح العالمي لن يؤدي إلا إلى زيادة ترسيخ أقدام هذه الجماعات المسلحة وزيادة انتشار تنظيم الدولة الإسلامية، وهو أمر مثير للقلق، خاصة إذا أخذنا في الاعتبار أن عددا غير قليل من الجماعات المسئولة عن العنف في شمال موزمبيق والكونغو لا يزال- على الأرجح – يعمل خارج نطاق تنظيم الدولة الإسلامية بشكل كامل. كما يثير الارتباط الكامل بالتنظيم العالمي للدولة الإسلامية مخاطر تحول المنطقة إلى بيئة جاذبة للمقاتلين المتمرسين والمستشارين المخضرمين، إضافة إلى الدعم المالي المتزايد من فروع تنظيم الدولة في مناطق أخرى من العالم.

*هذه المادة مترجمة. يمكن مطالعة النص الأصلي باللغة الإنجليزية من هنا

أحمد بركات

باحث و مترجم مصرى

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock