الإنترنت أداة فعالة للعمل, وهو أكبر ملعب للعمل في العالم. هكذا ذهب أناداراجان Anadarajn
تطالعنا الاحصاءات العالمية أن ثمانين بالمائة من الأعمال الآن تتم عبر الإنترنت, والسبب في ذلك لا يخفي علي أحد؛ إنه فيروس كورونا الذي فرض علي العالم إنجاز الأعمال عن بعُد, لم يقف الأمر عند حدود الشركات الكبري, ولكن المشروعات الصغيرة, وكيانات الأعمال الناشئة ذهبت أيضا إلي الشبكة لتمارس مهامها, بل ساعدت هذه الأزمة في نشأة كيانات تكنولوجية تسهل إنهاء الأعمال عن بعًد. ما الأعمال التي يمكن أن تنجز عن بعُد؟ وما المزايا التي نحصدها في ظل هذه الأجواء؟ وهل يؤدي العمل من المنزل في ظل انتشار فيروس كورونا إلي تباعد اجتماعي أم تقارب أسري؟ وما التحديات التي سيواجهها العالم في هذا السبيل؟ كلها تساؤلات مشروعة نطوف حولها، ونحاول أن نجيب عليها.
حدود العمل والحياة الخاصة
دخلت الهواتف الذكية وأجهزة الكمبيوتر, وشبكات الاتصال الحديثة مجال العمل منذ فترة ليست ببعيدة. وقد ذهب بعض الباحثين إلي أنها جعلت الحياة أكثر ضبابية، إذ أنها جعلت العمل يمتد بعد ساعاته المحددة، ولم يعد هناك حدود فاصلة بين وقت العمل والحياة الخاصة. إلا أن فيروس كورنا وانتشاره أجبر العالم علي هذه الطريقة في العمل. وشهد استخدام الإنترنت في العمل عن بُعد طفرة كبيرة للأفراد والشركات الصغيرة والكبري.
وبنظرة ماضوية بسيطة، نجد أن العديد من المنظمات كانت تقوم بمراقبة موظفيها خوفا من استخدام الإنترنت في الأغراض الترفيهية وغير أغراض العمل, وفي دراسة مبكرة قام بها باحث يسمي فيرون منذ مطلع الألفية الثالثة, رأى أن هناك عددا قليلا جدا من الشركات قد أبدت انزعاجها من استخدام موظفيها للإنترنت في أغراض شخصية أو أغراض الترفيه. ربما تغير الوضع الآن, وبات الإنترنت ضرورة أساسية في العمل, وباتت الشركات والمؤسسات تحث موظفيها علي إنجاز الأعمال من المنزل في ظل أزمة كورونا.
لقد سعت العديد من الدول إلي التحول الرقمي بطوعية, ولكنها لم تكن تتوقع مطلقاً أن التحول الرقمي سيصبح طريقة جبرية في العمل, ولعل كورونا فرض -ليس علي الشركات فقط – ولكن علي العالم كله أن يعمل عن بعُد, وأن يتجه نحو التحول الرقمي, لا تختلف في ذلك قطاعات الأعمال الخاصة والعامة, ولا حتي الأعمال التي تعتمد علي الأشخاص, باستثناء الأعمال التي تتطلب الحضور الجسدي.
الحجر الصحي وثقافة التباعد الاجتماعي
نعلم أن الحجر الصحي يعني عزل أشخاص أو حيوانات أو أماكن بغرض عدم انتقال العدوي, ولكن المكان اتسع وشمل العالم ودوله. وفي هذا السياق يمكن القول بأن الأزمات ارتبطت بمفهوم التضامن الاجتماعي, وهذ بالفعل موجود في الأزمة الحالية, ولكن بأشكال تختلف عن مفهومه التقليدي. فثمة حاجة ملحة إلي تباعد الأجساد من أجل الحفاظ ليس علي الفرد فحسب, ولكن علي المجتمع. أفرز الفيروس ثقافة التباعد الاجتماعي ليس في ميادين العمل فقط بل في ميادين الحياة برمتها, فقد فرض علي العالم قيود عدم السفر, وفرض علي الدول أن تغلق حدودها أمام السفر والانتقال, الأمر الذي دفع العديد من الشركات والأعمال إلى تبني استراتيجيات التباعد الاجتماعي. ولنضرب مثالا- في البداية – بالشركات والتنظيمات العالمية الكبري, فقد قامت الشركات العملاقة مثل Google- Amzon – Twitter في ظل أزمة فيروس كورونا بإجبار موظفيها على العمل من المنزل, كاستراتيجية لمواجهة مخاطر الفيروس, ودفع الفيروس هذه الشركات الكبري إلى اجراء المقابلات والاجتماعات عبر وسائل التواصل الاجتماعي المنتشرة عبر الإنترنت,
وقد أجبرت جوجل 100,000 من موظفيها علي العمل من المنزل, وأجبرت تويتر 5000 من موظفيها على نفس الأمر, و أشارت جينفير كريستي مديرة الموارد البشرية لتويتر إلى أن هدف شركتهم من عمل موظفيها من المنزل هو «تقليل احتمالية انتشار فيروس كورونا لنا وللعالم من حولنا».
سؤال: ماذا تعمل؟ جواب: يوتيوبر.
تطالعنا العديد من الدراسات بأن الثقة في الإنترنت في تنامٍ وتزايد, فقد شهدت بدايات التجارة عبر الإنترنت والتسويق الشبكي الريبة والشك بين العديد من مستخدمي الإنترنت وشبكات التواصل, إلا أن الأمر الآن بات مختلفاً الآن, إذ أن الضرورة دفعت إلى انهاء الأعمال عبر الإنترنت, ليس فقط التسويق والتجارة, ولكن العديد من الأعمال باتت داخل سياقات المجتمع الشبكي. ولعل المتأمل لواقع العمل داخل المجتمع الشبكي يدرك أنه لم يقتصر فقط علي الشركات الكبري العالمية العابرة للقوميات, ولكن ثمة مشروعات صغيرة يروج لها عبر المجتمع الشبكي, بل وثمة اعمال يقوم بها أفراد يتواصلون مع العملاء ويعقدون الصفقات عبر الإنترنت ووسائل تواصله المختلفة.
وبتأمل سياق مجتمعنا المصري, نجد أن مجموعات الفيس بوك والواتس أب, تزدحم بالعديد من أصحاب الأعمال الذين يمارسون تجاراتهم عبر الإنترنت, من بيع الأطعمة والمأكولات إلي المشغولات والصناعات اليدوية البسيطة, إلي الملابس, وغيرها. وهناك أعمال أخري تعقد برمتها من خلال الإنترنت وشبكات التواصل, منها علي سبيل المثال قنوات اليوتيوبب التي تقدم محتوي مدفوعا.
ويدرك المتأمل للمجتمع المصري أن المسألة تخطت فكرة التسويق, إلي فتح قنوات علي اليوتيوب, تقدم مضامين مختلفة ومتنوعة, و تجذب أكبر عدد من المشاهدين, ويرتبط ذلك بطبيعة الحال بالحصول علي عوائد مادية مقابل نسبة المشاهدات. لذلك نجد أن قنوات اليوتيوب تعددت ما بين نجوم الغناء والطرب, إلي سيدات وربات البيوت, إلي المدرسين, إلي أسر بأكملها تمارس حياتها علي هذه القنوات من أجل جذب المشاهدات.
وفي ظل أزمة فيروس كورونا تهافت العديد من فئات المجتمع المختلفة علي اليوتيوب, مثل المطربين، والمعلمين الذين نقلوا أنشطتهتم ودروسهم الخصوصية إلي اليوتيوب.
كورونا وحكايات العمل عن بعُد
علي الرغم من أن العمل من المنزل أصبح واقعا أُجبر عليه الأفراد والشركات بل والدول -ليس علي الصعيد المحلي فقط ولكن علي الصعيد العالمي أيضا-. فمن الأهمية بمكان تقييم هذه التجربة من وجهة نظر البعض, ليس من منطلق الاجتهاد ولكن من واقع بعض التقارير العالمية. حيث تطالعنا العديد من وكالات الأنباء العالمية والمقالات عن تجارب العمل من المنزل, ونستهلها من الصين حيث ذهبت العديد من الآراء إلي أن الصين لم تعتمد بشكل كبير في العمل علي تقنيات العمل عن بعُد لذلك فإن هذه التجربة غريبة عليهم ولكن مفروضة وفقا لمقتضيات الواقع, فقد ذهب أحد الباحثين إلي أن ثقافة العمل عن بعُد غريبة علي الصين, ولكنها نجحت فيها, بينما رأي أحدهم أنه عمل مبتور لأنه يخفي المشاعر والعواطف والايماءات التي تبدو من خلال التفاعل اليومي القائم علي الحديث المباشر نت الوجه للوجه, ويري أحد مديري شركة جوجل العالمية أنه عمل يتجاهل تعبيرات الوجه والتفاعل اليومي. كما ذهب آخر إلي القول بأن التفاعل عن بعُد في العمل مقتضب, يعتمد علي الاختصارات بالشكل الذي قد يؤثر علي طبيعة الأداء في الأعمال.
المحتالون يستفيدون
ليس هذا العنوان من وحي فكر الكاتب, ولكنه عنوان فرعي في أحد المقالات الأجنبية حول العلاقة بين تداعيات فيروس كورونا والعمل من داخل المنزل. فالأعمال المنزلية أكثر عرضة للانتهاك السيبراني. ولقد حذرت سلطات بعض الدول من المخاطر الأمنية لانهاء الأعمال من المنزل, فثمة نصب إلكتروني تسبب فيه فيروس كورونا, فقد كشفت النيابة الاسترالية عن جريمة عالمية, من خلال أحد الروابط الذي ظهر للعديد من الموظفين حول نصائح تتعلق بفيروس كورونا, وعند فتح الرابط يتم التعرف على الأكواد السرية للحسابات المصرفية لاصحابها, وتعرض الكثيرون للسرقة جراء فتح رابط الوقاية من كورونا.
وجب التأكيد علي بعض النصائح من إدارات العديد من الشركات التي نقلت أعمالها عبر الوسائط إلي موظفيها حفاظاً علي الأمن السيبراني, ومنها عدم فتح أي روابط أو ملفات تتضمن اسم فيروس كورونا, وتأمين باقات الإنترنت وشبكات الواي فاي المنزلية, والتفكير في حلول بديلة عند تعطل الإنترنت المنزلي. ولا ترتبط النصائح بالسلامة والأمن السيبراني فقط, بل ثمة نصائح اجتماعية وتقنية للعمل عن بعُد قدمتها التجربة الصينية علي وجه الخصوص منها: تطوير الثقافة التنظيمية للعمل, وزيادة الاستثمار في المنصات الإلكترونية, وإعادة النظر في العلاقة بين المدراء والموظفين, وتقوية الروابط العاطفية في بيئة العمل. وجدير بالذكر في هذا السياق أن هناك دراسة حديثة ارتبطت بفيروس كوررنا والعمل عن بعدُ خلال الأزمة في الصين, ذهبت نتائجها إلي أن العمل من داخل المنزل أدي إلي تقوية الروابط العاطفية بين أفراد الأسرة, خاصة في ظل حالات الحجر المفروضة في ظل انتشار الفيروس.
العمل بعد كورونا.. إلي أين؟
بعدما تنتهي الأزمة ويمر العالم بسلام نحو مستقبله, هل تُسهم تقنيات الإنترنت ووسائطه بعد كورونا في نشر ثقافة العمل عن بعُد ويمكث الناس في غرف منازلهم يديرون وينفذون الأعمال؟ أم يعودون إلى أعمالهم في مكاتبهم وشركاتهم؟ أعتقد أن المستقبل القريب سيحسم الإجابة باتجاه البقاء في المنزل في الكثير من الأعمال.