عز الدين نجيب ..الفنان والناقد، الكاتب القاص والروائي، والذي يمكننا وصفه بالموسوعي وأبو النقاد التشكيليين في مصر، وأحد أبرز الأسماء في المشهد الثقافي التشكيلي. تشير سيرته أنه من مواليد 30 أبريل 1940 في «مشتول السوق» محافظة الشرقية.. لأسرة من الطبقة المتوسطة الصغيرة يعمل أغلب أبنائها بالتعليم والزراعة، وهو الابن الخامس لأحد رجال التعليم، و كان هذا الأب المعلم يقرض الشعر ويمارس كتابة الخط العربي
مشروع إبداعي
لم يكن غريبا أن يلتحق عز الدين نجيب بكلية الفنون الجميلة بالقاهرة عام 1958 خاصة أن والده كان يمارس كتابة الخط العربي، ولاشك أن جزءاً من تلك الموهبة انتقل بشكل جيني وراثي إلى الإبن الذي اختار بدوره قسم التصوير الزيتي.
الفنان والناقد والكاتب «عز الدين نجيب»
في تلك الفترة التي التحق فيها بكلية الفنون الجميلة، اشتغل عز الدين على توسيع دائرة معارفه الثقافية وتنميتها وتطويرها فجاءت مجموعته القصصية الأولى «أيام العز» التي سبقتها المجموعة القصصية المشتركة «عيش وملح» والتي كتب لها المقدمة صاحب القنديل «يحيي حقي» جاءت المجموعة القصصية المشتركة والتي صدرت عن دار القومية العربية بأقلام «محمد حافظ رجب»، «سيد خميس»، «الدسوقي فهمي»، «عباس محمد عباس»، «عز الدين نجيب» لتشير أننا أمام كاتب وفنان، يرسل أشواقه عبر القصة القصيرة في زمن رائديْها يوسف إدريس ويحيي حقي.. و ليس غريبا أن يتورط نجيب بكامل إرادته في المضي في كتابة القصة القصيرة إلى جوار استكمال دراسته للفنون، فقد تحصل على ثلاث جوائز عام 1962 من المجلس الأعلى للفنون والآداب في مسابقة الأدباء الشبان والتي كان يرأس لجنة تحكيمها الناقد الكبير الراحل د عبد القادر القط
ويبدو أن ثمة مشروعا إبداعيا ممتدا لعز الدين نجيب مع القصة، ففي عام 1968 جاءت مجموعته القصصية الثالثة «المثلث الفيروزي»: والتي قدم لها يحيي حقي، وتبعتها عام 1975 مجموعة «أغنية الدمى» والتي صدرت عن اتحاد الكتاب العرب بدمشق، وفي عام 2016 صدرت له روايته نداء الواحة عن دار غراب وكذلك المجموعة القصصية «نقطة صغيرة في السماء» عن دار المحروسة.
أبوالتشكيليين
في مشروع عزالدين نجيب ثمة تجاور للفنون يصل أحيانا إلى حد التماهي فأنت لا تعرف هل يكتب قصة عبر اللوحة أم يرسم لوحاته عبر القصة، ثمة مزج بين العالمين، في ظني أن الناقد في أعماله يقف موقف المتفرج الذي لا يريد لنصه أن يكون جثة على طاولة التشريح النقدي، هو يتركه تماما دون انحيازات نقدية لمدارس فنية بعينها
في مشواره الفني الطويل استحق عز الدين نجيب بجدارة أن يكون أبو الفنانين التشكيليين المصريين، وأحد حراس النقد التشكيلي الذي ظل مجاورا لمشواره الإبداعي فقد قدم العديد من الدراسات النقدية التشكيلية والعديد من الفنانين المصريين بتتبع مساراتهم ومشاريعهم الإبداعية بالإشادة وصولا للتبني، كل هذا يأتي بمحبة عاشق وفنان يسكن قلبه الجمال. وعن هذا قال الناقد والكاتب مختار العطار: حين ترقى ثقافة الفنان الملون إلى آفاق الناقد والشاعر والفيلسوف، نلتقي في معرضة بلوحات رفيعة المستوى الفني والأخلاقي، كتلك التي قدمها عز الدين نجيب بعنوان: السكون والعاصفة / لوحات تندرج في فن المنظر لكنها ليست خلوية تتغنى بجمال الطبيعة وألوانها وأضوائها على طريقة الانطباعيين، إنما هي ابتكارات إبداعية وتأليف حكايات تروي قصة المجتمع في زمن التحول العظيم، تخضع عناصرها المقروءة ورموزها التشخيصية والنظم اللونية بدرجاتها، والإيقاعات الخطية والملامس والتكوينات الشكلية لمفاهيم الإشارة والكناية عن المضمون الإنسانيّ، والذي يجمع بين الظرف المحلي والسياق العالمي، في مرحلة الإقلاع من عصر الصناعة والأيدلوجيات إلى عصر التكنولوجيا والتغير الثقافي.
مثقف عضوي
رحلة عز الدين نجيب مع الفن والأدب والثقافة بشكل عام لا تعني فقط موسوعيته بل هناك جانب آخر مهم فيما يشغل مشروع نجيب.. ذلك الفتى الريفي الذي جاء من أسرة متوسطة وقد شغله الفن بكل تجلياته، ليجد الحركة الثقافية في أوج ازدهارها ويصبح واحدا من الممارسين لفعل المثقف لا التنظير لمعنى الثقافة والهوية فقط، و كان كل هذا نابعا من داخل الفنان الذي أراد أن يكون مؤسسا، وحتى في مجاله الوظيفي حول الأمر إلى هدف أكبر من فكرة العمل في وظيفة فقد أنشأ قصر ثقافة كفر الشيخ وجعل منه في تلك الفترة التي ترأس فيها مجلس إدارته أحد أهم وأبرز قصور ثقافة مصر، وعن هذا يشير الشاعر الراحل «حلمي سالم»: هو في نظري أحد النماذج العربية لما أسماه «جرامشي» المثقف العضوي «لكن الوصول إلى هذا النموذج كانت له ضريبته الباهظة». بالطبع دفع عز ضريبة انحيازاته وقناعاته بالناس وبالحياة فدخل السجن أكثر من مرة مع العديد من أبناء جيله، ويخرج ويستمر وينجح ويتحصل على جائزة الدولة التقديرية عام 2014 ويرأس تحرير سلسة ذاكرة الفنون «إلى الآن وهي السلسلة التي تصدر عن الهيئة المصرية العامة للكتاب»
نختم بشهادة الناقدة والكاتبة لطيفة الزيات وهى بمثابة شهادة للأجيال القادمة لتعرف أننا أمام فنان من طراز نادر وفريد تقول مخاطبة عز الدين نجيب: «أخذتني لوحاتك في رحلة مابين الواقع والخيال، أعطتني لوحاتك هذه اللحظة البهيجة التي تنتشل الانسان من الواقع بكل مراراته إلى الواقع فى جوهره الذي بقى على نقائه والواقع وهو يتحرك إلى غد افضل».