في بداية البعثة المحمدية كان من أشد أهل مكة عداوة للنبي ورسالته عمُه أبو لهب، وكذلك كان أبو جهل «عمرو بن هشام»، وأخوه العاص بن هشام، ومعهم عقبة بن معيط وأمية بن خلف، وقد لعب الوليد بن المغيرة دوراً بارزاً في الحرب على الإسلام والرسول، إلا أنه لم يبالغ في إيذاء المسلمين الأوائل باليد ولا بفحش اللسان مثلما فعل الآخرون.
أبو لهب هي كنيته لقبه إياها أبوه عبد المطلب لوسامته وإشراق وجهه، أما اسمه فهو عبد العزى بن عبد المطلب، وهو عم الرسول محمد، وبرغم ذلك كان أول من أعلن عداوته للنبي، ولم يكتف أبو لهب بالمعارضة الصريحة، بل عضدها بالعمل والكيد، ومارس شتى أنواع الإيذاء لرسول الله، وغالى في محاولات صد الناس عنه.
زوجته المكناة بأم جميل من سادات نساء قريش، اسمها أروى بنت حرب بن أمية، وهي أخت أبي سفيان، وكانت عونا لزوجها على محاربة وإيذاء النبي، حيث كانا من أكثر من عذبا أصحابه وتجاوزا عليه، وكانت أم جميل تجلب الأشواك لتضعها في طريق رسول الله بهدف إدماء قدميه.
https://youtu.be/Q449Y8Isuiw?t=104
البداية جاءت مع لحظة جهر الرسول بدعوته حين أمره الله أن يبدأ بالأقربين، فجمع النبي أهله وعشيرته على الطعام، ودعاهم إلى رسالة الإسلام، وانقسمت مواقف أهله وعشيرته، بين موقفين، أحدهما يمثله عمه أبو طالب، الذي أعلن نصرة ابن أخيه بمنطق القبلية، ومثَّل الموقف المضاد عمه الآخر أبو لهب الذي أظهر عداءه للنبي ولدعوته، ورأى فيها تأليباً على بني هاشم، وضياعاً لمصالحه مع قريش.
وحين صعد النبي إلى جبل الصفا، ونادى على كل بطون قريش حتى اجتمعوا، فدعاهم إلى الحق، وحذرهم من النار: (أنقذوا أنفسكم من النار، فإني لا أملك لكم ضرًا ولا نفعًا، ولا أُغنى عنكم من الله شيئًا، سلوني من مالي ما شئتم، لا أملك لكم من الله شيئًا)، فجاءته أول المواقف المعادية من عمه أبي لهب الذي صرخ فيه: (تَبًّا لَكَ سَائِرَ الْيَوْمِ، أَلِهَذَا جَمَعْتَنَا؟)، فنزل فيه قوله عز وجل في سورة المسد التي خصصت له ولزوجته: (تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ).
وقف أبو لهب موقف العداء من ابن أخيه منذ اليوم الأول، واعتدى عليه قبل أن تفكر قريش في ايذائه، ومارس ارهاباً ضد جماعة المسلمين، وألزم ولديه عتبة وعتيبة بأن يطلقا ابنتي رسول الله رقية وأم كلثوم، وقد بلغ من أمر أبي لهب أنه كان يتبع النبي في الأسواق والمجامع، ومواسم الحج ويكذبه، بل كان يضربه بالحجر حتى يدمى عقباه.
وكما بدأ أبو لهب عم النبي وجاره بالإيذاء العلني له، فقد تجرأ بقية جيرانه فكان أحدهم يطرح عليه رحم الشاة وهو يصلى، وكان أحدهم يطرحها في برمته إذا نصبت له، حتى اتخذ رسول الله حجرًا ليستتر به منهم إذا صلى، وكان إذا طرحوا عليه ذلك الأذى يخرج به على العود، فيقف به على بابه، ثم يقول: (يا بني عبد مناف، أي جوارٍ هذا؟)، ثم يلقيه في الطريق.
وكانت أم جميل امرأة أبي لهب لا تقل عن زوجها في عداوة النبي، فقد كانت تضع الشوك في طريقه، والقَذَر على بابه، وكانت امرأة سليطة تبسط فيه لسانها، وتطيل عليه الافتراء والدس، وتؤجج نار الفتنة، وتثير حربًا شعواء ضد الإسلام والمسلمين الأوائل خاصة الضعفاء والفقراء منهم.
https://youtu.be/C2biCtj5yeA
وقالت أم جميل لولديها: رأسي برأسيكما حرام إن لم تطلقا بنتي محمد، فقاما بتطليق أم كلثوم ورقية، وقال عتيبة: لأذهبن إلى محمد وأوذيه فذهب إليه قبل خروجه إلى الشام، فقال: يا محمد أنا كافر بالنجم إذا هوى، وبالذي دنا فتدلى، ثم تفل في وجه الرسول، ورد عليه ابنته وطلقها، فقال من شدة حزنه: اللهم سلط عليه كلباً من كلابك، عاد عتيبة إلى أبيه فأخبره ثم خرجوا إلى الشام فنزلوا منزلاً، فأشرف عليهم راهب من الدير وقال: إن هذه أرض مسبعة، فقال أبو لهب لأصحابه: أغيثونا يا معشر قريش هذه الليلة فإني أخاف على ابني عتيبة من دعوة محمد، فجمعوا جمالهم وأناخوها حولهم وأحدقوا بعتيبة، فجاء السبع يتشمم وجوههم حتى ضرب عتيبة فقتله.
ولما سمعت زوجة أبي لهب ما نزل فيها وفي زوجها في سورة المسد أتت رسول الله وهو جالس في المسجد عند الكعبة، ومعه أبو بكر الصديق، وقد ملأت كفيها بالحجارة، فلما وقفت عليهما أخذ الله ببصرها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلا ترى إلا أبا بكر، فقالت: يا أبا بكر، أين صاحبك؟ قد بلغني أنه يهجوني، والله لو وجدته لضربت بهذا الفهر فاه، أما والله إني لشاعرة، ثم قالت: مُذَمَّما عصينا، وأمره أبينا، ودينه قَلَيْنا، ثم انصرفت، فقال أبو بكر: يا رسول الله، أما تراها رأتك؟، فقال: (ما رأتني، لقد أخذ الله ببصرها عني).
https://www.facebook.com/quranygnaty/videos/2086201131674562/?t=31