رؤى

كامل زهيري.. من أكابر المتكلمين وآخر الموسوعيين

حوارات خاصة جدًا مع نقيب النقباء عن السياسة والصحافة ومشاهير الكتاب

عبد الناصر كان يقرأ الروايات البوليسية خاصة أعمال أجاثا كريستي

قلت لجماعة مايو احذروا السادات لكنهم اغتروا بما في أيديهم من قوة واعتمدوا على تنظيم سياسي ضعيف

بهاء الدين كان خجولاً، وكان يؤيد عن اقتناع، ويعارض عن قناعة، وظل متمسكاً باستقلاليته ونزاهته حتى اليوم الأخير

في عهد عبد الناصر حرص هيكل على الوجود في منطقة «الأهمية الرمادية» وعلَّم أسامة الباز فنون التواجد في هذه المنطقة

بصدد تفسير موقفه في 15 مايو قال لي هيكل بالحرف الواحد: كانوا ناويين يعملوا انقلاب، السادات سبقهم وعمله قبلهم

إحسان عبد القدوس كان يمكن أن يلعب مع السادات دور هيكل مع عبد الناصر، وكان يصلح لذلك

هيكل كان يجاملني كنقيب للصحفيين خشية أن أنضم إلى على صبري في مواجهته

كامل زهيري

كان لي حظ وشرف التعرف من قريب على جماعة من كبار «المتكلمين» في عصرنا الحديث، كان كل واحد منهم عميق الثقافة، موسوعي، متعدد الاهتمامات، شديد الوعي بوحدة المعرفة الإنسانية، توفرت لهم الفرصة والقدرة على التعرف على ثقافات العالم شرقه وغربه، مع اقتدار على هضمه واخراجه في صورة ابداع جديد، أضف إلى ذلك أن كل واحد منهم كانت به مَسْحَةٌ فنية من نوعٍ ما، أثروا حياتنا الفكرية والثقافية والفنية على مدار النصف الثاني من القرن الماضي.

وكانوا يمتازون مع كل ذلك بموهبة الكلام، وفنون الحكي الشفاهي، ويتبارون في ذلك إن جمعتهم جلسة واحدة، لهم قدرات هائلة على جذب المستمعين إذا تكلموا، وكنت تتمنى لو أن الوقت امتد بك طويلاً حتى لا ينقطع كلام الواحد منهم، يحبون الكلام ويتقنون فنونه، يتنقلون بين التاريخ والفن وبين الأدب والشعر وبين حكايات الملوك وأسرار الرؤساء وكواليس السياسيين وملاعيب الصحفيين كأنك في بساتين الكلام يانعةً ثمارُها على الدوام.

على رأس هؤلاء جميعاً أستاذنا ونقيب النقباء الراحل الكبير الأستاذ كامل زهيري، وكان من ألمعهم وأظرفهم كبير الساخرين الأستاذ محمود السعدني، وفي القلب من بينهم أستاذي وصديقي الكبير الأستاذ محمد عوده، وفي معيتهم كان الكاتب الصحفي الكبير يوسف الشريف يحاول أن يحجز لنفسه مكاناً ومكانة بينهم، وهم الذين عرفونا من خلال حكاياتهم في أمسياتنا الممتدة حتى مطالع الفجر عن الكاتب الكبير كامل الشناوي، وعلى الكبير متعدد المواهب وطاقة الابداع المتفجرة الأستاذ عبد الرحمن الخميسي، وشاء لي القدر أن أحضر جلسة حضرها الأستاذ الكبير أحمد بهاء الدين وهو ـ رغم خجله وركونه إلى الصمت في أحيان كثيرة ، ورغم علمه بوجود واحد من “المتكلمة” الكبار مثل الأستاذ السعدني إلا أنه كان إذا تكلم أسهب، وإذا أسهب أسمع، وإذا أسمع أشبع، حتى لا يكون هناك مجال لكلام جديد.

عرفت الأستاذ كامل زهيري كاتبًا ينحت التعبيرات، ويطلقها من «ثقب الباب[1]» فتجدها قد انتشرت على كل لسان، كانت له دار مخصوصة، لا يغالبه فيها منازع، دار هو صاحبها ومديرها والعامل الوحيد فيها، هي دار «سك الجملة»، ونقش التعبيرات القادرة على الحياة زمنًا طويلاً من بعده، وكثير من العبارات والكلمات الرائجة على ألسنة الصحفيين وفي كتابات الكثيرين هي من صناعة تلك الدار، وعليها خاتمه، وفوقها بصمته، يفاجئك كل حديث، أو كل مقال بعبارة مبتكرة، أو بتعبير مبتدع، يخرج منه على البديهة، كأنها سليقته التي لم يؤت خيرًا منها.

وعرفته أستاذًا في المهنة، وكبيراً من كبرائها، وكنا ولا نزال تلاميذ نحبو في بلاط صاحبة الجلالة، وكان هو من اختارني لأكون أول سكرتير تحرير لجريدة «العربيي»، وكان هو وقتها رئيس التحرير، واقتربت منه أكثر في مدة التحضير لإصدار الجريدة التي امتدت شهورًا، وكانت أحلامه تناطح السماء، وأعترف أنها كانت أكبر من الواقع الذي يحيط بجريدة حزبية ناشئة في ذلك الوقت، ولم يسعدنا الحظ بأن يكمل مسيرته مع «العربي»، وتلك قصة أخرى.

وعرفته نقيبًا للصحفيين، النقابة عنده أول الكلام وآخره، هي نقطة البدء، وهي أول المكان، منها إلى مثلث الرعب، حيث نادى القضاة ونقابة المحامين على جانبي نقابة الصحفيين، ومن هذا المثلث ينطلق حديثه معنا إلى معالم «وسط البلد»، ومن النهر إلى الشاطئ، وعبر النهر حتى الجبل، وبينهما أحياء القاهرة القديمة، إلى العاصمة كلها، بكل تفاصيلها المعمارية وسماتها الحضارية، ومنها إلى مصر في محيطها العربي، إلى عواصم عاشها وعاشت فيه، تبدأ من شوارع نيودلهي في الهند، ولا تنتهي عند شاطئ السين في قلب العاصمة الفرنسية.

كامل زهيري خلال مناقشات الجمعية العمومية عن القانون 93 لسنة 1995

تبقى نقابة الصحفيين عند كامل زهيري، رغم كثرة الترحال، هي موطن المحبة، في قلبه لها مكان الصدارة، هي بيته، أو هي بيت العائلة الكبير، لا يشبهه في ولعه بالنقابة غير قليلين، النقابة عنده وعندهم كائن حي، ومعنى فصيح، لا يعرفه إلا العالمون بقيمة العمل النقابي، بل هي امرأة يذوب فيها عشقًا، ويهيم بها حبًا، وهي (زى الولية اللى ييجى عليها ميكسبش)، قالها في مواجهة الرئيس أنور السادات، وكسبت النقابة، وخسر السادات مشروعه لتحويلها إلى نادٍ تابع لوزارة الإعلام.

قابلته في مؤتمرات نقابية، وفي ندوات علمية، وفي مؤتمرات حزبية عامة، وفي بيوت الأصدقاء، وسافرت معه إلى العراق مطالبين بفك الحصار الأمريكي عليه، ووقفت معه على ناصية شارع، أو في ميدان عام، يتحدث فينا كما كان يمزح معنا، وكنا لا نمل حديثه، ولو طال بالساعات. وكان يقول: «هو الواحد ها يلاقي كل يوم ناس زيكم يتكلم فيهم».

كان يحدثنا أن مصر عرفت بين المثقفين والمفكرين والفنانين عائلات بصرية وعائلات سمعية، ويضرب لنا الأمثلة، ممن عرفهم في مطالع شبابه، منهم كامل التلمساني الرسام الذي أصبح مخرجًا سينمائيا، وأخرج رائعته «السوق السوداء». وبين الرسم والسينما علاقة الصورة الثابتة والصورة المتحركة. وكذلك شقيقه الرسام حسن التلمساني الذي أصبح مصورًا سينمائيا، وصور فيلم «النيل» لفيني، وشقيقهما عبد القادر المخرج التسجيلي المعروف. ويلفتنا إلى موهبة الشاب المصور السينمائي طارق حسن التلمساني، وكان يقول في المقابل هناك نوع آخر من العائلات هي العائلات السمعية منها عبد الوهاب الكبير، وسعد عبد الوهاب الصغير، وليلى مراد ووالدها زكى، وشقيقها منير، ثم عائلات القصبجي، والموجي، والحجار، والصفتي، ومن قبلهم عائلات عكاشة، والشوا وغيرهم.

لا أعرف موضوعاً واحداً أو حقلاً من حقول المعرفة لم يتحدث فيه وحوله الأستاذ كامل زهيري بغزارة وعلم وتمكن، وأشهد أن زهيري كان عائلة وحده، عائلة بصرية وسمعية في آن، فقد كان كاتبا بمقدار ما كان رساما، وكان يدندن الألحان كفنان يتقن فنه، وكانت الموسيقى ولعه الكبير، وكانت لغته تدل عليه، وتشي بمواهبه المتعددة، مشرقة، ووهاجة، كأنها لوحة تعبيرية، كان يقول عن نفسه إنه كاتب هاو، وقارئ محترف، ونقول إنه كان يكتب كرسام محترف، وقارئ لا ينفك عن موهبة القراءة متعددة الاتجاهات والاهتمامات.

سافرت معه مرة وحيدة على متن أول طائرة كسرت الحصار الذي كان مفروضا على العراق، وكان لي شرف ملازمته طوال الساعات التي أمضيناها في بغداد، وكان لي معه في تلك الأثناء حوار ممتد لم يكن يقطعه غير مصافحات مع هذا المسئول العراقي أو تعليقات سريعة مع أحد أعضاء الوفد الذي كنا في رفقته.

وكانت لي معه حوارات مطولة، يسميها أحد أصدقائنا المشتركين حوارات ماراثونية، وكان أكثرها على الهاتف، وكنت استأذنه في تسجيل ما يسمح به من آراء حول بعض الشخصيات العامة، وهنا بعض هذه الآراء حول: جمال عبد الناصر، وأنور السادات، وعلى صبري، ومحمد حسنين هيكل، وأحمد بهاء الدين، وإحسان عبد القدوس، وموسى صبري، وطبعًا عن النقابة ولعه الكبير، وهي هنا بنصوص كلماته.

من اليسار (جمال عبد الناصر، أنور السادات، علي صبري، حسين الشافعي)

وكان مما قاله كامل زهيري عن الرئيس جمال عبد الناصر:

حين كنت رئيسًا لتحرير الهلال ومسئولاً عن قسم النشر بمؤسسة دار الهلال ما بين سنتي 1964 و1969 حرصت على التوسع في نشر الروايات العالمية بجميع أنواعها وتنوعاتها بما فيها الرواية البوليسية وقد نشرت واحدة من أعمل الكاتبة الإنجليزية الشهيرة أجاثا كريستي وقد جرى اختصارها بعض الشيء، وفوجئت بأحمد بهاء الدين يبلغني بأن الرئيس جمال عبد الناصر قال لسامى شرف أبلغ كامل زهيري بألا يلخبط ترجمة روايات أجاثا كريستي[2].

مجموعة من روايات أجاثا كريستي

 أعترف لك أنني قد أصابتني الدهشة، ورحت أسأل نفسي: هل الرئيس عبد الناصر لديه وقت لقراءة الروايات البوليسية لدرجة أنه يقرأ النص الأصلي باللغة الإنجليزية، ويقرأ كذلك النص المترجم، ويقارن بينها في عقله ليخرج بنتيجة أننا اختصرنا النص الأصلي؟ وكانت المفاجأة لي كبيرة فعلاً. وعندما سألت من يعرف عرفت أن الرئيس عبد الناصر كان حين يجد وقتاً للتسلية يقبل على قراءة بعض الروايات ومنها الرواية البوليسية التي كانت تمثل له نوعاً من التدريب العقلي، ولذلك حرصنا بعد ذلك على كتابة إشارة في أول الترجمات تؤكد أن هذا هو النص الأصلي والكامل للعمل.

ولكي تفهم عبد الناصر أكثر أنصح بقراءة كتاب ناصر وصحبه للكاتب «جورج فوشيه» فقد ذهب هذا الرجل إلى الكلية الحربية وبحث كشوف الاستعارة في سنوات الدراسة لجمال عبد الناصر وأثبت أنه لا يوجد كتاب عسكري لم يستعره عبد الناصر، وفي مكتبة الرئيس عبد الناصر وجدت كل الكتب القديمة التي تؤكد نهم عبد الناصر الشديد في التعرف على أحوال مصر، فهناك كتاب محمود أبو الفتح عن الوفد المصري وتاريخ مصر للأستاذ أحمد حسين، وعودة الروح لتوفيق الحكيم وكتب أخرى عن الإخوان والأزهر وعن الحروب والثورات في مختلف بلدان العالم وفي كافة العصور والأزمنة.

الرئيس جمال عبد الناصر

وكان مما قاله كامل زهيري عن الأستاذ هيكل:

هيكل قبل كل شيء صحفي شاطر، متميز وكان نشيطًا وموهوبًا، أقصد أنه كان صحفياً بالمعنى الكامل للكلمة، يجلس يوميا ليلخص جلساته ويكتبها ويسجلها ويأرشفها، والحق أنه قدم نموذجا للصحفي بمعناه الكامل. وكنا نذهب إليه مع أحمد بهاء الدين، والآخرون يظنون أن حديثنا جرى حول السياسة، والحقيقة أنه لم يكن يتوقف عن الحديث عن المطبعة، عن ماكينة للصور، عن الفاكس الذي أحضره. الخ الخ

ولقد استطاع أن يقترب من عبد الناصر منذ البداية، وامتدت بينهما علاقة لها طبيعة خاصة ومميزة، وأذكر لك رواية ذكرها لي المرحوم حسين فهمى عندما كان رئيسا لتحرير «الجمهورية» وهذه الواقعة حدثت في أثناء مؤتمر «باندونج» فقد لاحظ حسين فهمى أن هيكل يدخل على عبدالناصر ويظل معه طويلا قبل أن يخرج عليهم، وهو ورؤساء التحرير جلوس ينتظرون، وكان حسين فهمى يظن أن هيكل يحصل من الرئيس على انفراد صحفي سوف تحرم منه الجمهورية، فتطفل مرة ودخل على عبدالناصر وقال له: سيادة الرئيس أود أن أكتب رسالة صحفية، وأتمنى أن يحظى قراء «الجمهورية» ببعض المعلومات التي تعطيها لهيكل، فرد عليه الرئيس عبد الناصر بامتعاض: أنا قاعد مع هيكل لآخذ منه الأخبار، وليس لأعطيه معلومات.

ولعلك تستغرب إذا قلت لك أن «هيكل» كان متواضعًا جدًا، ولم يكن يظهر بأي شكل علني درجة أهميته وقربه من جمال عبد الناصر، حتى الكلام الذي كتبه فيما بعد، لم يحدث ولا مرة واحدة أن ذكره في حياة عبد الناصر، أذكر أننى شاهدته نازلاً من طائرة الرئيس وكان آخر النازلين بعد الرئيس والوزراء والمرافقين، كان يتقن التواجد في المنطقة التي يطلق عليها الفرنسيون منطقة «الأهمية الرمادية»، وأظن أنه علم أسامة الباز الحرص على التواجد في هذه المنطقة وقد أتقنها الباز بدوره.

إن لم يكن هيكل أفاد الصحافة كمهنة، فهو على الأقل أفاد «الأهرام» وجعلها مؤسسة كبيرة وعصرية، والجريدة في عهده أصبحت أهم صحيفة عربية على الإطلاق وصنعت لنفسها سمعة دولية وليست عربية أو محلية فقط.

أعطى هيكل للأهرام طويلاً وكثيرًا، أعطاها من وقته وجهده وعرقه وفكره، بل أعطاها من أهميته، وأسبغ حماية على العاملين بالمؤسسة، إلى الدرجة أننى كنت أداعب «الأهراميين» كما كنا نسميهم بالقول: أنتم لستم «شركة شل» التي كانت تعطى خيرات لعمالها حتى يتميزوا على العمال الآخرين في الشركات الأخرى فلا ينضموا إلى الحركة النقابية العمالية.

محمد حسنين هيكل، وجمال عبد الناصر

وكان مما قاله كامل زهيري عن الرئيس أنور السادات:

التقيت أنور السادات وهو نائب الرئيس لأمر يخص مؤسسة «الأخبار» التي كان مشرفًا عليها، والنقابة التي كنت أنا نقيبها، ووسط حديث طويل تناولنا فيه الكثير من الموضوعات الداخلية قال لي السادات: «البلد لازم تطهر من أول زكريا محيي الدين لغاية البواب».

كان عبد الناصر وقتها يمر بأول أزمة قلبية والسادات كان قد أصبح نائباً للرئيس وبدا لي ـ أو لنقل إنه تبين لي فيما بعد ـ أنه كان يرتب لوراثة عبد الناصر، كان يريد أن يعرف من معه ومن ضده، وقد أوحى لي أثناء هذا الحديث عن إمكانية مساعدته لي في تمرير وإقرار قانون النقابة الذي كنت أسعى إلى إقراره وقتها من مجلس الأمة، وكان منطقه: خليك معي وأنا أمشي لك الموضوع.

وفي الحديث نفسه أذكره وهو يتحدث عن وقائع تطهير القضاء التي جرت في هذه الآونة بتحريض منه والتي سميت فيما بعد «مذبحة القضاء» وكان يقول لي: «لا يا كامل .. ده فيه قضاة خرجوا من عندهم و«خوَّضوا» عندك وطلعوا من على السور ليتدخلوا في انتخابات نقابة المحامين .. هو ده معقول؟»، انتبهت على كلمة: «خوضَّوا» ولاحظت أنه ينظر إلى نقابة الصحفيين باعتبارها الزمام الخاص بي، خوضوا عندك، وشعرت بعقليته الزراعية.

وفي أواخر عهد السادات كان له موقفاً سيئاً من نقابة الصحفيين ومن حرية الصحافة، وكنت دائمًا ما أقول إن النقابة مثلها مثل «المرأة» صوتها عالي ولكن «اللي بيجي عليها ما يكسبش» وأنه لا أحد جار على حرية الصحافة وانتهي نهاية طبيعية.

وأذكر أننى دعيت بصفتي نقيبًا للصحفيين إبان الأزمة الأخيرة بين السادات والنقابة مع عدد من كبار الصحفيين بينهم مكرم محمد أحمد وموسى صبري وصلاح جلال وصبري أبو المجد وجلال عيسى إلى لقاء مع وزير الإعلام وقتها منصور حسن وكان متفهمًا لدور النقابة ولأهمية حرية الصحافة.

وكان أن أقحم موسى صبري موضوع هجوم الصحفيين بالخارج على النظام وخاصة على جيهان السادات، وأقول لك: والله العظيم وقف موسى صبري فوق الكرسي، والموجودين ستة أو سبعة أشخاص فقط، وأخذ يتحدث ويبكي، على شتيمة جيهان السادات، وكان المطلوب منى أن أفصل هؤلاء الصحفيين، ولما رفضت قيل لي افصل فقط محمود السعدني، وكنت أرى أن فصل السعدني لن يكون إلا مجرد بداية، تتلوها عمليات فصل أخرى ولن تتوقف عند أحد أو حد. وأنقذ الموقف أن منصور حسن اعتبر أن القضية غير مطروحة للمناقشة.

كامل زهيري، وأنور السادات

وكان مما قاله كامل زهيري عن الصراع عند قمة السلطة في مايو سنة 1971:

مجموعة مايو اغتروا بما في أيديهم من قوة واعتمدوا على تنظيم سياسي ضعيف أو كانوا هم قد أضعفوا فاعليته وتأثيره وقدرته على المبادرة والحركة.

وبالغوا في قدرتهم وتصوروا أن الاستقالة سوف تقيم الدنيا ولا تقعدها وأثبتت الحوادث أن تكتيكهم كان خاطئًا، حتى في اختيارهم لأنور السادات أو انحيازهم إلى صف أن يكون هو خليفة لعبد الناصر جرى إيهامهم بأن المرشح الآخر سيكون زكريا محيي الدين وكانت ورقة زكريا فاصلة في إسراعهم إلى الاستقرار على السادات، وهيكل كان يحس من ناحيته بعداء التيار الآخر له، كان يعرف أنهم “Block Him” أو يحاولون التصدي له.

وأذكر أن أحدهم جاءني في فبراير سنة 1971 ليخبرني: «صاحبك السادات يتصل بالأمريكان»، لم أكن مفاجئًا بشكل كامل ولكن أذكر أننى قلت للجماعة: «احذروا هذا الرجل»، وكنت أقول لهم دائمًا إنه يملك عقلية إرهابي، يتناول معك طعام الغداء ويترك حقيبة القنابل إلى جوار مائدة الطعام ويمضي إلى حال سبيله ويتركك تواجه مصيرك، وحدك، كانوا لا يقدرون العقلية المزدوجة للإرهابي وظلوا يستهينون به حتى النهاية.

وأذكر أن هيكل بصدد تفسير موقفه في 15 مايو أمامي قال لي بالحرف الواحد: كانوا ناويين يعملوا انقلاب يوم الأربعاء (مثلاً) السادات سبقهم وعمله يوم (الاثنين).

من ناحيتي كنت أثق في على صبري وأحس أنه مثقف، مش مجرد ضابط، رجل في مكتبه بقصر القبة تجد لوحات فنية جميلة وأظن أن هيكل كان يجاملني كنقيب للصحفيين وحين أطلب منه 5 آلاف جنيه نسبة الأهرام فيرسل 10 آلاف وأتصور أنه كان يخشى أن أنضم إلى على صبري في مواجهته، وكنت أحرص على استقلالية النقابة وأقول لزملائي أعضاء مجلس النقابة عندما يطلب البعض أن نأخذ موقف مساند سواء لعلى صبري أو لهيكل: إن أمثال هؤلاء عبارة عن «لوريات كبيرة» تسعى في الأرض أما نحن فمجرد «موتوسيكلات».

محاكمة علي صبري (مارس 1972)

وكان مما قاله كامل زهيري عن علاقة أنور السادات وهيكل:

السادات أراد أن يستغل هيكل لذلك سرعان ما اصطدموا واختلفوا ثم افترقوا. لم تكن طبيعة العلاقة التي نشأت بين هيكل وعبد الناصر لتسمح بأن تنمو علاقة أقل مع شخص مثل السادات. هو لم ينافق عبد الناصر، فكيف ينافق السادات.

وأكرر أن كيسنجر لعب دورًا ما في إبعاد هيكل عن السادات لأنه كان يريده معزولاً بمفرده، كي يؤثر فيه أكثر ويلعب على نقاط ضعفه بطريقة مفتوحة بدون عوائق.

وقال لي الأستاذ زهيري تسألني عن الأسباب التي أدت إلى نهاية علاقة السادات وهيكل بهذا الشكل الذي جرت به الوقائع المعروفة أقول لك قد يكون من أسباب تلك النهاية أن السادات أراد أن ينسب الفضل إليه فيما يحدث، بمعنى ألا يشاركه أحد في أي إنجاز؟، وربما رأى السادات أن هيكل تخلى عن الحديث بحذر عن علاقته بالرئاسة وبالسادات، كما كان يفعل مع عبد الناصر، وبدأ يتحدث عن أنه قال للسادات كذا وسمع منه كيت؟ ربما الله أعلم.

بالمناسبة هل تعرف أن إحسان عبد القدوس كان يمكن أن يلعب مع السادات دور هيكل مع عبد الناصر، وكان يصلح لذلك، ولكن للحق أقول إن إحسان كانت لديه “ذمة” في السياسة وهي شيء لا يحبه السادات ولا يستريح إليه.

أنور السادات، ومحمد حسنين هيكل

وكان مما قاله كامل زهيري عن أحمد بهاء الدين كان خجولاً، يكتم في نفسه، وأكثر اتزانًا، كان كيمائيا في الكلام، وكانت ميزة بهاء أنه يستطيع تلخيص الموقف في كلمتين، «الدولة العصرية»، «الفجوة الحضارية بيننا وبين إسرائيل»، مشكلة بهاء وميزته أنه ظل حساسًا تجاه استقلاليته، ومعتزاً بنفسه، يقول لك: أنا مضطر أنشر صور جيهان السادات، لكنى لست كذلك بالنسبة لزوجة عبدالعزيز حجازي، وكان بهاء يؤيد عن اقتناع، وليس عن أوامر، وأعتقد أن الهزيمة هزت بهاء جدًا، وتركت داخله مرارة شديدة ـ أنا مثلاً ازددت تأييدًا لعبدالناصر بعد النكسة كنت أخشى من نتائج المؤامرة الإسرائيلية الأمريكية، ولكن بهاء كان قد ابتلع مرارة قاسية بعد يونيه 1967.

أنور السادات، وأحمد بهاء الدين

[1] عنوان عموده الصحفي في جريدة الجمهورية.

[2] تدرج موسوعة جينيس للأرقام القياسية كريستي كالروائية الأفضل بيعًا على الإطلاق. باعت رواياتها نحو 2 مليار نسخة، وتشير ممتلكاتها إلى أن أعمالها تحل في المرتبة الثالثة في تصنيف الكتب الأكثر انتشارًا في العالم، بعد أعمال شكسبير والإنجيل فقط.

 

محمد حماد

كاتب وباحث في التاريخ والحضارة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock