رؤى

«إلقاء إسرائيل في البحر».. عندما نقع أسرى الدعاية الصهيونية

في حوار صحفي أجري معه في مطلع السبعينات، قال موشي ديان وزير الدفاع الإسرائيلي السابق: «العرب أمة لا تقرأ». لو أتيح للمرء أن يضيف إلى جملة ديان، لكانت الإضافة هي:«العرب أمة لا تبحث»، فنحن حقا لا نبحث في تاريخنا، خاصة ما يتصل بصراعنا مع إسرائيل.

صرنا بفعل دعاية مركزة ونشطة للغاية نردد نفس مقولات العدو التقليدية عن ذاته وعن أنفسنا. يتضح هذا بجلاء شديد حين يناقش العرب حقيقة ما حدث في يونيو (حزيران) 1967، فلا يزال البعض منا يحمل العرب مسؤولية «بدء الحرب» ويردد نفس مقولة العدو الإسرائيلي: أن العرب، وعلى رأسهم الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر، هددوا بإلقاء إسرائيل في البحر.

الرئيس الراحل جمال عبد الناصر

ما مدى صحة هذه العبارة؟ هل هدد العرب حقا في أي جولة من جولات صراعهم مع إسرائيل بإلقائها في البحر؟ وهل يعني هذا بالضرورة أن إسرائيل كانت في حالة دفاع عن ذاتها ووجودها في حرب عام 1967؟

بداية، علينا أن نقر أن إسرائيل نجحت في أن ترسم لنفسها صورة في العقل الجمعي الغربي بفضل دعايتها الإعلامية، كدولة صغيرة محاطة بالأعداء من كافة الجهات المتأهبين للقضاء عليها، وتم توظيف المحرقة النازية في إطار هذه الصورة لتصوير أن هدف العرب كالنازيين هو إبادة اليهود.

الوقائع التاريخية تثبت عكس ذلك، ففي نكبة عام 1948 التي أسمتها إسرائيل «حرب الاستقلال»، وصورتها حربا تخوضها 7 جيوش عربية مقابل إسرائيل الدولة الصغيرة الناشئة. لم يواجه الصهاينة الأوائل في حقيقة الأمر سوى حوالي 25 ألف جندي عربي، وفي المقابل كانت العصابات الصهيونية قد دربت وسلحت حوالي 65 ألف مقاتل بأحدث الأسلحة.

حرب 1948

وفي حرب السويس عام 1956 كانت إسرائيل هي البادئة بالعدوان باعتراف قادتها أنفسهم، أما عدوان يونيو (حزيران) 1967 فسبقته عملية دعاية واسعة استطاعت اجتذاب تعاطف واسع في الغرب لصالح إسرائيل «المهددة بأن تلقى في البحر».

نكسة يونيو 1967

في كتابه: «المثلث المحتوم.. أمريكا وإسرائيل والفلسطينيين» ينقل المفكر الأمريكي ناعوم تشومسكي عن الجنرال عيزرا وايزمان قائد سلاح الجو الإسرائيلي في ذلك الوقت: «أن إسرائيل لم تواجه أبدا خطر الإبادة». ويضيف شهادة أخرى لمناحم بيجين رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق: «في يونيو 1967 كان أمامنا مرة أخرى الخيار، تجمعات الجيش المصري في سيناء لم تكن دليلا على نية ناصر في مهاجمة إسرائيل، علينا أن نكون صادقين مع أنفسنا، نحن من قررنا مهاجمته».

وفي عام 1973 وجه عضو البرلمان البريطاني كريستوفر مايهو تحديا فريدا من نوعه لأنصار إسرائيل، عندما عرض أن يقوم بدفع مبلغ خمسة ألاف جنيه إسترليني لمن يستطيع أن يأتيه بأي دليل تاريخي يثبت أن الرئيس عبد الناصر هدد بالفعل بإلقاء إسرائيل في البحر. وكرر مايهو التحدي في مجلس العموم البريطاني، بل وقام بتوسعته مطالبا بأي دليل تاريخي على ذكر هذا التهديد على لسان أي زعيم عربي.

تسبب تحدي مايهو المتكرر في استدعائه للمحاكمة في العام التالي من قبل مناصر لإسرائيل يدعى وارين بيرجسون، وبعد جلسات استماع عدة، اعترف بيرجسون في نهاية المطاف، تحديدا في فبراير عام 1976 وأمام المحكمة العليا البريطانية بعدم قدرته، بعد إجرائه بحثا مطولا، أن يجد عبارة واحدة من أي زعيم عربي، خاصة عبد الناصر، يمكن أن توصف بأنها تهديد بإبادة إسرائيل.

كريستوفر مايهو

الحقيقة التي لا تشأ إسرائيل الاعتراف بها هي أن العرب لم يهددوا أبدا بإلقائها في البحر، وإنما هي التي ألقت -بالمعنى الحرفي للكلمة- آلاف الفلسطينيين إلى البحر، ويذكر الرائد ر.د ويلسون، وهو ظابط في سلاح الجو البريطاني كان متواجدا في حيفا لدى دخول العصابات الصهيونية إليها عام 1948، أن «عشرات الألوف من العرب اندفعوا هاربين من حيفا في حالة من الذعر، ولم تكن رحلتهم دون مخاطر، فقد كانوا عرضة لهجمات من قبل اليهود طوال الوقت». لم يكن أمام هؤلاء سوى اللجوء إلى البحر محاولين النجاة بحياتهم عبر القوارب المتجهة إلى قطاع غزة وإلى مصر. كان المشهد معاكسا تماما لكل ما ادعته إسرائيل طويلا، فالفلسطينيون هم من هرب إلى البحر تطاردهم نيران الصهاينة المفتوحة وراءهم.

ولعل من المهم هنا أن نستحضر مقولة العالم المصري الراحل الدكتور جمال حمدان: «العرب لم يلقوا بإسرائيل إلى البحر ولكن إسرائيل هي التي ألقت شعبا بأكمله إلى الصحراء».

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock