«فاطمة المرنيسي» عالمة الإجتماع المغربية التي عُرِفَت كواحدة من أشهر النسويات العربيات اللاتي طرحن قضية المرأة في الإسلام والتي نالت شهرتها من كتابيها: «الحريم السياسي .. النبي والنساء» و«سلطانات منسيات» .. كيف تمكنت من الجمع بين الاستعانة بمناهج علوم التفسير وهى التي لم تأت من حقل الدراسات الإسلامية ومناهج العلوم الإجتماعية الحديثة؟ وهل أصبحت بذلك واحدة ممن اطلق عليهن اتجاه «النسوية الإسلامية»؟
الدكتورة ريتا فرج الباحثة المتخصصة في الدراسات الإسلامية في دراستها: «إمرأة الفقهاء وامراة الحداثة .. خطاب اللامساواة في المدونة الفقية» تطرح عدد من التساؤلات حول حياة فاطمة المرنيسي وكيف تمكنت من التصدي للعديد من القضايا التي تخص المرأة في الإسلام، وذلك في محاولة للتعرف على المنهجية التي اتبعتها المرنيسي في دراساتها والتي مكنتها من التمييز بين كل ما يتعلق بالإسلام الروحي، والإسلام السياسي.
د. ريتا فرج ودراستها: «إمرأة الفقهاء وامراة الحداثة .. خطاب اللامساواة في المدونة الفقية»
فاطمة المرنيسي من «حريم» فاس إلى رحاب العالم
ولدت فاطمة المرنيسي بمدينة «فاس» المغربية سنة 1940، بمجتمع تقليدي، درست بالمدارس العربية الخاصة بالمغرب، ثم تابعت دراستها الجامعية بفرنسا وحصلت على درجة الدكتوراه في علم الاجتماع من إحدى الجامعات الأميركية، وعملت كأستاذة بجامعة الرباط.
اعتادت المرنيسي الكتابة باللغة الإنجليزية والفرنسية غير أن الجزء الأكبر من كتاباتها قد تُرجم للعربية، وعُرِفَت بنشاطها في مجال مؤسسات المجتمع المدني المعنية بقضايا حقوق النساء، حيث شاركت في تأسيس عدد من المؤسسات من أشهرها تجمع «نساء، عائلات، أطفال».
تروي فاطمة المرنيسي في كتابها الذي يعد بمثابة سيرة ذاتية لها ويحمل عنوان: «نساء على أجنحة الحلم» عن طفولتها حيث نشأت في ظل عائلة محافظة تضع حدود فاصلة بين الجنسين. كان والدها من أعيان مدينة فاس وهو ذو سلطة كبيرة داخل البيت، غير أنها قد اعتادت أن تخترق تلك الحدود التي كانت تفصل بين عالم الرجال وعالم «الحريم» ورغم حرصها على تجاوز تلك الحدود الفاصلة بين هذين العالمين إلا أن هذا لم يمنعها من أن تصف بشغف شديد وبهجة العالم الداخلي المغلق للنساء بالمغرب وما يتضمنه من موسيقى ورقص وطقوس تتعلق بذلك المشوار الجماعي للنساء للحمام الشعبي وما يرافقه من تحضيرات.
الدكتورة ريتا فرج تقدم فاطمة المرنيسي مشيرة إلى أنه لمن الخطأ المنهجي إدراجها ضمن خانة «النسوية الإسلامية» ذلك أنها وعلى الرغم من انشغالها الشديد بقضايا المراة في الإسلام إلى أنها تعد من «النسويات العلمانيات» كما اعتادت هى ذاتها على تعريف نفسها.
الحريم السياسي
وفقا لريتا فرج فان المرنيسي انطلقت في دراستها: «الحريم السياسي، النبي والنساء» من منظور تفنيد عدد من الفروض الأساسية التي سعت لاستبعاد النساء من الحيز السياسي العام، إلى جانب ايضاح أن القوانين المجحفة تجاه النساء لم تُستَمد من القرآن.
على ذلك نهض منهج المرنيسي على الإنطلاق من مرجعية الإسلام ذاته وتاريخه وإعادة قراءة السيرة النبوية في سياقها التاريخي والاجتماعي والسياسي، إلى جانب مراجعة جميع الأحاديث التي جاءت في شأن النساء، وأخيرا إبراز تاريخ الأدوار الحية التي لعبتها النساء المسلمات في المجال العام.
تتوقف ريتا فرج عند استخدام المرنيسي لكلمة «الحريم» في عنوان الكتاب مشيرة إلى أنه يُحيل القارىء إلى وجود تناقض اجتماعي وسياسي بين المرأة والعمل السياسي، إلى جانب إزدواجية «الأنثوي .. السياسي» على إعتبار أن المجال العام يعد لدى الأغلبية حكرا على الرجال، وأن الأنثى ليس لها أي علاقة به.
تلفت المرنيسي في دراستها النظر إلى ان قضية استبعاد النساء من الحقل السياسي تمت في اعقاب وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم، وانه جرت بعده محاربة المساواة التي كرسها القرآن الكريم وطبقها النبي صلي الله عليه وسلم على أمهات المؤمنيين ونساء الجماعة الإسلامية الأولى.
سلطانات منسيات
تنتقل فاطمة المرنيسي في كتاب «سلطانات منسيات» لتناول الأسباب التي دفعت الذاكرة الجماعية العربية لإخفاء أي دور سياسي قامت به النساء في التاريخ الإسلامي، وقد اعتمدت منهجيتها في دراسة قضايا السلطة والمعرفة على وجه الخصوص على مقولات ميشيل فوكو.
تلفت المرنيسي النظر إلى أن الفقهاء في تناولهم لقضية قيادة المرأة لقضايا المسلمين الدينية والسياسية قد انقسموا إلى فريقين، يرى الفريق الأول عدم أهلية المراة لتولى مهام (الإمامة العظمى) أي رئاسة الدولة وهو ما ذهب إليه الفقهاء القدامى وبعض المعاصرين، أما الفريق الثاني فقد اجاز أن تتولى المرأة رئاسة الدولة وذلك على خلفية أن الإسلام يُجيز للمرأة ما يُجيزه للرجل.
وقدمت المرنيسي نماذج صريحة لدور المرأة المسلمة في تولي القيادة السياسية مثل شجرة الدر التي اقتحمت «المسرح السياسي» بعد وفاة زوجها الملك الصالح آخر ملوك الدولة الأيوبية، التي تسلمت العرش سنة 648 هجريا، ولاقت معارضة من الخليفة العباسي حتى تزوجت من عز الدين أيبك فاستقر لها حكم مصر، إلى جانب الملكتين أسماء بنت شهاب الصليحية وأروى بنت أحمد الصليحية اللتين حكمتا اليمن وكانت تُلقَى الخطب باسمهما في المساجد.
المرنيسي في تناولها لتاريخ السلطانات المنسيات لم تسعى لأظهارهن كشخصيات مثالية، بل على العكس من ذلك حرصت على التعرض للجانب الخفي من الآليات التي اعتادت بعض النساء على استخدامها في عالم السياسة من مكر وحيلة وضربت المثال بما اقدمت عليه الخيزران زوجة الخليفة المهدي العباسي وأم الخلفاء الهادي وهارون الرشيد والتي استطاعت بهذه الاليات تجاوز حدود الدور المرسوم للحريم دون أن تثير ضغينة الرجال.
روت المرنيسي عن نساء لجأن إلى استخدام آلية الاغتيال السياسي حفاظا على السلطة، ومن ثم تناولت ثلاثية: «الجنس .. السياسة .. العنف» .. تلك الثلاثية التي كانت لها مفعول السحر في العديد من المحطات التاريخية.
دراسة «سلطانات منسيات» لفاطمة المرنيسي لم تكن وفقا لريتا فرج مجرد دراسة للدور السياسي للنساء، وإنما هى إضافة لذلك تعد دراسة نقدية للبنية الفكرية المعرفية التي تقف موقفا معارضا لقضايا المرأة وحقوقها السياسية، وعلى هذا فهى لم تهدف في دراستها إلى تقديم مادة تاريخية توثيقية فقط وإنما أرادت بدراستها تقديم نقد للمنهج السوسيولجي الذي يتعامي عن وقائع التاريخ ويرفض التعامل مع أدوار النساء اللاتي مارسن السلطة.
تنوعت كتابات فاطمة المرنيسي ما بين دراسة السلطة والمعرفة وعلاقتها بقضايا المرأة إلى جانب إنشغالها بالبحث والتنقيب داخل الفكر الديني، ودراسة النقد الأدبي عبر تركيزها على صورة شهر زاد في الأدب الغربي.
تعرضت المرنيسي للكثير من النقد الناجم عن خوضها مجال تفكيك بنى المقدس والتراثي المرتبط بمكانة النساء عبر تجربتها التي كانت بمثابة محاولة لإعادة تقييم مكانة المرأة السياسية في الإسلام، التي جاءت في إطار محاولة طرح أسباب تهميش الدور السياسي للمرأة في تاريخ الحضارة الإسلامية ومن هو ذاك المستفيد من عملية التهميش والتجهيل التاريخي تلك.
توفيت فاطمة المرنيسي في 30 نوفمبر 2015، بعد خوضها لرحلة إبداعية تمكنت خلالها من تحريك المياه الراكدة في مجال دراسات المرأة، لتفتح بذلك المجال واسعا أمام الباحثات والباحثين الجدد في مجال نقد النص التراثي في علاقته بالتمييز ضد المرأة.