اعتاد الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء على إجراء دراسة شبه منتظمة تحمل عنوان: «بحث الدخل والإنفاق والإستهلاك»، تهدف إلى قياس مستوى معيشة الأسرة المصرية تساعد الباحثين المتخصصين في مجال دراسات الفقر على التعرف على مؤشرات قياس مستويات الفقر وأنماط وعادات الإستهلاك وما يطرأ على تلك العادات من تغيرات، في هذا الإطار تم مؤخرا إجراء دراسة تهدف للتعرف على أثر فيروس كورونا على دخل وإنفاق ونمط إستهلاك الأسرة المصرية.. تُرى كيف تأثرت الأسرة المصرية وكيف تعاملت مع تلك الأزمة؟.. وهل مصر باتت على شفا أزمة تتعلق بالأمن الغذائي؟
فيروس كورونا كارثة على العاملين
مثلت أزمة كورونا كارثة حقيقة لدى 61.9% من الأفراد المشتغلين بالأسر المصرية، حيث تغيرت حالتهم العملية فبات نحو 26% منهم متعطلين تماما عن عمل، أما الباقون فقد انخفض عدد أيام عملهم الأمر الذي أثر على معدلات دخولهم حيث أفاد 73.5% من إجمالي العاملين أن دخولهم قد إنخفضت منذ ظهور فيروس كورونا.
الدراسة تؤكد على أن إنخفاض الدخل قد جاء نتيجة أزمة انخفاض الطلب على العديد من الأنشطة نتيجة غلق بعض المنشآت نهائيا مثل المدارس والجامعات والنوادي وغيرها من الأنشطة الترفيهية نتيجة الإجراءات الإحترازية التي اتخذتها الدولة لمواجهة أزمة كورونا، والأمر لم يقتصر على تعطل ربع العمالة عن العمل وإنخفاض دخول ما يقرب من ثلاثة أرباع العاملين وإنما تزامن مع هذا توقف مساعدات أهل الخير إلى جانب توقف مساعدات الجمعية الأهلية.
فيروس كورونا وتغير نمط الإستهلاك
في الوقت الذي أجمع العالم فيه على ضرورة الإهتمام بنظام التغذية بهدف تقوية جهاز المناعة كسلاح أخير في مواجهة فيروس كورونا، تصدمنا نتائج الدراسة بالإشارة إلى إنخفاض قيم إستهلاك السلع الغذائية من «لحوم وطيور وأسماك وفاكهة» بنسبة تصل إلى 25.7% للحوم ونسبة 22.8% للطيور ونسبة 17.5% للأسماك، ونسبة 14.5% للفاكهة، وذلك في مقابل زيادة نسبة إستهلاك الأدوات الطبية بنسبة 46.5% والمنظفات والمطهرات بنسبة وصلت 67%.
إنخفاض قيم إستهلاك السلع الغذائية
أي أن الناس في مواجهة أزمة كورونا باتوا مخيرون بين أن يهتموا بالتغذية أو الإستعانة بالأدوات الطبية والمطهرات، ذلك أنهم لم يتمكنوا من الجمع بين الأثنين الأمر الذي جعلهم يخفضون من إستهلاك المواد الغذائية كي يتمكنوا من تلبية إحتياجهم الجديد للأدوات الطبية والمطهرات.
زيادة نسبة إستهلاك الأدوات الطبية
الأمر الأكثر كارثية تمثل في أنه في الوقت الذي انخفضت فيه الدخول كما سبق الإشارة لدى 73.5% من الأفراد زادات أسعار السلع بشكل عام وخاصة سلع الأدوات الطبية والمطهرات التي زاد الإقبال عليها نتيجة أزمة فيروس كورونا، وبشكل عام أظهرت نتائج الدراسة أن حوالي ثلث الأسر المصرية باتت تعاني من عدم كفاية الدخل للوفاء بالإحتياجات الأساسية.
لجأت الأسر للإقتراض من الغير بنسبة وصلت 50.3% ولجاء البعض إلى المساعدات من الأقارب والأصدقاء ولكن إلى متى سوف يجدون من يقرضهم أو يقدم لهم المساعدة، كما لجاءت الأسر التي انخفضت دخولها إلى الإعتماد على أنواع أرخص من الغذاء بنسبة بلغت 92.5% وما صاحبها من إنخفاض إستهلاك اللحوم والطيور والأسماك، ولجاء البعض إلى تقليل كمية الطعام في الوجبات وتقليل عدد الوجبات الغذائية في أحيان أخرى وكما هو معتاد زادت حدة الأزمة في الريف عن الحضر.
كورونا والأمن الغذائي
ارتبطت أزمة فيروس كورونا بإنفجار أزمة شبه عالمية تتعلق بالأمن الغذائي، وقد بادرت بعض البلدان بإتخاذ عدد من التدابير الإحترازية المتعلقة بمنع تصدير بعض السلع الغذائية خشية مواجهة أزمة مستقبلية تتعلق بالأمن الغذائي.
الدكتور سمير عريقات أستاذ الاقتصاد الزراعي بمركز التخطيط والتنمية الزراعية أجرى دراسة تحمل عنوان: «كورونا والأمن الغذائي» صدرت ضمن سلسلة أوراق «مصر وعالم كورونا وما بعد كورونا» عن المعهد القومي للتخطيط. يطرح دكتور عريقات في دراسته تداعيات الأزمة على الأمن الغذائي على مستوى دول العالم غير أن ما يعنينا هنا يتعلق بتداعيات الأزمة على الأمن الغذائي في مصر تحديدا.
يشير دكتور عريقات في دراسته إلى أن مصر تعاني من عجز في الميزان التجاري الغذائي يسبق تفشي أزمة كورونا، وقد بلغ هذا العجز عام 2019 نحو «104.13 مليار جنيه» كما بلغ عجز الميزان التجاري المصري من السلع الغذائية نحو «68.1 مليار جنيه» بذات العام. أي أن بوادر الأزمة قد سبقت كورونا، فماذا سيكون عليه الحال بعد تفشي أزمة كورونا؟
د. سمير عريقات، ودراسته «كورونا والأمن الغذائي»
لم يتستفيض دكتور عريقات في توصيف معالم الأزمة الغذائية التي تعاني منها مصر لكنه بادر بتقديم عدد من التوصيات لمواجهة الأزمة تقوم على ضرورة العمل على تأمين حصول الفئات الهشة والأكثر تضررا من الأزمة على الغذاء وذلك عبر تعزيز برامج الحماية الاجتماعية وإعفاء بعض السلع من الرسوم الجمركية وضرائب المبيعات ودعم أسعار السلع الأساسية وتقديم دعم مالي غير مشروط لتلك الفئات المتضررة.
كما أوصى عريقات بضرورة ضبط الأسواق والأسعار وتشديد الرقابة على منافذ البيع ومكافحة الغش التجاري والممارسات الاحتكارية وتعزيز دور أجهزة الرقابة الإدارية وحماية المستهلك.
من جانب أخر أوصى عريقات بضرورة الحرص على تحقيق نوع من الإكتفاء الذاتي من المحاصيل الغذائية مثال: «القمح، المحاصيل الزيتية، البقول، الذرة الصفراء» إلى جانب توفير اللحوم الحمراء وغيرها من المواد الغذائية الضرورية، وذلك عبر الإرتقاء بقطاع الزراعة المصري من خلال إعتماد آلية تقوم على دعم المزارعين المصريين وزيادة المنح المخصصة للبحوث الزراعية وتفعيل عمليات الإستفادة من نتائج تلك البحوث، إلى جانب دعم قطاع الإنتاج الحيواني ومشروعات التصنيع الغذائي، مع دعم وتفعيل دور صندوق التكافل الزراعي واستمرار جهود منع وإزالة التعدي على الأراضي الزراعية.