عندما أعلنت وزراة الثقافة عن جوائز التميز لهذا العام كانت العيون تتجه لاسم الدكتور جودة عبد الخالق الذي حصل على جائزة النيل في العلوم الإجتماعية.
وجاءت جائزة النيل لتتوج مسيرة حافله لأستاذ الجامعة الملتزم بقضايا وطنه والقابض على جمر مبادئه رغم النوات والعواصف، مما يفسر هذا الاحتفاء الشديد بقيمة علميه وسياسية شديدة التميز والإستقامة الفكرية بعد إعلان حصوله علي الجائزة.
إعلان فوز د. جوده عبد الخالق بجائزة النيل
هو أستاذ الاقتصاد والسياسى البارز والوزير السابق قدم للمكتبه العربيه العديد من المؤلفات -الهامة ليس فقط فى علم الإقتصاد بل في العديد من المجالات. إذ أن اسهامات «عبد الخالق» السياسية متعددة وثريه بحجم ثراء تجربته الممتدة لأكثر من نصف قرن في العمل السياسي في صفوف اليسار المصري.
يمثل «عبد الخالق» الآن مرجعية مهمة في سياق الفكر الاقتصادى الاشتراكى في مصر وأحد حراس العداله الإجتماعية وواحد من أهم الأصوات الجادة التى ينصت لها الجميع حين يتحدث.
يمتلك «عبد الخالق» قدره هائله على إشاعة الأمل ويدير بابتسامته التى لا تفارقه أصعب المواقف وأكثرها تعقيدا.
يفتح طاقات من النور عبر طرح السهل والبسيط للقضايا الاقتصاديه المركبه ويحسب له أنه أحد رواد الفكر الاقتصادى الذين استطاعوا أن يقدموا لغة الأرقام لخطاب شعبى سلس يتلقاه غير المتخصص دونما صعوبة أو معاناة.
ليكمل بذلك مسيرة رموز كبار من أهمهم الراحل الدكتور «اسماعيل صبرى عبد الله» وقد خلفه «عبد الخالق» فى رئاسة اللجنة الاقتصاديه بحزب التجمع اليساري التى قدمت مئات الدراسات والأوراق حول الأداء الإقتصادى المصرى.
وتتمثل قدرة «عبد الخالق» في اقترابه الشديد من الناس ولغتهم وتفاصيل حياتهم وانغماسه في العمل اليومي والعام دون أن يرتبك أو يختل أحد تلك العناصر.
رحلة عطاء علمي وسياسي
ولد «جودة عبد الخالق» عام 1942 في قرية ميت العز التابعة لمركز ميت غمر بمحافظة الدقهليه وحصل على الدكتوراه في «فلسفة الإقتصاد» من جامعة مكماستر بكندا.
قدم للمكتبه عدد من الأعمال من بينها الصناعة والتصنيع في مصر و استراتيجية التنمية طويلة الأجل للكويت، عام 1981 و الانفتاح: الجذور- الحصاد – المستقبل و«القياس الاقتصادي: المبادئ وأهم المشكلات».
و«الانعكاسات الاقتصادية للغزو العراقي للكويت من المنظور الإستراتيجي، والإصلاح الاقتصادي وآثاره التوزيعية» و «الدين العام الداخلي في مصر: حجمه وهيكله ونتائجه، القاهرة».
ويعمل عبد الخالق كأستاذ للإقتصاد بكليه الإقتصاد والعلوم السياسية كما أنه أستاذ زائر لعدد من الجامعات من بينها جامعة مكماستر بكندا، و جامعات جونز هوبكنز، وكاليفورنيا، ولوس أنجلوس وجنوب كاليفورنيا، ولوس أنجلوس بالولايات المتحدة ،والجامعة التونسية، والجامعة الأمريكيه بالقاهرة.
يشغل «عبد الخالق» عددامن المواقع العلميه والسياسية من بينها السكرتير الفنى للجمعية المصرية للاقتصاد السياسي والإحصاء والتشريع، والمسؤول عن تنظيم المؤتمر السنوي للاقتصاديين المصريين، و عضو مجلس إدارة الجمعية ورئيس لجنة الموسم الثقافى بها لعدة سنوات وعضو فى الهيئة الاستشارية بأكاديمية البحث العلمي والتكنولوجيا ولجنة جوائز الدولة التشجيعية للاقتصاد الدولي بالمجلس الأعلى للثقافة، و اللجنة الاستشارية لبحوث المجلس الدولي للسكان، وعضو المجلس القومى للإنتاج والشئون الاقتصاديه و لجنة الاقتصاد بالمجلس الأعلى للثقافة غيرها من المسؤليات المتعددة.
https://youtu.be/PHj-UwZCB2A
من الميدان إلى الديوان
استطاع «عبد الخالق» أن يقدم نموذجا للجمع بين أستاذ الجامعة الاكاديمي والسياسي الذي يعمل بالسياسة مستندا لموقف اجتماعى واقتصادي لا يحيد عنه ولا يعرف المقايضه على مبادئه لذلك تجده من أشد المنحازين والمشاركين في ثورة 25يناير وقدم عشرات الدراسات حول تردى الوضع الإقتصادي خلال فترة حكم مبارك واشتبك مع سوء توزيع عوائد التنميه وهاجم كل السياسات التى تضر بالفقراء وتزيد من افقارهم.
عقب ثورة يناير وفي أول حكومة بعد يناير تولي «عبد الخالق» وزارة التموين ويقول حول هذا في كتابه الذي سجل تفاصيل تجربته في وزارة التموين «من الميدان إلى الديوان – مذكرات وزير في زمن الثورة» قائلا: «عشنا طوال عمرنا نتحدث عن العدالة الاجتماعية ولا ننحاز إلا إلى جانب الفقراء، ولا يمكن أن يكون موقفنا الآن هو إعلاء مصلحتنا الخاصة على المصلحة العامة. فلو فعلنا لكان ذلك خيانة للوطن» ويضيف فى الكتاب كان لديه 3 مطالب أولها تغيير اسم الوزارة، والثانى حضور اجتماعات مجلس الوزراء بدون رابطة عنق «كرافتة».
أما المطلب الثالث فكان عدم وضع كشك حراسة أمام المنزل قائلا «أنا وزوجتى نسكن في عمارة لها ثلاثة مداخل وبها عدد كبير من السكان، ولا أريد إزعاج أحد من جيرانى». أما الرابع والأخير فكان رغبته في الذهاب إلى مكتبه عبر مترو الأنفاق لأنه «يتيح لى فرصة التواصل مع الناس مباشرة ومعرفة الأمور التى تشغلهم ورأيهم فيما يجري في البلد».
وبالفعل وافق «أحمد شفيق» على الطلبات الثلاثة الأولى لكنه رفض الرابع بحسم نظرا لإعتبارات تتعلق بسلامة وأمن أعضاء الحكومة، وقبل الدكتور عبد الخالق العمل بالحكومة.
ويخوض التجربة وبالفعل تضاف عبارة «العداله الإجتماعية» بجانب «وزارة التموين» ليصبح «وزارة التموين والعداله الإجتماعية» ويمثل التغيير في المسمى تعبيرا واضحا عن قناعاته وانحيازاته فى تحقيق حلمه الذي ناضل من أجله طوال حياته فى توزيع عادل للثروة وعوائد التنميه.
كان «عبد الخالق» يخوض معركه مزدوجه يملك طرفاها قوة المال والسياسة الطرف الأول هو رجال الأعمال من بقايا عصر مبارك الذين يتحكمون في مفاصل الإقتصاد المصرى.
والثانى هو جماعة الأخوان وعلي رأسها رجل الاعمال خيرت الشاطر ورغبتها فى وراثة رجال مبارك في السيطرة على الاقتصاد.
كان «عبد الخالق» الوزير الأكثر استهدافا من كليهما لكنه وقف متماسكا يعلم «نواب الإخوان» فى البرلمان الذي يمثلون الأغلبيه به يعلمهم كيف تتم إدارة الحوار السياسي وكيف تناقش أمور بلد بحجم مصر.
ورغم الجدل الذي صاحب توليه تلك المهمة حتى من رفاق دربه -والذي حسمه حينها لصالح توليه المهمة والواجب الوطني
منح «عبد الخالق» روحا لمنصب الوزير عندما يمتلك خلفيه سياسية –
أعطى «عبد الخالق» ومايزال يعطي نموذجا مميزا للعمل الوطنى سواء من خلال دوره كأستاذ جامعي ومفكر اقتصادي مرموق يعلن انحيازه الدائم للإشتراكيه والعدل الإجتماعي أو من خلال عمله السياسى والحزبي الذي يمتد لنصف قرن تقريبا مرورا بتجربته في وزارة التموين وقبل كل هذا ومن بعده فإنه يمثل رحلة غنيه بالعطاء برفقة زوجته الدكتورة كريمه كريم – أستاذ الإقتصاد بجامعة الأزهر – والحاضرة بقوة في مسيرته الممتدة إنسانيا ووطنيا.