كيف يمكن قياس القيمة الحقيقية لأي عمل سينمائي؟ قد تكون الإجابة الأقرب للصواب هي مدى قدرة هذا العمل على الاستمرار والبقاء والحفاظ على مضمونه ورسالته حتى بعد سنوات عدة من تاريخ إنتاجه.
هذا ما ينطبق تماما على فيلم «معركة الجزائر» للمخرج الإيطالي جيلو بونتكيرفو الذي أخرجه في عام 1966 وتناول فصلا مهمًا من تاريخ الثورة الجزائرية ضد الاستعمار الفرنسي بأسلوب سينمائي كان جديدًا في ذلك الحين.
أثار الفيلم قدرًا كبيرًا من الجدل السياسي وصل إلى درجة قيام الحكومة الفرنسية بمنع عرضه في عام 1967
إلا أن الفيلم عاد مرة أخرى إلى دائرة الضوء مع حرب العراق التي تشابهت أحداثها بدرجة كبيرة مع أحداث حرب الجزائر، وقرر مسؤولو وزارة الدفاع الأمريكية «البنتاجون» تنظيم عروض للفيلم يحضرها كبار ضباط الجيش الأمريكي للاستفادة من خبرة حرب المدن التي يقدمها الفيلم بين ثوار الجزائر والمظليين الفرنسيين الذين كانوا يمثلون قوات النخبة في الجيش الفرنسي في ذلك الوقت.
يعرض الفيلم، الذي تم اختياره في أحد الاستفتاءات مؤخرا كأهم فيلم سياسي في القرن العشرين، لفترة في عمر الثورة الجزائرية تمتد من 1954 (عام انطلاق الثورة) وحتى ديسمبر 1960، ويصور صراع جبهة التحرير الجزائرية والقوات الفرنسية على السيطرة على مدينة الجزائر عبر مجموعة من القصص المتقاطعة مع بعضها، تروي الأحداث من وجهات نظر مختلفة، منها وجهة النظر الجزائرية ممثلة في خلية القائد يوسف سعدي التي ضمت مجموعة من الفدائيين مثل علي لابوان وجميلة بوحريد، ووجهة النظر الفرنسية ممثلة في الكولونيل ماسو الذي قاد القوات الفرنسية في المدينة.
اتبع بونتكيرفو في هذا الفيلم الذي شارك في كتابة السيناريو له وأنتجه أيضا أسلوبا جديدا في إخراج الفيلم جاء متماشيا مع موجة «الواقعية الجديدة» في السينما الإيطالية التي كانت رائجة آنذاك.
لم يلجأ المخرج للاستعانة بأية صور أرشيفية أو أفلام تسجيلية وقام بإعادة تصوير الأحداث بالكامل بما في ذلك مشاهد المعارك والتفجيرات والمظاهرات الحاشدة.
كما لم يستعن بأي نجوم معروفين باستثناء الممثل الفرنسي جان مارتن في دور الكولونيل ماسو، أما بقية الأدوار فاختار لها ممثلين أغلبهم من الوجوه الجديدة، مثل إبراهيم حجاج في دور علي لابوان، والفدائي يوسف سعدي الذي شارك في الفيلم بأداء شخصيته الحقيقية تحت اسم «جعفر».
ورغم أن الفيلم اعتمد على مذكرات يوسف سعدي كمصدر أساس للأحداث؛ إلا أن السيناريو عرض لها من وجهة نظر محايدة، فأبرز التعذيب الذي مارسه الفرنسيون بحق المعتقلين بالضرب المبرح والصعق بالكهرباء، لكنه أبرز في الوقت نفسه عنف جبهة التحرير ضد العملاء أو من اعتبرتهم «خارجين على تعاليم الدين الإسلامي».
يسهل على من يشاهد الفيلم اليوم أن يلاحظ التشابه بين أحداثه وبين الأحداث في فلسطين المحتلة، فأساليب الاحتلال تكاد تكون واحدة، مثل عزل الأحياء عن بعضها وإقامة نقاط تفتيش وحواجز عسكرية، إلا أن كافة هذه الأساليب – كما يبرز الفيلم في مشهده الختامي- لا توقف المقاومة بل على العكس تماما تزيدها قوة.
لذلك لا يبدو غريباً أن يصف فنانون مناهضون للحرب على العراق وأفغانستان مثل الممثل والمخرج الأمريكي تيم روبينز فيلم «معركة الجزائر» بأنه الفيلم الأهم في تاريخ السينما.