فن

نسبة الـ ٢٥ ٪ قبلة الحياة للسينما المصرية أم رصاصة الرحمة

رغم المعاناة التي تقاصي منها صناعة السينما منذ سنوات -ولا تجد من يمد لها يد العون-، بدءا من تراجع الإنتاج والذي وصل لأدنى المستويات في تاريخ هذه الصناعة (20 فيلم سنويا في أحسن الأحوال)، وهو رقم مرشح بالطبع للتراجع ربما للنصف بسبب ظروف «الجائحة».

يضاف إلى ذلك عوامل أخرى مثل «الشللية» علي العملية الانتاجية، و حروب التوزيع بين الكيانات الإنتاجية والتي بدأت منذ فترة ولا زالت تشهد الساحة الفنية كل موسم فصولا منها، ومن أسباب المعاناة أيضا بقرصنة الأفلام و عجز الجميع عن وضع حد لهذا الاستنزاف، مرورا بالضرائب التي رفعت من سعر التذكرة مما أثر بالطبع على حجم الإيرادات، 

المؤكد أن صناعة السينما في مصر مرت ولاتزال كما أشرنا بمشكلات كثيرة لكن مع وصول «الجائحة» ازداد الأمر صعوبة بالنظر لعدد العاملين في هذه الصناعة والذين تضرروا بشكل مباشر من توقف العمل وهو رقم لا يمكن الاستهانة به.

فهل يعتبر قرار الحكومة المصرية بإعادة فتح دور العرض السينمائية بنسبة 25% بمثابة تحريك المياة الراكده منذ شهور، والدفع بالدماء في عروق صناعه كادت أن تتوقف تماما، أم أن هذا القرار «لا يسمن ولا يغني من جوع» وربما يزيد من حجم الخسائر؟

شروط

رغم تفهم عدد كبير من العاملين بصناعة السينما لظروف «العودة المشروطة» والإجراءات الاحترازية التي فرضت وجود هذه النسبة والتي ربما يطول العمل بها في دور العرض. إلا أن الأمر لا يعني وجود الإرتياح التام لهذه القرارات، حيث تشهد الأجواء مساعي يبذلها البعض في محاولة لتحسين شروط العودة و في مقدمتهم غرفة صناعة السينما نظرا «لأن هذه النسبة لا يمكن بأي حال أن تقوم بتغطية تكلفة التشغيل من أجور عاملين بدور العرض، خدمات الكهرباء وماكينات التشغيل و صيانتها وايجارات دور العرض وغيرها من المصارف التشغيلية»، كما أوضح المنتج هشام عبد الخالق نائب رئيس غرفة صناعة السينما مشيرا إلى أن الإيرادات التي ستتحقق من نسبة الـ 25% لن يمكنها بأي حال تغطية أية تكاليف خصوصا في ظل حظر التجول الذي يتبعه إلغاء الحفلات الليلية و حفلات منتصف الليل والتي تشكل النسبة الأكبر من حجم الإيرادات.

المنتج هشام عبد الخالق

تخوفات مشروعة أخرى يطرحها المنتج هشام عبد الخالص  من بينها اليل النسبة والتخوفات المشروعة من قبل بعض المنتجين ومن ثم اختمال عزوف عن طرح أفلام جديدة نظرا لتكلفتها المرتفعة، وفشل نسبة الـ 25 % المقترحة في تغطية التكلفة الإنتاجية للأفلام، وهيت خوفات أكدها أيضا المنتج جابي خوري، عضو غرفة صناعة السينما المصرية والمالك لعدد من دور العرض، مشيرا إلى أنها تخوفات مشروعة خصوصا و أن أصحاب دور العرض يتحملون تكاليف ثابتة وهذا الحد الأدني من التشغيل الـ «25 %» لن يغطي هذه المصروفات، خصوصا مع التزامهم بدفع رواتب العاملين طوال فترة التوقف، لذا فإن كل هذه المشاكل حتما ستنعكس لاحقا على دوران عجلة إنتاج الفيلم المصري، خصوصا إذا ظلت دور العرض السينمائية في مختلف البلدان العربية مغلقة، نظرا لأن التوزيع الخارجي للفيلم المصري أحد أهم العناصر التي يعتمد عليها في الإيرادات.

المنتج جابي خوري

خسائر

في إطار الخروج من هذه الأزمه هل يلجأ أصحاب دور العرض لرفع سعر التذكرة، في محاولة منهم لتقليل الخسائر؟

ينفي مدير عام غرفة صناعة السينما سيد فتحي ما تردد بهذا الخصوص مؤكدا أن أسعار التذاكر لم تشهد أي زيادة مع إعادة فتح النشاط رغم كل ما تحمله أصحاب دور العرض ومنتجي الأفلام من خسائر، مشيرا لأن أعضاء الغرفة في حالة انعقاد لبحث سبل الخروج من هذه الأزمة بأقل الخسائر في ظل سياسة التعايش مع «الجائحة» والتي قد تمتد لفترة، وتحديدا ما يتعلق بزيادة نسبة الإشغال تدريجيا، أو إيجاد حلول للحفلات المسائية بوصفها الممول الرئيسي للإيرادات.   

سيد فتحي مدير عام غرفة صناعة السينما

سينما السيارات أحد الحلول التي طرحها البعض لتجاوز هذه المحنة التي تمر بها صناعة السينما، إلا أن البعض من العاملين بهذا القطاع لم يتحمسوا لها ولأسباب كثيرة ربما في مقدمتها عدم جاهزيتها، وفي ظل الأعباء الكثيرة التي تعيق الصناعة لن يتحمس أحد لضخ أموال في هذا الإطار، ما يفسر أيضا عدم حماس عدد كبير من المنتجين للدفع بأفلامهم الجديدة مع إعادة النشاط، بل وإعادة طرح نفس الأفلام التي كانت موجودة قبل أزمة الكورونا، رغم المخاطرة بضآلة الإيرادات.

الغريب أن المنتج أحمد السبكي «كالعاده» قرر التحليق خارج السرب والمغامرة بطرح فيلمه «صاحب المقام» وهو من بطولة الفنانة يسرا و الفنان آسر ياسين ومن إخراج محمد جمال العدل، فور الإنتهاء من عمليات المونتاج و المكساج، وفي تصريحات صحفية أشار السبكي لأنه لا يخشى طرح فيلمه في هذا التوقيت، إيمانا منه بضرورة مساندة صناعة السينما أسوة بما كان يفعل في أعقاب ثورة يناير حيث كان حريصا على إدارة عجلة الصناعة بإنتاج الأفلام و عرضها دون حسابات تتعلق بالخسارة و المكسب، الأهم لديه هو دعم الصناعة التي يعشقها.

فيلم «صاحب المقام»

دخل قومي

يخطيء من يتعامل مع صناعة السينما بوصفها وسيلة للترفيه فحسب، أو في أحسن الحالات تلعب دورا ثقافيا و اجتماعيا وسياسيا، بإلقائها الضوء على المشاكل التي يعاني منها المجتمع، فيما يتغافل البعض وبالأخص صناع القرار على أهميتها كصناعة كانت ذات يوم بمثابة جزء هام من الدخل القومي لمصر، إضافة للدور الثقافي الذي لعبته هذه السينما على مدى تاريخها ما يفسر لماذا كانت و ستظل لها مكانتها في ذاكرة و وجدان الجماهير العربية، ما يجعلنا نسأل لماذا تجاهلها الأن صناع القرار، ومن ثم حاصرتها المشاكل و العثرات من دون محاولات جادة للإصلاح، ثم جاءت الجائحة لتزيد الطين بله وتتعرض الصناعة لخسائر فادحة، كذلك تخسر الدولة ملايين الجنيهات من متوسط العائد الضريبي نتيجة لإغلاق دور العرض منذ بدء انتشار الفيروس في مارس الماضي، وذلك وفقا لدراسة تحليلية أعدها المركز المصري للدراسات الإقتصادية حول الخسائر التي طالت أجهزة الدولة من جراء هذه الجائحة، وليس فقط رجال صناعة السينما في مصر.

ما يفسر لماذا طالبت الدراسة بضرورة التدخل الحاسم والسريع من قبل الدولة لإنقاذ هذه الصناعة، حتي أنها أوصت بمراجعة العبء الضريبي علي قطاع السينما، بل وتأجيل أي التزامات ضريبية علي الشركات المنتجة و دور العرض حتى تتجاوز الصناعة محنتها و تعود نسبة الإشغال لمعدلاتها الطبيعية.

باختصار طالبت الدراسة بضرورة إضافة السينما للقطاعات الأخرى المستفيدة من التيسيرات التي يقدمها القطاع المصرفي للعبور بالصناعات من الأزمة التي تسببت فيها «الجائحة»، و معاملة السينما كأي صناعه لابد أن يمد لها العون من أجهزة الدولة نظرا لأهميتها (السينما) على أصعدة مختلفة، خصوصا و أن هذا القطاع يعمل فيه كما أشرنا عدد لا يستهان به، تضرروا بالفعل بشكل مباشر، مع التوصية بضرورة دعم الدولة للإنتاج السينمائي بشكل عام والوصول لحل جذري لأزمة القرصنة والتي تهدد الصناعة في مقتل.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock